كتاب كارتر تجاهله العرب وهاجمه الأمريكيون واليهود
الجمل: في معظم الأحوال، يتفرغ الرؤساء الأمريكيون لشؤونهم الخاصة، بعد انقضاء فترة عملهم الرئاسية في البيت الأبيض، وعادة ما لا يسمع عنهم إلا القليل، ما عدا الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، فقد ظل ناشطاً متحركاً في الشأن العام، متفرغاً لشؤون المعهد الذي أسسه تحت اسم معهد كارتر، والذي يهدف لحل النزاعات والصراعات الدولية والإقليمية، وفي هذا الصدد استطاع جيمي كارتر أن يقود العديد من المبادرات الهادفة إلى تحقيق الاستقرار في المناطق المضطربة.
ظل جيمي كارتر ناشطاً في الحزب الديمقراطي الأمريكي، وبعد أن عمل حاكماً لولاية جورجيا الأمريكية، رشحه الحزب إلى الرئاسة الأمريكية، واستطاع أن يتربع على عرش البيت الأبيض الأمريكي خلال الفترة من عام 1977 وحتى عام 1981م.
شهدت فترة رئاسة كارتر العديد من التطورات الإقليمية والدولية، وكان أبرزها:
- سقوط شاه إيران، وانتصار الثورة الإيرانية، وبروز أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران.
- - أزمات الطاقة النفطية العالمية.
- أزمات القروض الخارجية التي عصفت باقتصاديات العالم الثالث.
- بروز وتصاعد برامج الخصخصة والتكيف والتثبيت الاقتصادي بقيادة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
- غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان.
- الإشراف على عقد اتفاقيات كامب ديفيد، والسيطرة على تداعياتها.
- إدارة مفاوضات الحدّ من التسلح.
حملت الأنباء مؤخراً، خبر صدور كتاب جديد من تأليف جيمي كارتر، وما كان جريئاً ولافتاً للنظر عنوان كتاب: (سلام فلسطين، وليس الأبارتهايد)، وقد كان هذا العنوان وحده كافياً لخلق ضجة كبيرة داخل وخارج الولايات المتحدة، وذلك لأن التجرؤ على نقد إسرائيل تترتب عليه الكثير من المشاكل القانونية داخل الولايات المتحدة، بسبب وجود قانون مناهضة السامية، وأيضاً بسبب سيطرة عناصر اللوبي الإسرائيلي على المحكمة العليا الأمريكية.. إضافة إلى المشاكل الأخرى التي يمكن أن ترتب على عملية الدخول في المواجهة والحرب الباردة مع منظمات اللوبي الإسرائيلي داخل وخارج أمريكا.
تحدث كارتر بصراحة في كتابه، منتقداً السياسات الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين وإزاء جيرانها العرب، وألقى قدراً كبيراً من اللوم والمسؤولية على توجهات الإدارة الأمريكية الحالية، التي ظلت تنتهج وتتبنى سياسة خارجية شرق أوسطية تقدم الدعم والمساندة والغطاء الدولي والإقليمي لإسرائيل، على النحو الذي لم يجعل من أمريكا حليفاً استراتيجيهاً لإسرائيل وحسب، بل وشريكاً لها في كل جرائمها. وخلص كارتر إلى وصف السياسة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين بأنها أكثر سوءاً من السياسات العنصرية التي كان ينتهجها نظام الأبارتهايد ضد السكان السود في جنوب افريقيا، وأضاف قائلاً إن إسرائيل أسوأ من ألمانيا النازية.
كذلك، لم يكتف كارتر بصب جام غضبه على الإسرائيليين والإدارة الأمريكية، بل قال بأن كندا وبلدان غرب أوروبا، شاركت الإدارة الأمريكية والإسرائيليين في الجريمة البشعة ضد الفلسطينيين، وذلك عندما قامت هذه الأطراف بإيقاف تنفيذ الدفعات المالية عن الحكومة الفلسطينية التي أصبحت تقودها حماس. واصفاً هذا الإجراء بأنه (جريمة)، وقال: إن الهدف من هذا الإجراء، ليس الضغط على حماس لكي تعترف بإسرائيل، وإنما معاقبة الشعب الفلسطيني عقاباً جماعياً لأنه أدلى بصوته في الانتخابات لصالح حركة حماس.
أدى صدور كتاب كارتر إلى جملة من ردود الأفعال، ومن أبرزها:
• قامت الجماعات اليهودية داخل وخارج أمريكا برفع عدد من العرائض والمذكرات التي تستنكر نشر هذا الكتاب الذي يشبه نظام الأبارتهايد القائم على الفصل العنصري، بالسياسة الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين.
• الزعماء السياسيون الأمريكيون الموالون لإسرائيل أبدوا الكثير من سخطهم وانزعاجهم من صدور هذا الكتاب، وكان من أبرزهم: نانسي بيلوزي زعيمة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي.
• استقالة كينيث شتاين، عضو معهد كارتر، ومستشار الرئيس السابق كارتر.
وأخيراً نقول: ماتزال تداعيات كتاب جيمي كارتى، وما ورد فيه من انتقاد لإسرائيل والإدارة الأمريكية وحلفاءهما، تزداد يوماً بعد يوم.. ويُقال: إن كارتر قد سرد في هذا الكتاب الكثير من الوقائع والخفايا التي صاحبت اتفاقيات كامب ديفيد وما بعدها.. وبرغم صدور الكتاب في منتصف شهر تشرين الثاني الماضي، وصعود حركة شراء الكتاب الى رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، فإنه لم تتكرم دار نشر عربية واحدة بنشر ترجمة لهذا الكتاب، إضافة إلى أنه حتى كبريات الصحف العربية لم تقم بتقديم عرض يلخص لمحتويات فصول هذا الكتاب الهام.
كما كان الأمر مع كتاب مذكرات الرئيس بيل كلينتون وقصة مع مونيكا لونيسكي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد