بداية حامية للمواجهات بين الجيش السوري و«داعش»
ترتسم في أفق الأزمة السورية معالم مرحلة جديدة من المواجهات الحامية بين الجيش السوري من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» من جهة ثانية، بعد مرور أشهر طويلة نسبياً لم يحدث فيها أي اشتباك مباشر بين الطرفين.
وبعد حوالي أسبوعين من المناوشات والاشتباكات المحدودة، شنّ «داعش» أمس هجوماً مزدوجاً على كل من «الفرقة 17» في الرقة و«الفوج 121» (فوج الميلبية) في الحسكة، الأمر الذي يمكن اعتباره من جهة أضخم هجوم عسكري يقوم به «داعش» منذ تأسيسه، ومن جهة أخرى أعنف مواجهة بينه وبين الجيش السوري منذ بداية الأزمة.
ويأتي هذا الهجوم بعد أيام من سيطرة «داعش» على حقل الشاعر للغاز في بادية تدمر بريف حمص والذي تسبب باستشهاد العشرات من عناصر الجيش السوري. ورغم خطورة هذا الهجوم إلا أنه لا يمكن قياسه بالهجوم المزدوج الذي حصل أمس، لا من حيث الحجم ولا من حيث التداعيات، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار التنوع الطائفي والقومي الذي تنطوي عليه محافظة الحسكة.
الهجوم على «الفرقة 17»
بدأ «داعش» أولاً بالهجوم على «الفرقة 17» في ريف الرقة الشمالي، التي تعتبر من آخر معاقل الجيش السوري في المنطقة وأكثرها تحصيناً بعد مطار الطبقة، وذلك في ساعة متأخرة من ليل أمس الأول.
وكالعادة استهلّ الهجوم بإرسال سيارة مفخخة يقودها السعودي عبدالعزيز السعودي (خطاب النجدي). والسيارة من نوع «كيا» مكتوب على زجاج نوافذها أسماء ثلاثة من المعتقلات في السجون السعودية، بينهن اسم هيلة القصير التي تكون ابنة أخت الانتحاري.
وتحت غطاء قصف كثيف بالمدفعية والقذائف الصاروخية وصلت السيارة إلى محيط «الفرقة 17»، حيث أحدثت انفجاراً ضخماً اهتزت له الأبنية في مدينة الرقة. وكان من المتوقع أن يتسبب التفجير الانتحاري بإحداث ثغرة يتسلل منها 40 انغماسياً كانوا ينتظرون إشارة البدء لاقتحام الفرقة، ونقل الاشتباكات إلى داخلها لإثارة الفوضى والتأثير على معنويات الجنود، لكن يبدو أن السيارة انفجرت قبل أوانها، نتيجة إصابتها بقذيفة أطلقها عناصر الجيش السوري من الداخل، الأمر الذي استدعى إرسال انتحاري آخر، سعودي أيضاً، واسمه عبدالله صالح السديري يلقب بـ«أبو صهيب الجزراوي» الذي قاد شاحنة محمّلة بأطنان عدة من المتفجرات، لكنه فشل أيضاً في الوصول إلى الفرقة وانفجرت شاحنته قبل الوصول إلى هدفها المحاذي لموقع كتيبة الإشارة (إحدى الكتائب الموجودة ضمن «الفرقة 17»).
وبحسب المعطيات المتوفرة، فقد شارك في الهجوم حوالي 600 عنصر من «داعش»، بالإضافة إلى 40 انغماسياً، وتشكيلات من أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة كافة، ولاسيما مدفعية 57 و130 ملليمتراً.
وتوزع المهاجمون على ثلاثة محاور، الأول بمحاذاة مساكن العسكريين، والثاني قيادة الفرقة والثالث ثكنة الأغرار. وحدثت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، حاولت من خلالها حامية الفرقة، التي يعتقد أنها تتألف من 300 جندي سوري، صدّ الهجوم ومنع حدوث أي اختراق لأسوار الفرقة التي تهدّمت أجزاء منها بفعل هجمات سابقة خلال العام الماضي. وساند الطيران الحربي حامية الفرقة عبر قصف مواقع ومراكز انتشار المهاجمين ومنعهم من الاقتراب، كما قامت الطوافات باستهداف مقار ومواقع لـ«داعش» داخل مدينة الرقة.
وأعلنت صفحات مقربة من «داعش» سقوط صاروخي أرض - أرض، الأول بالقرب من مبنى نقابة الصيادلة حيث انفجر في الجو قبل وصوله، بينما انفجر الثاني على حدود محافظة الرقة من دون أن تذكر الصفحات المكان بدقة.
ولم تعرف حصيلة الهجوم من حيث أعداد القتلى والجرحى، إلا أن حساب «ولاية الرقة»، التابع لـ «داعش»، عرض صوراً لستة جنود سوريين مقطوعي الرأس، قال إن مقاتلي التنظيم قاموا بذبحهم داخل الفرقة، بينما أكد مصدر ميداني سقوط عدد من القتلى لـ «الدولة الإسلامية» لم تعرف أعدادهم ولا أسماؤهم نتيجة التعتيم الإعلامي المحكم من قبل «داعش» على مجريات المعركة. هذا وما زالت الاشتباكات مستمرة، ترتفع وتنخفض وتيرتها من ساعة إلى أخرى.
«الفوج 121» ومبنى «البعث»
يسود اعتقاد أن الهجوم على «الفرقة 17» ربما كان بهدف التغطية على الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه «داعش»، وهو محاولة توجيه ضربة إلى مواقع الجيش السوري لمنعه من الاستمرار في الحملة العسكرية التي بدأها قبل أسبوع في كلّ من ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الغربي، اللذين يسيطر عليهما «داعش».
ولم تكد تمضي ساعات على بدء الهجوم على «الفرقة 17» في الرقة، حتى شنّت مجموعات من «داعش» فجر أمس هجوماً استهدف هذه المرة «الفوج 121»، المعروف بفوج الميلبية وحاجز البانوراما في ريف الحسكة. ويعتبر «الفوج 121» من أهم المواقع العسكرية للجيش السوري في المنطقة، ويؤدي دوراً كبيراً في استهداف مقار ومراكز المسلحين في ريف الحسكة الجنوبي، نظراً لوقوعه على مرتفع يتيح له الإشراف على مساحات كبيرة منها.
وكان الجيش السوري قد بدأ قبل أسبوع حملة عسكرية على بلدات وقرى يسيطر عليها «داعش»، سواء في ريف دير الزور الغربي، مثل قرية عياش التي شهدت معارك عنيفة في وقت سابق، أو في ريف الحسكة الجنوبي، مثل صوامع الخير وقرية الكرامة باتجاه مدينة الشدادي التي تعتبر معقلاً رئيسياً لـ «الدولة الإسلامية»، وذلك في مسعى من الجيش على ما يبدو لتقطيع أوصال المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ومنعه من تكريس الأمر الواقع الذي حصل بعد سيطرته على دير الزور في سوريا والموصل في العراق.
ويأتي هجوم «داعش» في سياق الرد على هذه الحملة العسكرية ومحاولة إيقافها أو عرقلتها، خصوصاً أنه أحسّ بجدية الجيش السوري بالاستمرار فيها من دون هوادة. وبحسب مصدر مقرّب من «داعش» فإن قوة كبيرة شاركت في الهجوم على الفوج قدم معظمها من مدينة الشدادي، نافياً صحة الأنباء التي تحدّثت عن دخول ما أسمته بعض وسائل الإعلام «لواء البغدادي» من العراق للقيام بالهجوم.
وحدثت اشتباكات عنيفة بين المهاجمين من جهة وبين عناصر الفوج من جهة أخرى، بالتزامن مع قيام مجموعة من 4 انغماسيين بالهجوم على مبنى «حزب البعث» في الحسكة، حيث تمكّنوا من قتل عضو قيادة الفرع حنا عطا الله بعد دخولهم إلى المبنى متنكّرين بزي الدفاع الوطني.
وتضاربت الأنباء حول وقائع المعركة على جبهة فوج الميلبية، ففي حين ذكرت مصادر إعلامية مقربة من «داعش» أن المهاجمين تمكنوا من اقتحام الفوج والاشتباك عن قرب مع عناصره ما أدى إلى استشهاد قائد الفوج العميد مزيد سلامة و20 جندياً، بينما حوصر عدد آخر من الجنود في أطراف الفوج، وأكد مصدر ميداني يضطلع بقيادة جانب من عملية الدفاع عن الفوج أنه «لا صحة لكل ما قيل عن اقتحام الإرهابيين لمقر الفوج، وأن جنود الجيش تمكنوا من صد الهجوم وإفشاله ومنعه من تحقيق أهدافه».
الى ذلك، قال مصدر عسكري إن «الجيش فرض سيطرته على جميع التلال المحيطة بحقل الشاعر للغاز»، حيث أصبح الحقل تحت مرمى نيرانه»، مشيراً الى «انسحابات بالجملة من قبل مسلحي داعش امام الكثافة النارية للجيش السوري، وان المعركة ستحسم خلال وقت قريب جداً».
وأشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيان، إلى وقوع اشتباكات بين عناصر «داعش» والقوات السورية في محيط مطار كويرس العسكري في ريف حلب، فيما أغار الطيران السوري على مدينة الباب شمال المطار.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد