مصر و معارك المصير الملتبسة
الجمل ـ معن صالح: في اللحظة التي يؤكد فيها الكرملين ان رسائل التحذير لا تجدي نفعا مع بوتين ، ها هو يقتحم احد اهم المعاقل التي ما زالت تعتبر ضمن الفريق المحسوب على الولايات المتحدة الامريكية و حلفائها في المنطقة . فمصر و حتى هذه اللحظة لم تعلن حقيقة مواقفها و لم تحدد سمت موقعها ما بين الشرق والغرب و بين تحالفاتها السابقة و بين المحور او التحالف الجديد الذي يجمع الدول المستهدفة بشكل مباشر في البقعة الجغرافية الممتدة من الحدود الغربية لروسيا وصولا الى ما يتجاوز الحدود الغربية لمصر وليبيا و من شمال تركيا الى اليمن جنوبا . فمصر السيسي بالتأكيد هي غير مصر مرسي والإخوان مع التنويه إلى وضوح الرؤيا في مرحلة الاخوان حيث كانت الخيارات محسومة بينما ضبابيتها في عهد مرسي هي الحالة المسيطرة حتى اللحظة .
فبوتين يجيد مسك الحبال في هذه المرحلة بالذات، خاصة ان السيسي قد قذف طرف الحبل باتجاه روسيا . لكن السؤال الأهم هو: ماهي طبيعة الحبال التي قذفها السيسي باتجاه بوتين ؟ هل هي الدولاب الاحتياطي في سيارة السيسي الذي يستبدله فور اصلاح الدولاب الاساسي ؟
ان عدم حماسة اميركا و الغرب لما قام به السيسي و ما اعتبروه انقلابا على شرعية الاخوان اغضب السيسي بل صدمه كونه يتوقع قبولا لدى الغرب أكثر من الإخوان، خاصة أنه يعتبر انقلابه على الاخوان و ليس على الغرب، فهو لم و لن يعلن أي قطيعة لتحالفات مصر مبارك واتفاقياتها السابقة لا بل اقترب أكثر من الحليف الأكبر لاميركا في المنطقة: السعودية، مقدما لها مباركة صامتة في نهجها تجاه الملف السوري وسياساتها تجاه المنطقة، مستفيدا من منافستها لتنظيم الاخوان الذي يعتبر الإبن الشرعي للوهابية و الأخ الشقيق للقاعدة، غير المعترف بهما سعوديا، فقط لكونهما يمتلكان بنية تنظيمية يمكن لها ان تهز عرش آل سعود الذي يفضل ان يستثمر الحالة القبلية لمصلحة و جوده و بقائه ممسكا برقاب السعوديين .
و بالعودة الى لعبة شد الحبال التي إن لم ينجح بها حاكم مصر الجديد فإنها ستعود على مصر بكوارث حقيقية.. فالحدود المصرية بجهاتها الأربع براً وبحراً ليست بمنأى عن التوترات المحدقة بها و التي لا يمكن التكهن بعواقبها متى انفلتت بها الأمور .
في المقابل هناك الحركات السلفية التكفيرية بكل تفرعاتها التي تخوض في هذه المرحلة حربا على معظم الجبهات في اليمن وسورية والعراق وليبيا وغيرها، حيث حولت الصراع الى حالة دموية تخرج عن حدود المنطق البشري في ابتكار أساليب القتل والترويع . علما أن مصر مازالت في الحدود الضيقة لهذا النوع من الصراع الذي يكاد ينحصر في منطقة سيناء و بعض النشاطات المحدودة في القاهرة ومحيطها إضافة الى ما يتم التحضير له لمصر انطلاقا من الساحة الليبية . و هي مازالت بمثابة حروب إلهاء للنظام المصري الذي تنتظر منه اميركا أن يعود صاغراً و إلا يمكن أن تفتح عليه أبواب جهنم في الوقت الذي تريد .
لا شك أن السيسي يعي المنطق الامريكي و يعرف ماذا يعني الصمت الأمريكي في لعبة الانتظار حيال ما يجري في مصر . و لابد من الاعتراف بالخطوة المصرية الجريئة بفتح بوابتها الشرقية على روسيا و استقبال بوتين على طريقة القياصرة و الفرسان يحيطون سيارته التي تحمل كلاشينكوفا روسيا سيضعه بوتين بين يدي السيسي مع مجموعة من الصفقات التجارية التي وقع عليها البلدان .
ذهب بوتين إلى مصر و هو يعلم تماما ماذا يريد من هناك ، ويبقى السؤال الأهم هل السيسي يعرف ماذا يريد من بوتين ؟ و هل هو لا يستخدمه كفزاعة للأميركيين في الصراع الدائر بالمنطقة .
خلاصة القول إن حروب الإلهاء تحوم حول مصر و داخلها . و كل ما نخشاه ان يكون السيسي دخل في خضم هذه الحروب على حساب الحروب المصيرية التي يجب ان تخوضها القاهرة من خلال حسم مواقفها واتجاهاتها في مرحلة لم تعد حجة القمح الامريكي و حدها كافية لتبرير وجودها في محور هو أساسا يدعم الاخوان الدّ اعداء السيسي !
إضافة تعليق جديد