إلى أين تتجه الرياح الأميركية في سوريه
الجمل- * جيم دبليو دين- ترجمة: رندة القاسم:
"إن أردت صنع سلام مع عدوك فعليك العمل معه، و عندها سيصبح شريكك" (نيلسون مانديلا)
غالبا ما يستخدم تعبير "الرمال المتحركة" لوصف الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط ، و هو صحيح، و لكن يمكن إضافة تعبير آخر و هو "الرياح المتغيرة". و بذلك أعني أن بعض الأموال المتدفقة من أجل استمرار الجيوش و الإرهابيين المفوضين من أميركا بدأت تنضب في حقول القتل السورية.
سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بداعش عملة ذات وجهين. و طالما قلت أنه لا يمكن التحكم بهؤلاء التكفيريين مصاصي الدماء، و كنت محقا. فكل مؤسسات الفكر ترى الآن أننا دربنا و مولنا أعدادا كبير من المجندين الذين انتهى بهم المطاف في جيش داعش.
و نملك أدلة على الدعم المباشر لداعش من قبل ضباط عسكريين أميركيين معروفين جدا، و أعضاء في الكونغرس و مقاولين أوغاد كانا يقودون حربهم الموازية الخاصة بهم ضد الأسد،عبر ما يمكن تسميته حكومة الظل.
الجيش السوري الحر لعب دور ميدوسا (في الأسطورة الاغريقية واحدة من ثلاث أخوات شريرات، شعرها عبارة عن ثعابين و كلما نظرت الى أحد تحوله الى حجر) في هذه التراجيدية إذ لعب مقاتلوه المجرمون دور الثعابين.
النائبة في الكونغرس الأميركي جين هارمون ، صوت اسرائيل في أميركا، وصفت الأمر بطريقة مباشرة بالقول: " تبدو المعارضة السوريه المسلحة، الحاصلة على الموافقة الأميركية و المحابية لأميركا ، منظمة واحدة كبيرة . و لكن في الحقيقة هي مجموعة "ألوية" ذات أحجام متنوعة و ولاءات متغيرة تنمو حول قادة محليين ، أو إن أردت، قادة عسكريين محليين".
و تقود المجموعة التي تضم :بندر بوش ،خدمة الاستخبارات السرية البريطانيه، الفرنسيين، السي آي ايه، الاسرائيليين و أموال دول الخليج، نسخة مصغرة عن الأمم المتحدة ترعى الارهاب. و تركيا كان لها دور هام في انطلاق العمليات و بيع ممتلكات سورية مسروقة.
يبدو أن فساد السياسة الخارجية أصبح أداة نهب جديدة في يد النخبة المطلعة ، من أصحاب المصارف الى شركات الدفاع الكبرى و كبار الضباط العسكريين و مؤسسات الفكر بل و حتى الرؤساء السابقين. ففرص المتقاعدين من الحكومة تفوق بكثير إيراداتهم السابقة.
و بينما تبدو سياسة أميركا المعادية لروسيا في أوكرانيا منطلقة بسرعة، و يملك المحللون السياسيون حاسة سادسة تستشعر أصغر التغييرات في السياسة و هم يراقبون سوريه بحذر. و الأدلة تظهر يبطئ، اذ بدأ قادة الاتحاد الأوروبي، وسط دوي العقوبات المفروضة على روسيا، بإبداء تعليقات استرضائية مفادها أن عزل روسيا لم يكن هدفهم الحقيقي. فهناك حاجة لموسكو من أجل حل صراعات طويلة الأمد في الشرق الأوسط، تضم قضية فلسطين و سوريه.
و نشك بقيام الأوربيين بذلك دون تنسيق مع الولايات المتحدة، و نتساءل فيما اذا كان الأمر خدعة. و طالما قامت الولايات المتحدة بإبعاد روسيا عن عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. و لكن من المفاجئ للجميع رؤية إتمام المرحلة الهامة الأولى من مؤتمر مجموعات المعارضة السورية الذي استضافته موسكو كلهم، باستثناء الجيش السوري الحر الذي رفض القدوم.
و يضاف الى ذلك معجزة صغيرة تمثلت بعدم استخفاف الولايات المتحدة بالمؤتمر و اعتباره مضيعة للوقت لأن الجيش السوري الحر لم يكن هناك. و ردت حكومة الأسد بالطلب من المجموعات المعارضة الحاضرة قائمة كاملة بالسجناء السياسيين المطالب بإطلاق سراحهم كخطوة لبناء الثقة. لقد قام السيد لافروف بعمل جيد.
لقد رأينا باهتمام كبير الرقصة الدقيقة التي كان يؤديها الأسد مع الائتلاف ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة و هو يقصف أهدافا في كل من العراق و سوريه و يتجنب علنا أي تعاون مع دمشق.و أظهرت تركيا وجهها الحقيقي مع طلب الائتلاف استخدام قواعد جوية تركية من أجل حملة القصف، عندها حاول اردوغان انتزاع تعهد بمهاجمة كل من داعش و الأسد.و و رغم أنه في البداية ظهر الأمر و كأنه طلب سخيف جدا، فان ما من أحد تفاجئ بالمزيد من الإخفاقات المصنعة في القصة السورية. و لإنصاف تركيا، و مع كونها داعم لوجستي أساسي لداعش، فقد توجب عليها دس دواء سام تعلم بان الولايات المتحدة لن تقبله، و لم تقبله.
و لحسن الحظ لم تقم دمشق بأي خطأ كبير أو تهديدات، و لم تتحدى قوتها الجوية غارات الائتلاف الجوية، و بالمقابل لم نشهد أي هجمات للائتلاف على قوات أرضية سوريه. و بالفعل مضت الأمور بهدوء كالذي تراه في فترة تهدئة حقيقية. و ألقى أوباما قنبلته الثانيه عندما أعلن عن الحملة التالية لتدريب المجندين ضد داعش.
لقد انقلبت الأمور ضد داعش، مع هزيمة قواتها شيئا فشيئا في العراق، بينما تقوم حملات القصف بتقطيع خطوط امدادها. ما جعلها في وضع الدفاع و لم نعد نرى المزيد من الأسلحة العراقية الثقيلة ،الواقعة بيد داعش، تعبر الحدود الى سوريه كما حدث في كوباني. و ببطئ يحكم الشرك في الموصل، اذا يتم اغتيال أشخاص من داعش يوميا ، و عادة في الليل، حيث يسود الصمت و العتمه. و تقوم فرق عمليات خاصة من عدة دول بتدمير و قتل وحدات معزولة و نقاط تفتيش يوميا. أيام سعد داعش قد ولت.
و ربما كذلك الحال بالنسبة للجيش السوري الحر ، فالعديد من الألوية ذهبت الى تركيا عندما دفعت من قبل داعش. و تقول التقارير الجديدة أن عدد أفراد الجيش الحر 14000 ، و لكن في الحقيقة هو 3500 لأن الكثيرين منه انضموا الى داعش. الانشقاق من الجيش الحر الى جبهة النصرة و من ثم الى داعش كان بمثابة التزويد الثابت بالجنود المدربين.
اذن هذا يجعلنا أمام دليل قوي على التغيير الجوهري في السياسة الأميركية تجاه سوريه، تقليص تمويل الجيش الحر و مجموعات معارضة أخرى، بالمال و العتاد، سيقلص بشكل فعال من هجماتهم على الجيش السوري، ما سيجعله متفرغا ليكون القوة الأرضية ضد داعش ، المجموعة الوحيدة الفعالة.
من الألوية الستة عشر المدعومة من أميركا شمال سوريه، تم قطع الامداد عن أربعة، و قلص بشكل ملحوظ مع الآخرين. بل و طال الاقتصاد الرصاص وفق تقرير صحيفة وول ستريت ، ما يعني أن ايام اطلاق الأعيرة النارية في الهواء للتسلية قد ولت . و حتى أنه وردت تقارير عن انخفاض الرواتب بنسبة 50% و تأخر دفعها شهر. و لا يحتاج الأمر الى عبقرية لادراك أن صنبور هذه الحرب العدائية قد أغلق على الألوية الأميركية، و بالطبع دمشق تعرف هذا.
بلعت الأردن حبة دواء مر مع استخدام طيارها في مشهد اعدام مسرحي مثير، حيث أحرق حيا في قفصه. و بينما أتعاطف مع عائلة الرجل المسكين ، الا ان الأردن لطخت أيديها بدماء أبرياء حين كانت بيدق الولايات المتحدة في الرعب السوري. يريد الملك أن يتم نسيان كل ذلك، و لكننا نملك ذاكرة قوية حول ماذا فعل أحد لأحد آخر و لماذا.لا زلنا نذكر جبلا من الأموات السوريين الذين لم تلق لهم بالا يا سيد عبد الله ، و طيار أردني ميت واحد لا يعفيك من المسؤوليه. لقد منحت القوة للنصره و داعش كما فعل مجانين آخرين، و الان دار الدولاب، كما يقول المثل، و لكن الى ماذا و الى أين ، لا أحد يعرف.
*صحفي أميركي و مدير التحرير في صحيفة Veterans Today
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه
الجمل
إضافة تعليق جديد