العرب يخسرون الهند
لم ينتبه كثيرون لواقع أن الهند كانت بين الدول التي امتنعت عن التصويت على تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن جرائم الحرب في غزة.
فانشغال العرب بحروبهم الداخلية يبعدهم، بشكل متواصل، حتى عن متابعة حركة انتقال الكثير من أصدقائهم السابقين إلى مواقع معادية، أو محايدة على أقل تقدير. ومن الجائز أن تطور العلاقات الهندية - الإسرائيلية في السنوات الأخيرة يشكل عنواناً حقيقياً لمدى خسارة العرب لأصدقائهم.
والواقع أن وزارة الخارجية الإسرائيلية اعتبرت امتناع الهند عن التصويت على التقرير في المجلس الجمعة الماضي إنجازاً غير مسبوق لديبلوماسيتها.
وقد وقفت الهند هذا الموقف إلى جانب أربع دول أخرى، هي كينيا وأثيوبيا والباراغواي ومقدونيا، وينطبق على اثنتين منها على الأقل ما ينطبق على الهند. ومعروف أن دولة وحيدة هي أميركا وقفت ضد القرار، فيما عدة دول أوروبية، بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وهولندا، أيدت القرار.
وهذه هي المرة الأولى منذ عقود التي تمتنع فيها الهند عن التصويت ضد إسرائيل في المحافل الدولية، خصوصاً أنها كانت من قادة مجموعة دول عدم الانحياز. ولكن نظرة فاحصة إلى المعطيات تبين أن ما جرى ليس ثمرة جهد إقناع من جانب الديبلوماسيين الإسرائيليين بقدر ما هو محصلة لتطور العلاقات بين الدولتين، خصوصا بعد فوز اليمين الهندي بالحكم.
ويتساءل المراسل آيتمار آيخنر في «يديعوت احرونوت» عن سبب تحول الموقف الهندي. ويقول إن ذلك يعود أساسا إلى تولي ناريندرا مودي رئاسة الحكومة الهندية، منذ نيسان العام 2014، وهو المعروف بتعاطفه العلني مع إسرائيل. وينقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن «التغيير في موقف الهند، كما تجلى في التصويت في مجلس حقوق الإنسان، يعبر عن تقارب كبير بين قادة الدولتين، وأيضا عن التغيير العميق، سواء بشأن مكافحة الإرهاب أو في مكانة الهند كقوة عظمى صاعدة».
وتقول «يديعوت» أنه سبق قرار مودي بالامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة مكالمة هاتفية أجراها معه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. لكن القرار الحكومي الهندي أثار انتقادات واسعة في الحلبة السياسية الهندية، حيث حمل عليه زعيم «حزب الاتحاد» كي سي تياغي، معتبراً أنه سيضر بالعلاقات مع الدول العربية. وأضاف أن «رئيس الحكومة مودي يريد زيارة إسرائيل، وهو لا يرغب في إغضاب رئيس الحكومة الإسرائيلي. هذه هي المرة الأولى منذ 60 عاماً التي تؤيد فيها الهند إسرائيل، وهذا قد يضر بالعلاقات الهندية مع الدول العربية. أنا أدين بشدة هذه الخطوة».
وإثر الانتقادات اضطرت وزارة الخارجية الهندية لإصدار بيان رسمي، قيل فيه إنه ليس هناك أي تغيير على الموقف التقليدي للهند الداعم للقضية الفلسطينية. لكن الأقوال في جانب والأفعال في جانب آخر، والموقف الهندي كان صارخاً مقارنة بمواقف دول غربية. وأعلنت رئاسة الحكومة الهندية أن سبب الامتناع عن التصويت يعود فقط إلى ذكر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتي لا تعترف بها الهند. وطبعا لا أحد يأخذ بتبرير الحكومة الهندية هذا. فالموقف الهندي في الأمم المتحدة هو محصلة «الغرام» القائم بين الحكومتين، والذي سيبلغ ذروته في الزيارة التي سيقوم بها مودي لإسرائيل قبل نهاية العام الحالي. وحسب ما هو معلن فإن هذه أول زيارة يقوم بها رئيس حكومة هندي لإسرائيل منذ إنشاء العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين في العام 1992. ومعروف أن مودي كان زار إسرائيل في العام 2006، عندما كان حاكما لولاية غوجرات. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون زار الهند في شباط الماضي، وهو ما اعتبر أيضا تحولاً جذرياً في العلاقات بين الدولتين.
لكن التعاون العسكري والأمني بين الدولتين اعتبر دافعاً إضافياً لهذا التقارب. ومعروف أن الهند صارت زبوناً كبيراً لإسرائيل التي تعتبر المصدر الثاني للسلاح للهند بعد روسيا. وقد اشتهرت ببيع نيودلهي طائرات للإنذار المبكر، ثم بمشاريع تحديث طائرات ودبابات روسية الصنع، وانتقلت مؤخراً إلى بيع الهند تكنولوجيا تصنيع ذخائر متطورة. ومؤخرا كشف النقاب عن أن الهند وإسرائيل تعملان على تصميم منظومة دفاع جوية جديدة، بعدما اشترت نيودلهي من تل أبيب، زوارق لخفر السواحل ومدافع وصواريخ وطائرات من دون طيار ومعدات الكترونية متطورة. وتم العام الماضي توقيع اتفاق، قيمته نصف مليار دولار، تزود إسرائيل بموجبه الهند بصواريخ مضادة للدبابات من طراز «سبايك».
تجدر الإشارة إلى أن الهند قررت مؤخراً الإعلان عن مناقصة لتغيير السلاح الخفيف في جيشها. وتنافس على الصفقة، التي تبلغ قيمتها 764 مليون دولار، شركة «IWI» الإسرائيلية. وتقضي الصفقة ببيع الهند 65 ألف قطعة سلاح، على أن تنقل تكنولوجيا إنتاج السلاح بعدها إلى الهند لإنتاج مليون و130 ألف قطعة أخرى من أجل جيشها البالغ تعداده مليون و200 ألف جندي. وحسب مواصفات السلاح الجديد فإنه يزن 3.5 كيلوغرام ويبلغ مداه كيلومترا واحدا، ويحوي عتاداً للرؤية الليلية وموجه ليزر وقاذف قنابل.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد