تل أبيب: لاستغلال التوتر بين الرياض وطهران... والتقرب أكثر من السعودية
تنظر تل أبيب إلى التوتر القائم، والمتصاعد، بين السعودية وإيران، والذي وصل أخيراً إلى حد غير مسبوق، على أنّه بيئة مواتية لإعادة إنعاش التعاون السعودي _ الإسرائيلي في مختلف المجالات، وخاصّةً في ظل تطابق المصالح الإسرائيلية والسعودية في الشرق الأوسط. ومن شأن ذلك دفع ما تحت الطاولة إلى العلن، وتحديداً في ما يتعلق بالعداء المشترك مع الجانب الإيراني، وإنعكاساته على مختلف ساحات المنطقة.
من جانبهم، لا يخفِي المسؤولون الإسرائيليون «تطلعاتهم»، بل كشفوا عن «تعاون غير المعلن» بينهم وبين المسؤولين السعوديين، في أكثر من مجال ودائرة. ووردت تأكيدات عديدة، تباعاً، على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومسؤولين آخرين في تل أبيب، تشير إلى أن «تشريح» هذه المصالح وتطابقها، لا يمكن أن يبنى عليها، إلا عن طريق خبراء إسرائيل ومتخصصيها في المعاهد البحثية.
أما آخرها، فكانت مقالة للدكتور عوفر يسرائيلي، المحاضر في نظرية «العلاقات الدولية والسياسة الخارجية»، في أكاديمية الجيش الإسرائيلي ومعهد «صناعة القرار» في سلاح الجو، إضافة إلى عمله الأكاديمي والبحثي في جامعة حيفا، ومركز متعدد المجالات في هرتسيليا.
ونشرت مقالة يسرائيلي، أمس، في موقع «قناة I-24»، التي تبث بلغات عدّة، من ميناء «يافا»، في العاصمة الإسرائيلية. وتضمنت المقالة شرحاً مفصلاً لـ«البيئة والفرصة» الإسرائيليتين، جرّاء التوتر القائم بين السعودية وإيران. وبحسب الباحث، فإن التوتر برز بشكل كبير عقب إعدام الشيخ نمر النمر. وهو يشكل نقطة تحول في العلاقات بين القوتين الاقليميتين. و«على إسرائيل أن تنتهز هذه الفرصة لتعزيز مصالحها العامة في الشرق الاوسط»، بحسب قوله، لافتاً إلى أن «الرياض وتل أبيب تتشاركان في محاور عدة، حيث تلتقي مصالحهما»، حيث فنّدها على الشكل الآتي:
أولاً، وقبل أي شيء آخر، فإن إسرائيل والسعودية تعتبران الإتفاق النووي، بين إيران والدول الكبرى إتفاقا سيئا. من شأنه أن يعزز موقف طهران، وقد يؤدي إلى إمتلاكها قنبلة نووية. هذه «الأزمة» قد تشكّل منصة لتقوية العلاقات الهادئة بين إسرائيل والسعودية، القائمة منذ سنوات عدة.
وحول هذه النقطة، يؤكد الباحث أن «إتفاقاً متيناً سعودياً _ إسرائيلياً، حول هذه القضية تحديداً، قد يتجلى في مجالات عدّة. وأحدها التنسيق في السياسة العامة حول البرنامج النووي الإيراني، إذ إن خرقاً إيرانياً للإتفاق، قد يحدث الآن أو في المستقبل. وسيسمح للدولتين بتشكيل «جبهة موحدة» أمام واشنطن. ومن ضمنها مطالبة الرئيس (الاميركي باراك) أوباما أو خليفته، باتخاذ خطوات أكثر صرامة أمام كل خرق مستقبلي من قبل إيران.
ويؤكّد الباحث أن الأهم في النقطة الأولى، هو التصرف الإسرائيلي «الصحيح»، الذي سيدفع الرياض للسماح لتل أبيب، أو حتى مساعدتها، على شن هجوم على طهران. وذلك في حال شعور إسرائيل باستنفاد جميع الإمكانات، وحيازة إيران للقنبلة النووية، بات قريباً.
ثانياً، يرى الباحث أن تقارباً آخر، موجوداً، بين الدولتين، وهو القضية الفلسطينية وعلاقة إسرائيل مع جيرانها العرب. الرياض، كما يرد في المقالة، هي الراعية لـ«مبادرة السلام السعودية»، (الصادرة عن الجامعة العربية عام 2002، القاضية باعتراف وتطبيع متبادل بين إسرائيل والدول العربية)، تحاول مرة تلو الأخرى، الضغط على إسرائيل للموافقة عليها، إضافةً إلى أن التعاون بين الدولتين، على ضوء التطور الأخير، قد يسمح لإسرائيل بإرغام السعودية على القيام بتغييرات عدّة، مطلوبة، على مبادرة السلام، وملاءمتها (أكثر) للمصالح الإسرائيلية أمام الفلسطينيين، وباقي جيرانها.
ثالثاً، مواصلة إيران لـ«مناوشاتها» لكل من إسرائيل والسعودية، عبر وكلائها، كحزب الله، في لبنان، ضد المصالح الإسرائيلية، والحوثيين، في اليمن، ضد المصالح السعودية. ويؤكد الكاتب، أنه يمكن لإسرائيل، أن تستغل الموقف المتوتر بين الرياض وطهران لدعم مصالحها. ويمكن لإسرائيل، أيضاً، أن تساعد العائلة المالكة السعودية في حربها ضد الحوثيين، بواسطة «المعلومات، (الخبرة)، الهائلة» المتراكمة خلال عشرات السنين جراء محاربة حزب الله و«تنظيمات إرهابية» أخرى.
ومن شأن التوتر، (بين إيران والسعودية)، أن يحفز على التقدم في الخطط، التي تسرّب بعضها في الماضي، حول بيع منظومات «القبة الحديدية» للسعودية. لحماية أراضي الأخيرة من الصواريخ التي تطلق من اليمن نحوها.
رابعاً، تلتقي مصالح تل أبيب والرياض في ساحة أخرى. فالحرب الطويلة الأمد في سوريا، وعلى ضوء المصلحة السعودية بإطاحة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، يمكن أن تستغلها إسرائيل. فالأخيرة ليست مرغمة على تبني السياسة السعودية بشكل علني، لكنها قادرة بعدد من الوسائل على مساعدة الرياض على الوصول إلى مبتغاها. وفي الوقت نفسه، إتخاذ خطوات الحذر المطلوبة، على ضوء تقارب العلاقات أكثر بين إسرائيل وروسيا.
ويختم يسرائيلي مقالته بالإشارة إلى أنه في العقود الأخيرة، وثقت الرياض بواشنطن، كمزودة الأمان لها، لضمان بقاء العائلة المالكة. ومن ثم في صراعها مع طهران. وبخروج واشنطن من الشرق الأوسط، نتيجة سياسة أوباما الخارجية، شعرت الرياض بالمهانة والخذلان.
أما الإتفاق النووي، الذي وقعته الدول الكبرى مع إيران، فاتضح للعائلة المالكة في السعودية أنّه إذا ارادت البقاء، فعليها أن تمسك بنفسها بزمام الأمور. وعلى إسرائيل ان تستغل هذا «الشعور»، وتوطّد العلاقات مع السعودية، وبأسرع وقت ممكن.
يحيى دبوق
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد