سلطان الزاهدين في جبلة تاريخ عمره 1300 سنة
قبل مئات السنين، أطلق على مدينة جبلة الساحليّة السورية لقب «الأدهمية» نسبة إلى السلطان إبراهيم بن الأدهم الذي عاش فيها في القرن الثاني للهجرة حتى وفاته.
دفن السلطان في وسط جبلة ليتحوّل ضريحه، في ما بعد، إلى مزار، بعدما بُني جامع باسمه بات لاحقاً علامة مميزة في المدينة.
الجامع الذي ميّز جبلة، يوجد له توأم في مدينة جبيل التي لا تختلف كثيراً في بيئتها عن المدينة السوريّة.
لكن مسجد السلطان إبراهيم بن الأدهم الواقع في جبيل، يختلف عن نظيره في جبلة، إذ إنّه أصغر حجماً، واعتمدت في بنائه الحجارة البنية التي تميّز المدينة، ويمكن القول إنّه قطعة أثرية صغيرة مقارنةً بالجامع الواقع في جبلة والذي يحتضن ضريح السلطان، إلى جانب أنَّ هناك مسجداً آخر في شمال فلسطين المحتلة يحمل الاسم نفسه مع اختلاف في التفاصيل.
جامع السلطان الموجود في جبلة، تبلغ مساحته حوالي سبعة آلاف و500 متر مربّع، ويعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 1300 سنة. يشير مدير آثار اللاذقية إبراهيم خيربك إلى أنَّه بُني على أكثر من طراز بحسب كلّ مرحلة مرّت عليه، بدءاً من الطراز المملوكي إلى العثماني، وانتهاءً بالعصر الحديث عندما أُعيد ترميمه بأمر من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
في الزاوية الشماليّة الشرقيّة للمسجد، يقع ضريح السلطان وسط غرفة واسعة يوجد فيها محراب للصلاة، وهي أوّل غرفة بُنيت في المسجد عقب وفاة بن الأدهم مباشرةً في العام 161 هجرية. وكانت الغرفة أوّل مرحلة من مراحل بناء المسجد، وبعدها توسّع تدريجياً إلى أن أخذ شكله الحالي.
إلى جانب الجامع، يوجد حمام أثري خرج عن الخدمة قبل بضع سنوات، وكذلك يوجد مجموعة غرف كانت تسمى «غرف الدراويش»، حيث كان يتمّ إطعام الفقراء. ومؤخراً، استُحدثت مدرسة شرعيّة فيه، وهو مبني من الحجر الرملي ويقع فوقه ست قباب بيضاء اللون، وإلى جانبها مئذنة عملاقة اسطوانية الشكل يغلب عليها الطابع العثماني، وقد سبق لها أن هُدمت على مر التاريخ ثلاث مرات بفعل العوامل الطبيعيّة، قبل أن يعاد بناؤها مع تعديلات طفيفة في الشكل.
والسلطان إبراهيم بن الأدهم هو اسحق ابراهيم بن أدهم العجلي، ورث السلطنة عن جده لأمّه الذي كان من ملوك خراسان، وهو مولود في العام 100 للهجرة في قرية بلخ في أفغانستان. عندما اعتلى الحكم، سمع نداءات خفية يقال إنّها من الخضر، دعاه فيها إلى التخلي عن الحكم والزهد في السلطنة، فما كان منه إلّا أن لبّى النداء وترك السلطة ومضى عابداً زاهداً في الأرض، إلى أن وصل مدينة جبلة واستقر فيها.
تقول الروايات إنَّ بن الأدهم الملّقب بسلطان الزاهدين، وبينما كان جالساً يخيط ثيابه في مغارة على شاطئ مدينة جبلة وقعت إبرته في الماء، وعندما سحبها من خيطها، خرجت معها سمكة وقد غرزت الإبرة في عينها، فما كان منه إلَّا أن أعادها إلى الماء لتعيش من جديد وتنتشر بعدها أسماك بعين واحدة تُسمّى سمك السلطان إبراهيم.
والدة السلطان وبعد غياب ابنها، انطلقت في رحلة للبحث عنه طالت مدّتها، إلى أن وجدته في جبلة. يُقال إنّه توفي في اليوم التالي مباشرةً بعد رؤيتها. فقامت الأم بشراء عدد كبير من الأراضي ووقفتها للسلطان، وهي لا تزال لغاية اليوم تحت إشراف وزارة الأوقاف السورية، وقد انتقلت والدته للعيش في اللاذقيّة حيث أقامت في منطقة سُمّيت على اسمها، وهي تعرف حالياً باسم عين أم إبراهيم.
دراسات وأبحاث كثيرة كتبت عن سلطان الزاهدين لياقوت الحموي، السلمي، القشيري، أبو الفداء، ابن الوردي، اليافعي، ابن بطوطة، الشعراني، والمناوي وغيرهم من المؤرّخين العرب، الذين أجمعوا على أنّه تحوّل من سلطان إلى زاهد يمارس أيّ عمل من دون أن يخجل منه، ويرفض الكشف عن شخصيّته، وقد أحبه الناس واقتدوا به بعد موته لدرجة أنّهم صاروا يقيمون الأفراح والموالد ويزكون وينفقون على اسمه إعجاباً واحتراماً ويقيناً بكرمه.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد