عصا ليبرمان وجزرته لفلسطينيي الضفة: «ابتكار» قديم..والتفاف جديد على السلام
عمدَ وزيرُ الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى محاولة إظهار قدرته على التأثير في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، معلناً ما اعتبره سياسة جديدة تحت عنوان «العصا والجزرة». ولكن من يعرف تاريخَ السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين في الداخل، يعلم أن هذه السياسة كانت ولا تزال متّبعة، وأن ما أعلنه ليبرمان لا ينطوي في الواقع على جديد، بل هو تكرار لما هو قائم. وقد انتقد معلقون إسرائيليون نهجَ ليبرمان الذي اعتبروه عودةً إلى منطق «روابط القرى» الذي فشل في السبعينيات من القرن الماضي.
وقد أبلغ ليبرمان قيادة الجيش الإسرائيلي بأنه بلور خريطة لمناطق الضفة الغربية تقوم على أساس ألوان مختلفة، يتم فيها التمييز بدرجات مختلفة بين «العرب الأخيار» و»العرب الأشرار». وعَنوَن ليبرمان توصيفَه لـ «العرب الأخيار» بأنهم من يبدون استعداداً للتعايش مع الإسرائيليين، وهم بالتالي من يستحقون أن ينالوا التسهيلات، مقابل من تخرج من بين صفوفهم مقاومة الاحتلال، وهم «الأشرار» الواجب تعريضهم لأنواع مختلفة من العقاب.
وثمة اعتقاد في إسرائيل بأن ليبرمان العاجز عن التأثير في السياسة التي يقررها الجيش، والتي هي خلاصة تجربة طويلة من التعامل مع الأراضي المحتلة، تقوم على أساس تهدئة الوضع وعدم دفعه نحو التسخين، قرّر أن يظهر وكأنه صاحب فكرة تغيير جوهرية تعبر عن رؤيته اليمينية. وكل ما أشار إليه من «امتيازات» تتعلق بمنح فلسطينيين من «الأخيار» الحق في بناء منازل لهم في المنطقة «ج»، والسماح للقرى التي لا يشارك أبناؤها في المقاومة بإقامة ملاعب كرة قدم وحدائق تنزه.
وبحسب ما نشر في إسرائيل، فإن ليبرمان تحدث أيضاً عن مشاريع جديدة تقع في إطار الإغراءات، بينها «توسيع المخططات الهيكلية، توسيع نطاقات السكن، اقامة ممر اقتصادي بين اريحا والأردن واقامة منطقة صناعية جديدة غربي نابلس». وبحسب المعلق العسكري في «يديعوت» أليكس فيشمان، فإن «معنى كل هذه المشاريع واحد: يُمنح الفلسطينيون لأول مرة خيار اقامة بنى تحتية اقتصادية وشبكات كهرباء، مياه، طرق ومبانٍ على حسابهم. وعملياً، تلقى الفلسطينيون الإذن بالبناء أو «تبييض» المباني التي بنيت بلا ترخيص في المناطق التي تحت سيطرة اسرائيل».
لكن فيشمان يرى أن هذه الخطوات الصغيرة «لن تُغير وجه الاقتصاد في الضفة، ولن تحدث تحولاً في العلاقات مع السلطة الفلسطينية. ولكن هذه بداية جديدة». ويعتقد فيشمان أن ليبرمان يُسجل هنا اتجاهاً سياسياً مختلفاً بعض الشيء، يقود إلى تخفيف الضغوط على إسرائيل في الحلبة الدولية التي ترفض ممارسات الهدم للمنازل العربية.
ويشدد فيشمان على أن قائمة التسهيلات «قصيرة لكن قائمة العقوبات أطول، وهي تشمل تكثيف الحملات على القرى الفلسطينية المناوئة وفرض قيود على منطقة الخليل التي يقيم فيها حوالي نصف مليون نسمة. وستفرض قيود على الحركة، ولن تصدر تصاريح عمل، وستلغى بطاقات الشخصيات الهامة وتفرض حالات حظر تجول، اغلاقات، تفتيشات متشددة في المخارج. والمعنى: قوات الجيش الاسرائيلي ستعمل بشكل مكثف من داخل مناطق (أ) حيث توجد مسؤولية كاملة للسلطة الفلسطينية ـ رغم تحفظ السلطة».
كما تتضمن خطةُ ليبرمان عنصرين: العنصر الاول هو اقامة موقع انترنت بالعربية بإشراف الإدارة المدنية لبثّ الاخبار لسكان الضفة وغزة، كجزءٍ من اعادة تنظيم جهاز تنسيق الاعمال في المناطق. وضمن امور اخرى، يعتزم ليبرمان زيادة ميزانية وحجم القوة البشرية في الوحدات التي تعنى بالسكان المدنيين في المناطق. عنصرٌ آخر هو توسيع الحوار الذي تجريه اسرائيل مع عناصر بارزة في المناطق، ممن ليسوا جزءاً من السلطة الفلسطينية. ويدور الحديث في واقع الأمر عن محاولة اسرائيلية للعثور على قيادة بديلة لأبو مازن في المستقبل، بحيث تكون اسرائيل مستعدة منذ الآن لليوم التالي.
ولا يخفي ليبرمان سعيه لإنشاء قيادة للفلسطينيين بديلة عن القائمة حالياً برئاسة محمود عباس. وهكذا، ذكّر كبير المعلقين السياسيين في صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقرّبة من نتنياهو، دان مرغليت، بروابط القرى، وهو المشروع الإسرائيلي الأكبر لإنشاء قيادة بديلة لمنظمة التحرير.
وكتب مرغليت أن «اعلان ليبرمان أنه سيتجاوز أبو مازن وسيتحدث مع شخصيات فلسطينية هو مثابة فشل متواصل. لقد جربت اسرائيل ذلك من خلال اقامة روابط القرى في يهودا والسامرة. ورغم فشل هذه الخطوة، إلا أنها كانت أقل سوءً مقارنة مع الاحداث في قطاع غزة».
وأشار إلى أن إسرائيل أرادت في الماضي «القضاء على م.ت.ف (منظمة التحرير الفلسطينية) في الحدود الجنوبية، فقامت بتشجيع نشاطات الأصوليين المسلمين تحت غطاء باحثين اجتماعيين، وكانت راضية عن نفسها الى أن تحولت المنظمة الجديدة الى حماس منذئذ وحتى الآن». ولاحظ أن إسرائيل «لم تأخذ العبرة، لا من ماضي تعاملها مع الفلسطينين، ولا من تجارب العالم مع الحكومات العميلة». واعتبر أن اقتراح ليبرمان «غير عملي وأنه لن يصمد، لكن أهم ما في الأمر أن العالم سيرى فيه دليلاً على معاناة حكومة إسرائيل من الفوضى». وفي نظره، «لا يعقل أن ينشر ليبرمان سياسة كهذه من دون موافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وإذا صح ذلك، فإن العالم سيرى أن ليبرمان ونتنياهو يتعاونان على شطب السلطة خلافاً لإرادة العالم».
في كل الأحوال، ثمة أهمية لإعلان ليبرمان خطته هذه، في وقت تطرح فيه عالمياً المبادرة الفرنسية، وإقليمياً المبادرة المصرية. وإسرائيل رغم مغازلتها للثانية، ترفض جوهرياً الأولى والثانية، وقد يكون كلام ليبرمان في هذا الوقت أحد أبرز عناوين هذا الرفض. فليبرمان لا يريد «وسطاء» بين إسرائيل والسكان الفلسطينيين، وهذا يعني القفز عن السلطة، ونتنياهو يعلن أن «إسرائيل تُحسّن للفلسطينيين أكثر مما يفعل قادتهم»!
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد