خوذ بيضاء...كذب أسود
الجمل ـ *بقلم طوني كارتالوتشي ـ ترجمة رنده القاسم:
الاحتجاجات الأخيرة عبر شمال أميركا و أوروبا التي قام بها داعمو الميليشيات المسلحة في سوريه، خلقت مشاهدا في الشوارع الغربية مشابهة بشكل خفي لتلك التي ظهرت في صور و أفلام "الدفاع المدني السوري" الممول من قبل أوروبا ، و المعروف أيضا ب "الخوذ البيضاء".
"العربية" الناطقة باللغة الانكليزية ، و هي أحد وسائل الإعلام التابعة للحكومة السعودية، أوردت في الأول من تشرين الأول الحالي تقريرا تحت عنوان "احتجاج عالمي ضد الأسد و روسيا لإنقاذ حلب" و جاء فيه:
"المحادثات المؤجلة بين القوى الدولية حول سوريه، مع شن روسيا حملات جوية، أشعلت الاحتجاجات عبر العالم مطالبة بإنهاء الذعر في حلب... نزل متظاهرون في تركيا، فرنسا، هولندا، أميركا و كندا إلى الشوارع ضد جرائم بشار الأسد و روسيا في حلب، يحملون لافتات كتب عليها"أوقفوا قصف حلب" و "أنقذوا حلب"....."
العربية في حديثها حول سوريه ( و الذي للسخرية يترافق مع قيام الرياض بتدمير اليمن بالقصف الجوي و الغارات الأرضية) تحاول إظهار حلب الشرقية ك "مرجل" حيث يحتجز أكثر من مائتين و خمسين ألف مدني دون طعام أو مياه نظيفة.
و بينما تُشَن ،بلا شك،حرب شرق حلب، تجدر الإشارة إلى أن غالبية سكان حلب ، و عددهم في الواقع 1,75 مليون، يعيشون في القسم الأكبر من حلب الواقع تحت سيطرة الحكومة. و لكن رغم هذه الحقيقة، يحاول الغرب و حلفاؤه، بما فيهم السعودية، استخدام سيطرتهم على الرأي العام العالمي للمبالغة في عمليات الأمن السورية و تلفيق "كوارث إنسانية" لتكون بمثابة حجة جديدة لتدخل غربي أوسع.
و وسط هذه النداءات للرأي العالمي يظهر ما يسمى "الخوذ البيضاء" و التي يشار إليها أيضا ب "الدفاع المدني السوري"، رغم أن الدولة السورية تملك قوة دفاع مدني شرعية و محترفة.
الخوذ البيضاء ، التي تقدم نفسها على أنها قوة إنقاذ، تعمل حصريا إلى جانب الميليشيات المسلحة، بما فيها منظمات مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة و الأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي. و عملها الأساسي ليس " إنقاذ" أي أحد، و لكن إنجاح حملة علاقات عامة تهدف للسيطرة على الرأي العام و السياسي و إثارة التعاطف الإنساني عبر العالم.
و أهدافها الرئيسية من القيام بذلك هي نشر صور و أفلام فيديو لأفرادها، و هم يرتدون زيا موحدا مدروسا ، و يقودون سيارات إسعاف ذات ماركات جديدة، يسحبون الضحايا الذين تغطيهم الأتربة و الدماء من حطام يقولون أنه نتيجة الضربات الجوية السورية الروسية.
و لم يتم تأكيد مصداقية هذه الصور و الأفلام و الكثير من الإدعاءات ، و في كثير من الحالات افترضت الأدلة أن الكثير مما قدم للرأي العالمي، عبر وسائل الإعلام الواسعة و الممولة جيدا، كان ملفقا.
و احتجاجات "أنقذوا حلب" ، التي وقعت في نفس التوقيت عبر أوروبا و شمال أميركا، تكشف كذب و خداع عمل "الخوذ البيضاء". فخلال إحدى المظاهرات ، قام أحد المسؤولين في "الخوذ البيضاء" بنشر تغريدة عبر حسابه الخاص على "تويتر" تظهر ممثلين في دور "ضحايا حرب" ، تغطيهم الأتربة و الدماء المزيفة، و يظهرون بشكل لا يمكن تمييزه عن "الضحايا" المزعومين الذين تقوم "الخوذ البيضاء" على إنقاذهم في سوريه.
و المتظاهرون في الشوارع الأوروبية ، بعيدا عن الصراع السوري، يضمون أيضا أطفالا ، و عليهم أيضا أتربة و دماء كاذبة، تضمهم أذرع الكبار، و يرسمون على وجوههم تعابير الحزن. و كجزء من المشهد كان يوجد ممثلون يرتدون ملابس الخوذ البيضاء أنفسهم.
و بينما يعتقد مجموعة الممثلين الذين نظموا هذه المظاهرات بأنهم قد تمكنوا بذكاء من "جلب الصراع إلى شوارع أوروبا" لإثارة التعاطف العالمي مع قضيتهم، فإنهم فعليا قد أثبتوا كم من السهل على "الخوذ البيضاء" خلق "ضحايا حرب" في أي وقت و أي مكان....
وفي سوريه ، حيث خلفت سنوات من العنف ،الذي تدعمه الولايات المتحدة، أجزاءا مدمرة من الدولة، فإن أداء هذه المشاهد المسرحية، مع كون دمار الحرب الستار الخلفي، يجعل الأمر أكثر إقناعا...و مع الإخراج الجيد لأفلام "الخوذ البيضاء" قبل وصولها إلى الرأي العام، تكمن إمكانية خلق مشاهد تراجيدية عن الحرب، في أي مكان أو زمان، حتى ولو في شوارع أوروبا على بعد آلاف الأميال من المكان الذي تعمل فيه الطائرات الحربية الروسية و السورية.
إن هدفهم و مصالحهم الرئيسية، و التي لأجلها تم تموينهم بعشرات الملايين من الدولارات، هو التلاعب بالقلوب و العقول من أجل دعم الميليشيات المسلحة المدعومة من الغرب، لا "إنقاذ الأرواح" أو إحلال السلام في سوريه.
*كاتب صحفي و محلل جيوسياسي أميركي يعيش في بانكوك
عن موقع Land Destroyer
*صورة رقم 1: هذه الصور ليست في حلب سورية، و لكن في شوارع أوروبا حيث أقيم احتجاج "أنقذوا حلب" ،الممثلون المغطون بتراب و دماء مزيف يثبتون كم من السهل لأي شخص خلق "ضحايا حرب" في أي وقت و أي مكان.
إضافة تعليق جديد