هل قرّرت واشنطن فعلاً ضرب "النصرة"؟
أكد مسؤولون أميركيون أن الرئيس باراك أوباما أمر وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" بتحديد أماكن قادة "جبهة النصرة" في سوريا تمهيداً لقتلهم، بعدما كانت إدارة أوباما تجاهلت استهداف هذا التنظيم بشكل كبير في ما مضى.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن المسؤولين قولهم، إن "قرار أوباما بتكثيف العمليات الاستخبارية حول النصرة ونشر مزيد من الطائرات من دون طيار، إنما يعكس قلقاً لدى الرئيس الأميركي من أن تتحوّل أجزاء من سوريا إلى قاعدة لهذا التنظيم، الذي أعلن فك ارتباطه بتنظيم القاعدة". كما يعكس القرار حقيقة مفادها أن "جهود مكافحة الإرهاب لدى واشنطن باتت تشكل اولوية في سوريا، بعدما كانت الأولوية تتعلّق بإجبار الرئيس بشار الأسد على التنحّي".
وأوضحت الصحيفة أنه من الممكن أن تتسارع وتيرة كهذه مع وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب رسمياً إلى البيت الأبيض، وهو كان قد كرّر أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية نيته مكافحة الإرهاب بشكل أكثر ضراوة وعدوانية مما كان عليه سلفه اوباما، حتى وصل به الأمر للإعلان عن استعداده للتعاون المباشر مع روسيا في هذا الصدد.
وأشارت إلى أن أوامر أوباما الجديدة، أعطت قيادة العمليات المشتركة للجيش الأميركي سلطة أوسع وموارد إضافية أكبر لجمع المعلومات الاستخبارية، بهدف ملاحقة قيادات الصف الأول لـ "النصرة"، وليس فقط قدامى محاربي "القاعدة" أو أولئك المشتبه في تورطهم بعمليات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
وذكرت أنه تنامى لدى أوباما الشعور بالإحباط نتيجة عدم قيام مسؤولي وزارة الدفاع والاستخبارات بتصفية قيادات "النصرة"، وذلك على الرغم من التقارير التي كان يتلقاها من كبار المسؤولين والتي تشير إلى الأخطار والتهديدات التي يمثلها اولئك القادة.
وأوضحت "واشنطن بوست" أنه تمّ إخطار أوباما، خلال الصيف الماضي، بمعلومات استخبارية تفيد بأن "النصرة" سمحت لقيادات "القاعدة" في باكستان وأفغانستان بـ "تأسيس أكبر شبكة" لمقاتلي التنظيم في شمال غرب سوريا منذ اختفائهم عقب اعتداءات 11 أيلول العام 2001.
وأشارت أيضاً إلى أن المسؤولين حذروا أوباما من أن تعمد "النصرة" لشغل الفراغ الذي سيخلفه تنظيم "داعش" جراء خسارته للأراضي.
مستشارة أوباما للأمن القومي ومكافحة الإرهاب ليزا موناكو، أكدت في بيان أن قرار الرئيس الأميركي "جعل الأولوية لحربنا ضد تنظيم القاعدة في سوريا، وذلك عن طريق استهداف قادته وناشطيه"، موضحة أن بعضهم كان ينتمي إلى تنظيم القاعدة" سابقاً.
وتابعت "لقد أوضحنا لجميع الأطراف في سوريا أننا لن نسمح لتنظيم القاعدة في تنمية قدرته على مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائنا ومصالحنا"، مضيفة "سنستمر في اتخاذ إجراءات لمنع هؤلاء الإرهابيين من الحصول على ملاذ آمن في سوريا".
ونقلت "واشنطن بوست" عن المسؤولين الأميركيين قولهم، إن استهداف القيادات الإرهابية يبعث برسالة إلى مقاتلي "المعارضة المعتدلة"، المدعومة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، تفيدهم بضرورة أن ينأوا بأنفسهم عن المجموعات التابعة لـ "القاعدة".
وأشارت إلى وجود انقسام بين مسؤولي إدارة أوباما، إذ في حين يعارض بعضهم القرار بحجة أن مثل خطوة كهذه سترجّح كفّة الغلبة في الحرب باتجاه الجيش السوري، وهو أمر من شأنه أن يُضعف أبرز المجموعات (النصرة) التي تقاتل القوات الحكومية، أوضحت أن مسؤولين آخرين ممن يؤيدون القرار يذهبون إلى اعتبار أن إدارة أوباما لم تعد قادرة على مجاراة "صفقة مع الشيطان"، خاصة في ظل امتناع واشنطن لفترة كبيرة عن استهداف "النصرة"، نظراً لدورها الأساسي في الجهود التي تبذلها فصائل "المعارضة" المسلّحة ضد قوات الجيش السوري. وهو ما دفع بروسيا إلى اتهام واشنطن أكثر من مرة بحماية "النصرة".
وذكرت الصحيفة أن وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر وبعض القادة في "البنتاغون" عارضوا في البداية فكرة توفير مزيد من طائرات الاستطلاع التابعة لوزارة الدفاع لاستخدامها ضد "النصرة"، لافتة إلى أنه في الاجتماعات داخل البيت الأبيض حاول كارتر وغيره من المسؤولين الدفاع عن آرائهم بحجة الحاجة الماسة لكافة الموارد العسكرية لمحاربة "داعش"، كما اعتبروا أنه سيكون من الصعب العمل في المجال الجوي السوري نظراً للوجود الروسي.
وتورد الصحيفة في نهاية الأمر نقلاً عن مسؤول دفاعي كبير قوله، إنه تمّ تحويل المزيد من الطائرات من دون طيار لبعثة قيادة العمليات الخاصة المشتركة، لكنه أشار إلى أن كارتر شدّد على أن هدف وزارة الدفاع سيكون ضرب قيادات "النصرة"، وليس توجيه ضربات بهدف الفصل بين مسلحي "المعارضة المعتدلة" ومقاتلي "النصرة".
بدورها، رحَّبت موسكو بشكل حذر بالمعلومات التي أوردتها "واشنطن بوست"، مشيرة إلى أنه "يجب انتظار التأكيد الأميركي الرسمي لهذه المعلومات".
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف للصحافيين: "من الصعب التعليق على التقارير الإعلامية، خاصة الصادرة من واشنطن بوست، التي لم تتميز بمصداقية تقاريرها في الفترة الأخيرة، والتي كانت في بعض الأحيان غير صحيحة أصلاً، لكن في حال كان الحديث يدور فعلاً عن مثل هذا القرار، فلا يسعنا سوى أن نرحّب به، إلا أنه في مجال السياسة الخارجية والديبلوماسية لا يمكن التعليق سوى على إعلانات رسمية، ولم نرَها حتى الآن".
("السفير"، "روسيا اليوم")
إضافة تعليق جديد