«التعليم الأزهري»... تأسيس للعنف وتأصيل للإرهاب
«الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان»... شعار يردده كثير من مشايخ الأزهر، ويرفعونه دوماً في أروقة مؤسسات الأزهر التعليمية. ولكن حين مجاراته واقعياً، ستكتشف أنه مجرّد شعار خالٍ من أي ترجمة واقعية، ليبقى الهدف منه مقتصراً على دعم «السمعة» الوسطية.
كل من سعى، أو حاول مجتهداً، نقد الدين وتنقيته من الأفكار والأحكام الشرعية المتطرفة، التي خضعت لتأويلات فقهاء عاشوا في عصور مضت، وتبتعد كل البعد عن متن النصوص الدينية الواردة في المصدرين الرئيسيين للتشريع في الإسلام (القرآن والسنّة)، حُورِب وكُفِّر ونُكِّل به قضائياً، حتى من أبناء الأزهر ذاته، والأمثلة على ذلك كثيرة، قديماً وحديثاً.
من الإنصاف، حين التحدث عن محاولات التعديل في المناهج الأزهرية، الإشارة إلى ما قام به الدكتور محمد سيد طنطاوي، وهو شيخ الأزهر السابق، من محاولة تطوير جزئي للدراسة في الأزهر، لتواكب تطورات العصر الحديث، وهو ما قوبل بمعارضة كبيرة من المتعصبين داخل الأزهر، وتحديداً حين تعلّق الأمر باستبدال المناهج التراثية التي كانت تدرس في مادة الفقة للمرحلة الثانوية الأزهرية، بكتاب جديد حمل عنوان «الفقه الوسيط على المذاهب الأربعة».
تلك المحاولة انقلب عليها الشيخ الحالي أحمد الطيب، فور توليه المنصب، عقب وفاة الشيخ طنطاوي، ليلغي هذا الكتاب، ويعود إلى المناهج التراثية القديمة، بناءً على طلب «جبهة علماء الأزهر»، التي يسيطر عليها التشدد.
ما ستتضمنه السطور الآتية ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ نماذج من أحكام ونصوص، وردت في كتاب الفقه الذي يُدرّس لطلاب المرحلة الثانوية الأزهرية، والمأخوذ من كتاب «الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع»، الذي ألفه محمد بن محمد الخطيب الشربيني شمس الدين، وهو أحد علماء القرن العاشر الهجري. لذلك، لا عجب أن يحتوي الكتاب الذي يدرَّس لطلبة في القرن الواحد والعشرين، باباً كاملاً عن الرق وأحكام العبيد والعتق!
رغم تأكيد الدين الإسلامي ضرورة تكريم الإنسان وحرمة دمه ولحمه، فإنّ المناهج التعليمية في الأزهر تنطوي على رأي آخر: «للمضطر أكل آدمي ميت إذا لم يجد ميتة غيره... واستثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبيّاً فإنه لا يجوز الأكل منه جزماً... أما إذا كان الميت مسلماً، والمضطر كافراً، فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام، وحيث جوزنا أكل ميتة الآدمى لا يجوز طبخها، ولا شيّها، لما في ذلك من هتك حرمته، ويتخير في غيره بين أكله نيئاً وغيره».
من تعاليم مناهج الأزهر أيضاً، ما نصّه أنَّ للمسلم «قتل مرتد وأكله، وقتل حربي، ولو صغيراً، أو امرأة وأكلهما، لأنهما غير معصومين»... كما يحل له «قطع جزء نفسه لأكله، إن فقد نحو ميتة، وكان خوف قطعه أقل، ويحرم قطع بعضه لغيره من المضطرين، لأنّ قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل».
مع أنَّ الدين في ثوابته الراسخة يتحدث عن الرحمة والتسامح والعفو، فإنَّ المناهج الأزهرية تصدّر ذلك في شكل دعوات للقتل والعنف وسفك الدماء، فجاء في كتاب «الإقناع»، إن «له ــ أي للمسلم ــ كفاية لشر الكافر، أن يفقأ عينه، أو يقطع يديه ورجليه، وكذا لو أسره، أو قطع يديه أو رجليه، وكذا لو قطع يداً ورجلاً».
وفي موضع آخر من الكتاب، يفترض أنه يتحدث عن معاملة أصحاب الديانات الأخرى، جاء: «تعطى الجزية من الكتابي على وصف الذل والصَّغَار ويقولون له: (أعط الجزية يا عدو الله)، وليس هذا فقط، بل يكون المسلم الجابي جالساً والذمي واقفاً، ويأخذ بتلابيبه ويهزّه هزاً ويقول: «أعط الجزية يا عدو الله». وثمة نص آخر يمنع بناء كنيسة في الإسلام «لأن إحداث ذلك معصية، فلا يجوز في دار الإسلام، فإن بنوا ذلك هدم».
هذه الأمور وغيرها تجعل من الصعوبة أن يكون الحل فى التعديل والتغيير، بل في ثورة كبيرة تدعمها سلطة سياسية تتحلى بالشجاعة، ويقودها متخصصون من خارج الأزهر.
يروي الكاتب الشاب محمد ممدوح (30 عاماً) لـ«الأخبار»، تجربة دراسته في الأزهر، قائلاً: «تخرّجت في الأزهر، وطوال دراستي كنت أشعر بعزلة نفسية رهيبة عن باقي رفاقي الذين تلقوا تعليماً مدنياً، فالدراسة الدينية، خصوصاً إذا كانت بالمستوى الذي درسته، معزولة عن العالم، وتعاديه، وتفتش في ضميره باعتباره متهماً حتى يثبت العكس، وهي تكرّس التسلّط على الآخرين، وتجعلك تتحسس شعر رأسك باعتبارك مقصراً في حق دينك دائماً». ويضيف: «لولا قراءاتي الحرة خارج المناهج الإرهابية، لكنت الآن داعشياً أو قاعدياً، أو مؤيّداً لكليهما».
حول الحديث عن وسطية الأزهر واعتداله، يقول محمد: «هذا هراء، الحقيقة أنه اختلاف في درجة التطرف فقط، ومن درس كتب الفقه الإرهابية الطائفية يعرف هذا الكلام جيداً، فثمة أفكار خارج التاريخ تماماً، مقززة، ولا تحترم كرامة الإنسان واختلافه، وتميّز ضد الآخر بمنتهى البشاعة».
الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث يقول، بدوره، في حديث إلى «الأخبار»، إنَّ الأزهر منذ نشأته، يعتمد في مناهجه على الفقه في مذاهبه الأربعة، التي ألفت منذ عدة عقود، ووضع الكثير منها خارج مصر، مشيراً إلى أنَّ هذه المشكلة كانت بسيطة عندما كان الأزهر يضم خمسة معاهد فقط على مستوى الجمهورية (القاهرة، والإسكندرية، والمنصورة، وطنطا، وأسيوط)، وتمد ثلاث كليات جامعية فقط (الشريعة، واللغة العربية، وأصول الدين)، بطلابها، الذين يستوعبهم المجتمع بعد تخرجهم والعمل في تخصصاتهم.
ويضيف مغيث أنَّ «المشكلة القائمة حالياً، بدأت بشكل حقيقي حينما أقرَّ الرئيس جمال عبد الناصر القانون رقم 103 لسنة 1961، الذي يسمح بتدريس الأزهر للمواد التي كانت تدرس فى المدارس الحكومية، ويفتح الكليات العلمية والإنسانية في الأزهر، ويسمح بانتقال التلامذة ذهاباً وإياباً بين المدارس والمعاهد، وفتح الباب أمام إنشاء معاهد أزهرية جديدة، انتشرت بشكل كبير، بحيث أصبح لدينا الآن تسعة آلاف معهد تضم نحو مليوني طالب».
وعن إمكانية التوصل إلى حلول ناجزة لمشاكل التعليم الأزهري، يقول مغيث إنه «يجب على الفور إعادة الاحترام للقانون 103 لسنة 1961، والتشديد على المكون الوطني في المقررات التى تُدَرَّس في الأزهر، وعودة كتب الشيخ طنطاوي بصورة مؤقتة، لحين انتهاء الطلبة الذين سيدرسونها من مرحلة التعليم الجامعي»، مؤكداً «ضرورة إعادة النظر بعد ذلك في التعليم الأزهرى كله، بسبب تعارضه مع فكرة المواطنة، وتهديده الهوية الوطنية».
أحمد علام
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد