26-01-2018
عفرين: بداية أم نهاية أزمات؟
بعد أن هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتوعّد أكراد عفرين، والمقصود بهم «وحدات حماية الشعب» الكردية، وهي امتداد لـ«حزب العمال الكردستاني»، دفعت أنقرة بقواتها إلى المنطقة ومعها الآلاف من عناصر «الجيش الحر» والفصائل المتحالفة معها.
ومع استمرار العمليات العسكرية في المنطقة لم يتأخر أردوغان في الحديث عن احتمالات دخول الجيش التركي إلى مدينة منبج أيضاً، مشيراً إلى أنها «مدينة عربية محتلة» من قبل «الوحدات» الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، فيما يراهن البعض على احتمالات المواجهة الساخنة بين القوات الأميركية والجيش التركي في المنطقة، خاصة بعد أن طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أردوغان خلال اتصاله الهاتفي أول من أمس، وقف العمليات العسكرية في عفرين والكفّ عن التصريحات المعادية لأميركا.
ومع استمرار العمليات العسكرية والسيناريوهات المختلفة الخاصة بعفرين ومنبج، تتحدث الأوساط الإعلامية المقربة من الحكومة التركية عن مساعي أنقرة لبسط سيطرتها على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا من جرابلس إلى الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، حيث جبل الأكراد والتركمان، لسدّ الطريق أمام ما يسمى الحزام الكردي على طول الحدود. ويتحدث آخرون عن توسيع هذه المنطقة لتشمل الريف الشرقي لمحافظة حلب، ومنها إلى الرقة، وهي الهدف التالي للسيناريوهات التركية في حال استمرار الفتور والتوتر في العلاقات التركية الأميركية، مع احتمالات المواجهة الساخنة بين الجيش التركي و«الوحدات» الكردية ومعها «قوات سوريا الديموقراطية» الموجودة شرق الفرات. وسيدفع ذلك القوات التركية إلى اجتياح الشمال السوري بأكمله من عين العرب إلى الحدود السورية مع العراق، وكل ذلك بهدف إبعاد الميليشيات الكردية عن الشريط الحدودي.
وبالعودة إلى السيناريوهات، يقول البعض إن الجيش التركي قد ينسّق ويتعاون مع الجيش السوري خلال هذه العمليات، باعتبار أن الميليشيات الكردية خطر على الدولتين، وما دامت مدعومة من أميركا التي لم تعد تراها تركيا، دولة حليفة لها، وفق ما يقول أردوغان وكافة المسؤولين الأتراك، الذين يتجاهلون وجود القواعد الأميركية في بلادهم، التي باتت بلا حليف في المنطقة سوى قطر. وهو ما يفسر صعوبة الطلاق التركي من الولايات المتحدة والدخول في تحالفات استراتيجية مع روسيا، العدو التقليدي والعقائدي لتركيا والأتراك، وهو الحال نفسه بالنسبة إلى إيران. ويدفع هذا الاحتمال الكثيرين إلى الرهان على مستقبل العلاقة التركية مع روسيا، الحليف الاستراتيجي للرئيس السوري بشار الأسد، الذي لا ولن يقبل بأي شكل كان بقاء القوات التركية في الشمال السوري. فالمعلومات تتحدث عن مساعي أنقرة لبسط نفوذها على المنطقة التي يوجد فيها الجيش التركي، وذلك عبر الخدمات التي تقدمها الدولة التركية للسكان هناك. فاللغة التركية تدرَّس في المدارس، وصور أردوغان مع العلم التركي معلّقة في الدوائر الرسمية، فيما يُدرَّب عناصر الأمن في تركيا. والمؤسسات التركية تبني المستشفيات وغيرها من المباني الخدمية، في إطار مساعيها لكسب تأييد المواطنين، والبعض منهم من التركمان، تحضيراً لأي مشروع مستقبلي تركي.
وهنا يشير البعض إلى تصريحات أردوغان، العام الماضي، في ما يُسمى حدودَ الميثاق الوطني للدولة التركية بعد سقوط الدولة العثمانية. وكانت هذه الحدود تضم شمال سوريا من خليج اسكندرون إلى شمال دير الزور، ومنها إلى الشمال العراقي، حيث كركوك والسليمانية وأربيل. وكان الحديث عن هذه الحدود جزءاً من سياسات أنقرة التي استنفرت كل إمكاناتها للتخلص من الرئيس الأسد وإيصال «الإخوان المسلمين» وحلفائهم الإسلاميين إلى السلطة في سوريا. والآن، وفق الأحاديث الإعلامية التركية، من حق تركيا أن يكون لها موطئ قدم في سوريا في حال تقسيم هذا البلد. وهو ما يفسر استضافة أنقرة لصالح مسلم، لنحو 6 مرات بين عام 2011 وعام 2015، وذلك لإقناعه بضرورة تمرد الأكراد على دمشق، ليساهم ذلك في إسقاط الأسد وإقامة دولة سورية جديدة قد تكون فدرالية، ليكون فيها للأكراد كيان مستقل إلى جانب كيان مماثل للتركمان في الشمال، حيث يوجد الجيش التركي الآن. ويبدو واضحاً أن هذا الوجود، حتى وإن اضطرت أنقرة إلى سحب القوات العسكرية، كافٍ لضمان انتصار مرشحي أنصار أردوغان وأتباعه في أية انتخابات ديموقراطية في سوريا المستقبل، وفق بنود اتفاقيات أستانا وسوتشي (لاحقاً)، التي تهدف إلى إنهاء الأزمة السورية وإجراء انتخابات ديموقراطية برقابة دولية. ويرى الكثيرون في وجود أكثر من 3 ملايين سوري في تركيا، عنصراً مهماً يخدم المخطط التركي في الشمال السوري، بعد أن قدمت تركيا لهم كافة الخدمات ومنحت البعض منهم الجنسية التركية، ليساهم ذلك في تعزيز النفوذ التركي على حساب الدولة السورية، التي ستكون هدفاً لحملة إعلامية كبيرة، مضمونها أن النظام هو السبب في تدمير البلاد، وهو غير قادر على إعادة إعمارها وبنائها من جديد، خاصة أن السنوات السبع الأخيرة، وبفضل الحملات الإعلامية، شهدت ازدياد العداء الديني ضد النظام، وحتى لو برأ الكثيرون ذمة الرئيس الأسد، الذي يعرف الجميع أنه ما زال محبوباً ومقبولاً مقارنة بنماذج المعارضة التي ستضخ المليارات من الدولارات لكسب تأييد الناخب السوري. ويبقى الرهان على احتمالين: الأول هو المصالحة الاستراتيجية بين الأسد وأردوغان بما يضع حداً نهائياً لكل الحسابات التركية السلبية. وهو أمر ليس سهلاً بسبب الأيديولوجية العقائدية لـ«حزب العدالة والتنمية» الذي يسعى إلى أسلمة الدولة والأمة التركية، وهو ما يتطلب في نفس الوقت الظهور بمظهر حامي حمى الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، وخاصة في حدود الدولة العثمانية سابقاً. أما الاحتمال الثاني، فهو الأخطر بالنسبة إلى كل الأطراف التي ستدخل أو تُجرّ إلى دوامة من الصراعات الدموية والخطيرة في حال فشل حل الأزمة السورية واستمرار الدعم التركي لـ«الجيش الحر» وباقي الفصائل، بما يؤمّن استمرار حربها على الدولة السورية، التي ستجد نفسها وجهاً لوجه مع تركيا. وهو الاحتمال الذي سيفجّر الوضع من جديد بين تركيا وكل من روسيا وإيران، اللتين لا ولن تتخليا عن سوريا ولبنان، ومعهما العراق. وفِي جميع الحالات، ستفتح كل هذه السيناريوهات الخطيرة أبواب جهنم، لتحرق بنارها تركيا.
على أردوغان أن يعود إلى ما قبل 2011، عندما كان صديقاً للأسد الذي فتح له أبواب سوريا وعبرها أبواب العالم العربي. وهو الآن، وأكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى تحالف تركي سوري عراقي إيراني ولبناني، وعليه أن يقرر مصيره فوراً، وقبل فوات الأوان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد