أنقرة: نخوض حرباً لخمسين عاماً
إذا اعتبرنا أن العام 1984 كان بداية العمل المسلح لـ«حزب العمال الكردستاني» ضد الدولة التركية، يكون قد مرّ ثلاثة وعشرون عاما من دون أن تشهد هذه المشكلة حلا نهائيا لها.
قبل عشر سنوات تقريبا توعّد رئيس أركان الجيش التركي السابق حسين كيفريك اوغلو الإسلاميين بحرب الألف عام، وبالأمس خرج رئيس الأركان الحالي ياشار بويوك أنيت بما يشبه توقع استمرار المواجهة مع «حزب العمال الكردستاني» خمسين عاما، يبقى منها مبدئيا سبعة وعشرون عاما.
كما الزعماء السياسيون في موعد الانتخابات النيابية، يجول القادة العسكريون الأتراك في البلاد، ويعقدون لقاءات عامة أو خاصة بحضور الصحافيين، وما يتخللها من تصريحات عسكرية لا تعدم إشاراتها السياسية.
حديث رئيس الأركان، كما قائد القوات البرية ايلكير باشبوغ إلى الصحافة في مدينة اسبارطة التركية، كان لافتا في تفصيلاته واعترافاته وربما تراجعاته. فقد جدّد الجنرال بويوك انيت انتقاده لموقف الولايات المتحدة من مكافحة حزب العمال الكردستاني.
وروى الجنرال التركي أن مستشار الأمن القومي الأميركي ستيفن هادلي بادره، لدى لقائهما في واشنطن في شباط الماضي، إلى القول «أعرف أن صبركم نفد بسبب حزب العمال الكردستاني ومصداقية الولايات المتحدة». وأضاف بويوك أنيت «بعد ذلك يسألون عن سبب معاداة الولايات المتحدة في تركيا. لقد أجاب هادلي بكلامه ذاك بنفسه عن هذا السؤال»، مشيراً إلى أنّ «الولايات المتحدة تصدّت لمنظمة أنصار الإسلام في شمالي العراق قبل احتلال العراق، لكنها لم تفعل شيئا مع إرهابيي حزب العمال الكردستاني. أليس هذا ازدواجية؟».
وأعطى المسؤول العسكري التركي أفغانستان نموذجا على إخلاص تركيا للحرب ضد الإرهاب، قائلاً «لقد دعمنا أميركا في أفغانستان ضد الإرهاب ونستحق ان نتلقى الدعم بالمقابل».
وفيما شدّد بويوك أنيت على أنّ حزب العمال الكردستاني لا يمكن أن يستمر من دون دعم خارجي، فان المعلومات المهمة جدا التي قدمها تقول ضمنا عكس ذلك، فما يجري من عمليات عسكرية داخل تركيا لا يمكن ان يتم من دون تعاون عدد كبير من المواطنين بدءا من متعهد الطرقات إلى الرعاة في الجبال.
وقال بويوك أنيت إن «كل إرهابي يجول في الجبال (داخل تركيا) يحتاج إلى مساعدة من عشرة أشخاص أي ان هؤلاء عملاء (متعاونون)». وأضاف «هذا مفهوم أوسع من تقديم المساعدة والإيواء، ماذا يأكل الإرهابي، وماذا يشرب، وكيف يتلقى المساعدة؟. كيف يمكن محاربة الإرهاب إذا كان مختار قرية أو إمام هو الذي يضع العبوات الناسفة؟»، مشدداً على أنّ «الصراع الأشرس هو الصراع مع المتعاونين». وأوضح «في احد الأيام التي قمنا فيه بغارة عسكرية لم يخرج احد الرعيان بقطيعه إلى البريّة. كان يعرف مسبقا بالعملية. عبوة ناسفة انفجرت بنا وكانت مزروعة تحت الزفت. كيف يمكن ذلك لو لم يوجد متعاونون؟».
لا يرى بويوك انيت ان الصراع سينتهي قريباً مع «حزب العمال الكردستاني»، حيث يعتبر أنّ «مكافحة الإرهاب عملية متواصلة. الجيش الجمهوري الإيرلندي بدأ عام ,1959 ومنظمة الباسك الإنفصالية بدأت عام .1960 أي مر ما يقارب الخمسين عاما. الإرهاب لا ينتهي من مرّة واحدة»، وبذلك يكون اكبر مسؤول عسكري تركي قد اعترف بأن أية عملية عسكرية تركية في شمالي العراق لا تعني وقف الإرهاب، ولكنها ستوجّه ضربة قوية له.
وجدّد بويوك أنيت استعداد الجيش التركي لعملية عسكرية كبيرة شمالي العراق، موضحاً أنّ ذلك لا ينتظر سوى القرار السياسي من الحكومة.
من جهته، أعطى قائد القوات البرية باشبوغ معلومات رسمية للمرة الأولى عن حجم القوة البشرية للمقاتلين الاكراد، موضحا انها حوالي 1800 إلى 1900 مسلح داخل تركيا، و3350 إلى 3750 خارجها، أي ما مجموعه 5150 إلى 5650 «إرهابيا»، موضحاً أن من بين هؤلاء 2800 إلى 3100 مسلح شمالي العراق، 800 إلى 850 مقاتلا في جبال قنديل، و700 إلى 750 مقاتلا في حاقورك.
وفيما لفت باشبوغ إلى أن عدد قتلى «حزب العمال الكردستاني» في 2006 بلغ ,536 قال إن عدد المنضمين إليه في العام نفسه بلغ 783 عنصرا. وأقرّ بتزايد عمليات الحزب منذ مطلع هذا العام بنسبة 65 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، 60 في المئة منها عمليات تفجير عبوات ناسفة عن بعد.
الأهم في تصريحات المسؤولين العسكريين الأتراك أن الحرب النظامية ضد المقاتلين الأكراد ستشهد تغييرات جذرية في اتجاه مفهوم جديد، هو تدريب فرق محترفة لحرب العصابات، سيبلغ عديد أفرادها في نهاية 2009 حوالى ثلاثين ألفا.
قدّم القادة العسكريون الأتراك جردة شاملة لحال المواجهة مع تحدّي المسألة الكردية في تركيا، ومع ذلك لا يبدو ان «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في وارد الإستجابة لأي عملية عسكرية شمالي العراق، قبل أن يتأكد من موقعه في الخريطة السياسية بعد انتخابات 22 تموز المقبل.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد