الحرب الباردة بين الموساد والمخابرات الأمريكية حول ملفات سوريةوإيران
الجمل: تلعب التقارير الاستخبارية المتعلقة بالـ"تخمين" وتقديرات الموقف دوراً رئيسياً هاماً في صناعة القرار أولاً، وثانياً في الثواني والدقائق الأخيرة الحاسمة قبل صدور القرار، وقد أكدت معطيات الخبرة العملية لعملية صنع واتخاذ القرار الاستراتيجي، بأنه كثيراً ما تتضارب التقارير الاستخبارية مع توجهات القيادة السياسية. هذا، ويمكن اعتبار التطورات الأخيرة التي تضمنت عملية بناء الذرائع ضد سوريا على أساس افتراض وجود برنامج نووي سوري، وأيضاً مشروع الضربة العسكرية ضد إيران، من أبرز النماذج الراهنة لعملية تضارب التقارير الاستخبارية مع توجهات القيادة السياسية.
* خلفيات التضارب: التعاكس في العمق:
القرار، أي قرار، يتأثر إصداره بعاملين، الأول "عامل موضوعي" يتمثل في المعلومات والوقائع الميدانية الجارية وغير ذلك من العناصر المتعلقة بالبيئة المحيطة، والثاني "عامل ذاتي" يتمثل في المكونات الذاتية والميول النفسية لأصحاب القرار.
وتأسيساً على ذلك، فقد سيطرت جماعة المحافظين الجدد التي تضمن اليهود الأمريكيين وأتباع المسيحية الصهيونية وحلفائهم على دائرة إصدار القرار الأمريكي، مثل البيت الأبيض ووزارة الخارجية، ولكن هذه الجماعة لم تستطع أن تحكم سيطرتها على أجهزة المخابرات الأمريكية.
أدى عدم سيطرة المحافظين الجدد على أجهزة المخابرات الأمريكية إلى ظهور العديد من "الثغرات" في سيطرة هذه الجماعة على القرار الأمريكي، وذلك على النحو الذي أدى إلى تضارب العامل الموضوعي مع العامل الذاتي. بكلمات أخرى، فإن تقارير المخابرات الأمريكية كانت تخميناتها محبطة للطموح والتحيزات السيكولوجية التي كانت تسيطر على تفضيلات وأولويات المسيطرين على البيت الأبيض وغيرهم من صقور الإدارة الأمريكية.
* إدراك إشكالية التضارب والإجراءات الوقائية:
حاولت جماعة المحافظين الجدد وأنصارها من صقور الإدارة الأمريكية، التغلب على إشكالية التضارب ولجأت إلى تطبيق أسلوب وقائي يقوم على أساس اعتبارات السيطرة على مضمون التقارير الاستخبارية قبل صدورها، وذلك بحيث يأخذ مضمون التقرير الاستخباري الجانب المؤيد لرغبات وتوجهات البيت الأبيض ويتفادى كل ما يمكن أن يعرقل أو يحبط هذه التوجهات، وبالفعل:
• تم إنشاء مكتب في البنتاغون تحت اسم "مكتب الخطط والمعلومات الخاصة"، وتم تعيين اليهودي الأمريكي مايكل لايدن مسؤولاً عنه (يحمل لايدن درجة الدكتوراه عن طريق دراسة بعنوان الخداع)، وكانت أبرز نتائج هذا المكتب التقارير الاستخبارية التي اعتمدت عليها إدارة بوش في عملية غزو واحتلال العراق. وبعد انكشاف أمر هذا المكتب، اعترضت أجهزة الاستخبارات الأمريكية على وجوده، وأيضاً اعترض كبار العسكريين الأمريكيين في البنتاغون على وجوده. وتم بعد ذلك تغير اسمه ليصبح "لجنة تخطيط إيران - سوريا" وتم تعيين ليزا ديك تشيني (ابنة نائب الرئيس الأمريكي) رئيسة لهذه اللجنة، وأصبح مقر عمل اللجنة هو وزارة الخارجية الأمريكية، وقد استطاعت كوندوليزا رايس الحد من تأثير تقارير ابنة ديك تشيني على توجهات وزارة الخارجية الأمريكية إزاء منطقة الشرق الأوسط.
• تم تجميع كل أجهزة المخابرات الأمريكية ضمن مديرية واحدة باسم "مجمع الاستخبارات: Intelligence Community" وذلك بعد غزو العراق، كما تم نقل السفير الأمريكي جون نغروبونتي من منصب السفير الأمريكي في بغداد إلى منصب رئيس "مجمع الاستخبارات". ضمن هذا "المجمع" نجد: وكالة المخابرات المركزية (CIA)، مخابرات وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وتتضمن تسعة أجهزة تمثل فروع المخابرات العسكرية، مخابرات وزارة الطاقة، مخابرات الأمن الوطني، مخابرات وزارة العدل، مخابرات وزارة الخارجية، مخابرات وزارة الخزانة. ولكن نغروبونتي فشل في توجيه "مجمع الاستخبارات" بما يتناسب وينسجم مع توجهات البيت الأبيض وإدارة بوش، أو بالأحرى توجهات جماعة المحافظين الجدد، وتقول المعلومات بأن نغروبونتي وافق على القيام بكل ما تطلبه منه إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد، ولكنه اشترط أن يتم طلب ذلك منه عن طريق الكتابات الرسمية حصراً، وشدد على رفضه للطلبات الشفهية، وأشار بعض المحللين إلى أن نغروبونتي كان يعمل في الماضي سفيراً لأمريكا في هندوراس، وقد لعب دوراً كبيراً في عملية «إيران كونترا»، وفي عمليات فرق الموت التي روعت السلفادور وأمريكا الوسطى والجنوبية، وقد عينته إدارة بوش سفيراً في العراق أخيراً، وتقول المعلومات أيضاً بأنه نسق مع أحمد الجلبي (رئيس حزب المؤتمر العراقي) وحاكم العراق السابق الجنرال غاردنر في عمليات فرق الموت التي باشرت نشاطها لاحقاً بعد نقل نغروبونتي من العراق. بكلمات أخرى، فقد بات نيغروبونتي يخاف على نفسه ويحتاج إلى توثيق عمله خوفاً من مواجهة القضاء الأمريكي وتخلي المحافظين الجدد عنه مثلما فعلوا مع سكوتر ليبي عندما دفعوه ليواجه عقوبة السجن وجعلوا منه "كبش فداء" لديك تشيني.
* حملة بناء الذرائع ضد سوريا – إيران:
ظلت سوريا هدفاً لحملة بناء الذرائع داخل الإدارة الأمريكية وجماعات اللوبي الإسرائيلي، وخلال فترة ما بعد أحدث الحادي عشر من أيلول تحولت حملة بناء الذرائع ضد سوريا من مرحلة بناء الذرائع المنخفضة الشدة إلى مرحلة وبناء الذرائع مرتفعة الشدة، وكانت أبرز محطات هذه المرحلة تتمثل في:
• بناء الذرائع ضد سوريا باستخدام الوقائع الجارية في ملف لبنان من لحظة اغتيال الحريري وحتى الآن، والتي تبين أنها وقائع تم صنعها. بكلمات أخرى، كان الموساد الإسرائيلي ينفذ ميدانياً في لبنان، والإدارة الأمريكية تلفق وتخطط في واشنطن والأمم المتحدة.
• بناء الذرائع ضد سوريا باستخدام ملف الحدود السورية – العراقية. بكلمات أخرى، كانت المقاومة العراقية تضرب في داخل العراق، والبيت الأبيض في واشنطن يوجه الاتهامات لدمشق.
• بناء الذرائع ضد سوريا باستخدام ملف العلاقات السورية – الإيرانية، وذلك عن طريق تخطيط وبناء فرضية التعاون النووي السوري – الإيراني – الكوري الشمالي، وصولاً إلى خلق "قناعة" بوجود برنامج نووي سوري.
• بناء الذرائع ضد سوريا باستخدام ملف دعم وإيواء الحركات الإرهابية مثل حزب الله وحركة حماس.
بالنسبة لإيران فقد ظلت هي أيضاً في الفترة التي أعقبت غزو واحتلال العراق هدفاً لحملات بناء الذرائع وكان من أبرز المحطات في ذلك:
• تطبيق برنامج نووي يهدف إلى صناعة القنابل النووية.
• العمل من أجل تدمير إسرائيل.
• دعم الإرهاب والحركات الإرهابية مثل حزب الله وحركة حماس والميليشيات الشيعية.
• التخطيط من أجل السيطرة على العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منه.
• التخطيط من أجل السيطرة على بلدان الخليج العربي.
* الحرب الباردة بين الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية حول ملفات سوريا – إيران:
كشفت الخلافات داخل الإدارة الأمريكية حول البرنامج النووي السوري المفترض، عن وجود حرب باردة بين أجهزة المخابرات الأمريكية وأجهزة المخابرات الإسرائيلية، وقد كانت عناصر جماعة المحافظين الجدد بزعامة ديك تشيني وإيليوت إبراهام وجون بولتون، تدفع باتجاه اعتماد التوجهات الاستخبارية الإسرائيلية إزاء سوريا، ومن الجهة الأخرى كانت تقارير الاستخبارات الأمريكية تنفي تماماً المزاعم الإسرائيلية، وقد حاولت إدارة بوش تجاوز التقارير الاستخبارية الأمريكية، واللجوء إلى وكالة الطاقة الذرية، ولكنهم فوجؤوا بموقف وكالة الطاقة الذرية الموضوعي إزاء سوريا، وكانت النتيجة أن رفضت الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية التعاون مع وكالة الطاقة الذرية إزاء مزاعم البرنامج النووي السوري المفترض.
وإزاء أزمة الملف النووي الإيراني، وتحديداً تنفيذ الضربة العسكرية ضد إيران، فقد سبق أن أشارت المعلومات إلى أن إدارة بوش قد أكملت بمساعدة عناصر جماعة المحافظين الجدد وصقور الإدارة الأمريكية كل الترتيبات لتوجيه الضربات العسكرية الجوية والصاروخية الأمريكية – الإسرائيلية ضد إيران، وأكملت إسرائيل كافة الاستعدادات العملية واللوجستية لمشاركة أمريكا في الضربة أو تنفيذها بانفراد مع وجود الضمانات الأمريكية بالدفاع عن إسرائيل ضد أي رد فعل انتقامي إيراني.
المعلومات التي كانت تقدم للإدارة الأمريكية حول الملف النووي الإيراني، كانت تتم حصراً بواسطة أجهزة المخابرات الإسرائيلية، والتي تزعم بأن معلوماتها قد تم تجميعها ليس بالوسائل التكنولوجية مثل الأقمار الصناعية التي يمكن تضليلها وإنما بواسطة العناصر البشرية وعلى وجه الخصوص اليهود الإيرانيين واليهود الأذربيجانيين واليهود الأرمن، إضافة إلى المتعاملين مع الموساد الإسرائيلي من عناصر استخبارات الحركات الانفصالية الكردية. وقد بدأت شكوك أجهزة المخابرات الأمريكية في مصداقية تقارير المخابرات الإسرائيلية خلال فترة حرب الصيف الماضي بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، والتي تبين فيها أن خطأ وعدم دقة تقارير الاستخبارات الإسرائيلية حول تقديرات الموقف وتخمين قوة حزب الله، وقد أدت في نهاية الأمر إلى هزيمة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، هذا، واستناداً إلى هذه الواقعة فقد بدأت الحرب الباردة الاستخبارية بين الموساد الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الأمريكية. بكلمات أخرى، فقد كانت معلومات الموساد الإسرائيلي حول سوريا ولبنان وإيران تجد المساعدة والدعم من جماعة المحافظين الجدد وصقور الإدارة الأمريكية، أما تقارير المخابرات الأمريكية فقد كانت تجد المساندة والدعم من المحافظين التقليديين الأمريكيين وبعض الزعماء الديمقراطيين غير المرتبطين باللوبي الإسرائيلي.
عموماً، سبق أن أشارت المعلومات إلى أن إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد تعدان العدة لاستغلال فرصة عطلة الكونغرس الأمريكي خلال فترة الكريسماس وانشغال العالم باحتفالات رأس السنة الجديدة، والقيام بشن الحرب ضد إيران، وربما توجيه الضربة "الوقائية" الإسرائيلية ضد سوريا ولبنان، على النحو الذي يؤدي إلى فتح ثلاثة مسارح حربية في الشرق الأوسط هي:
• المسرح الحربي العراقي: وهو قائم بالفعل.
• المسرح الحربي الإيراني: ويتم إشعاله بواسطة أمريكا وإسرائيل.
• المسرح الحربي السوري – اللبناني: ويتم إشعاله بواسطة إسرائيل وبمساعدة أمريكا.
ومن ثم تصبح حرب الشرق الأوسط التي تمتد من إيران وحتى منطقة شرق المتوسط أمراً واقعاً، ولكن المخطط قد أصبح على حافة الهاوية بسبب:
• فشل حملة بناء ذرائع الملف النووي السوري المفترض.
• تقرير المخابرات الأمريكية الأخير حول الأنشطة النووية الإيرانية.
الحرب الباردة بين المخابرات الإسرائيلية والمخابرات الأمريكية من الصعب التكهن بنتائجها، وذلك بسب الروابط السياسية الوثيقة بين النخب السياسية الإسرائيلية والنخب السياسية الأمريكية، وعلى ما يبدو فقد حاولت إسرائيل خلال المرحلة السابقة القيام بعملية تغلغل شاملة داخل أجهزة المخابرات الأمريكية، ولكن بحسب ما هو واضح وظاهر فإن إسرائيل لم تستطع حتى الآن بناء "لوبي إسرائيلي استخباري" داخل أجهزة المخابرات الأمريكية، الأمر الذي دفع أجهزة المخابرات الإسرائيلية إلى اللجوء إلى استخدام عناصر منظمة "الإيباك" و"المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي" من أجل الحصول على الوثائق الأمريكية السرية، وسبق أن نجحت أجهزة المخابرات الأمريكية في الإيقاع بالكثير من عناصر الموساد الإسرائيلي وأحبطت العديد من عمليات التجسس الإسرائيلية ضد أمريكا، ومن أبرز الوقائع عملية توقيف دوغلاس فايث، والإجراءات الجارية حالياً لتقديم بعض موظفي الإيباك للمحاكم في أمريكا بتهمة القيام بأعمال "التجسس لصالح دولة أجنبية".
كذلك تقول المعلومات بأن مكتب ديك تشيني ينشط حالياً في محاولة التأسيس لـ"مذهبية استخباراتية جديدة" في الولايات المتحدة تهدف إلى دفع أجهزة المخابرات الأمريكية باتجاه تغيير أسلوبها الحالي واستبداله بأسلوب جديد يقوم على مفهوم "الاستخبارات الانتقائية"، أي إعداد التقارير الاستخبارية التي تعتمد الوقائع والأدلة التي تدعم توجهات الإدارة الأمريكية وذلك وفقاً لما أطلق عليه تشيني "التقارير المواتية" التي تعزز رؤية وطموحات وتطلعات القيادة السياسية الأمريكية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد