الدكتور الأشتر وجائزة ابن بطوطة
فاز الأديب السوري الدكتور عبد الكريم الأشتر بجائزة ابن بطوطة للمخطوطات عام 2007 التي يمنحها المركز العربي الأدبي الجغرافي (ارتياد الآفاق) في (أبو ظبي) لتحقيقه وتقديمه مخطوط كتاب (الاعتبار) لأسامة بن منقذ.
والدكتور الأشتر, أحد أهم الأساتذة الذين درسوا الأدب العربي (العباسي) في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق.. وكان من بين القلة من الدكاترة إياهم, الذين تواصلوا مع الإعلام وكتبوا باستمرار في الصحف, إذ كانت له زاوية أسبوعية ثابتة في صحيفة البعث, لذلك كله ربطته مع الصحفيين علاقات صداقة ومودة في تلك الصحيفة وسواها .
وقد كان معروفاً بين طلابه وفي الوسط الثقافي بكتابه (دعبل الخزاعي) عن الشاعر العباسي المعروف.. بيد أنه لم يقف في كتابته عند تلك المرحلة العباسية, إذ كانت له باع طويلة في الأدب العربي المعاصر بما في ذلك أدب المهجر.. فظل على تواصل مستمر مع (الحداثة) وما أنجزته, فأثرى الصحف والمجلات بكتابات تخصصية ووجدانية (ثقافية واجتماعية) وبقي على التواصل نفسه مع الصحف حتى وبعد عودته إلى مدينته حلب, ومع الحركة الثقافية العربية وغيرها فشارك في كثير من المناسبات المتعلقة بالثقافة وباللغة العربية, في دمشق وسواها وقد جاب العديد من الأقطار العربية وانخرط في أجوائها الأدبية والثقافية والتدريسية.. ومازال الوسط الثقافي في سورية ومصر والجزائر والإمارات العربية وغيرها.. يذكر مساهماته التي تجلى فيها الإنسان والمثقف والمدرس في آن معاً.
ولد في مدينة حلب سنة ,1929 وتعلم في مدارسها وحصل منها على الشهادة الثانوية ثم انتسب في دمشق إلى كلية الآداب وإلى المعهد العالي للمعلمين وتخرج فيها, فعين مدرساً في ثانويات حلب لمدة أربع سنوات ليسافر بعدها إلى القاهرة حيث نال من معهد الدراسات العربية العليا, شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث وعين في هذا المعهد معيداً فور تخرجه إلى أن أنهى الدكتوراه في الأدب العربي القديم في جامعة عين شمس سنة 1962 وعين بعدها مدرساً في جامعة دمشق - كلية الآداب سنة 1963 وأصبح سنة 1968 رئيساً لقسم اللغة العربية فيها ليرتقي بعدها إلى مرتبة (الأستاذ) عام .1974
وإضافة إلى مصر فإن الدكتور الأشتر قد عمل أستاذاً في جامعة وهران بالجزائر ثم أستاذاً في جامعة دولة الإمارات العربية (1979-1981) ليعود بعدها إلى دمشق إلى أن أحيل إلى التقاعد سنة 1988 ليقيم بعدها في حلب حتى الآن.
أصدر حتى الآن حوالى ثلاثين كتاباً في الأدب والنقد وأدب المذكرات والمقالة الغنية والخاطرة والتحقيق. كما أشرف على عشرات الرسائل الجامعية أو اشترك في مناقشتها : في عدد من الجامعات العربية- واختير حكماً في جوائز عربية كبيرة مثل: جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي- وجائزة سلطان العويس وغيرها.
- أما كتاب (الاعتبار) »لأسامة بن منقذ) الذي فاز الدكتور بتحقيقه وتقديمه. فهو لأمير عربي كناني من أمراء بني منقذ, أشتهر بالفروسية و الأدب. حكم قلعة شيزر وما جاورها والتي كان لها أهمية حربية كبيرة. عاش بين سنتي 1095-1188 ميلادي حارب الفرنجة واشترك في المعارك التي دارت بين أسرته وبينهم ورد غاراتهم الكثيرة.
تلقى الثقافة و النحو على أيدي شيوخ كبار وكان كأبيه مولعاً بالصيد والكتابة و الشعر. فعرف كاتباً وشاعراً وفارساً من فرسان العرب الشجعان. و قد عاش ما يزيد على التسعين عاماً, له كتب عديدة منها »العصا-لباب الأدب- الاعتبار) -وديوان شعر جمع ورتب بأسلوب الشعر الغنائي).
أما كتابه »الاعتبار) صاحب الجائزة فهو يعد أهم ما كتبه أسامة بن منقذ,وأول كتاب بالعربية يتناول السيرة الذاتية,تعرض فيه لحروبه مع الفرنجة ولعاداتهم وتقاليدهم ولمن عاصرهم من الخلفاء,وقد قام الدكتور الأشتر بتدقيق نصوصه وتفصيل فقراته,وقدم لها وعلق عليها.والكتاب بشكل عام هو مذكرات لهذا الفارس الشاعر العربي في حروبه مع الفرنجة,وصف فيه الأحداث والوقائع التي شهدها في الموصل ودمشق و مصرفي السنوات الأخيرة من حكم الفاطميين,وفي حصن(كيفا) أيام الأرتقيين وعودته إلى دمشق واستقراره فيها إلى جانب صلاح الدين الأيوبي محرر القدس.
في الكتاب وصف لأحوال الفرنجة,ونقل لأخبارهم في بيوتهم وأماكن استراحاتهم بما لا نجد له مثله في كتب التاريخ التي غنيت بأخبار المعارك والمصافات.أما أسلوب ابن المنقذ في كتابه,فهو بلغة بسيطة تقرب من لغة الحديث في ساعات السمر,ومن هنا تنضم إلى قيم الكتاب قيمة لغوية تقرب منا- في بعض الأحيان-اللغة المحكية في شمالي الشام وفي القرن الخامس والسادس الهجريين.
وبتقاعد وعودة الدكتور الأشتر إلى حلب وتقاعد الكثير من زملائه خسر قسم اللغة العربية في جامعة دمشق جيلا من الأساتذة الكبار الذين رسخوا لهذا القسم: قواعد لا يستهان بها بعد الجيل الأول المؤسس من الأساتذة: سعيد الأفغاني وأحمد راتب النفاخ وشكري فيصل وشاكر الفحام وابراهيم كيلاني وصبحي الصالح وغيرهم.
ولعله من نافل القول: إن الفواجع والأحزان تثري الملكات الفكرية والإبداعية ففي أواخر سنوات وجوده في دمشق فجع الدكتور الأشتر بزوجته ورفيقة دربه فعاد إلى حلب ليتفرغ لأحزانه وللكتابة والتأليف وللعناية بأبنائه الأطباء الذين أنشؤوا مشفى سموه باسمه ( مشفى الأشتر) ليقضي فيه وبالإشراف عليه: أوقات فراغه القليلة!
جلال خير بك
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد