حرية الصحافة أم استقرار المجتمع
هل هناك حرية صحفية حول العالم، وإلى أي مدى يمكن للصحافة ممارسة مهامها وتغطية الأخبار بصدق وحيادية؟ هل الاعلام الحكومي افضل اداء ام الاعلام المستقل؟ وهل الحرية الصحفية ضرورية لحرية المجتمع أم أن السلم والاستقرار الاجتماعيين أهم من حرية الصحافة؟
في اطار احتفالاتها بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاما على انطلاقها أجرت الخدمة العالمية في بي بي سي استطلاعا للرأي حول أهمية حرية الصحافة في اربع عشرة دولة حول العالم. وشارك في الاستطلاع أكثر من احد عشر الف شخص.
نتيجة الاستطلاع خلصت الى أن 56 % تقريبا ممن شاركوا فيه يعتبرون ان حرية الصحافة ضرورة لضمان حرية المجتمع، مقابل 44% اعتبروا ان السلم والاستقرار الاجتماعي أهم حتى لو كان هذا يعني تقييد حرية الصحافة و الاعلام، وسيطرة الدولة على ما يتم تداوله من اخبار حفاظا على الامن العام.
وبصورة عامة فان الاستطلاع خلص الى انه في الدول التي تعتبر ان حرية الصحافة اكثر اهمية من استقرار المجتمع فان المشاركين من الدول المتقدمة مثل المانيا وبريطانيا والولايات المتحدة كانوا أكثر انتقادا لوسائل الاعلام فيما يتعلق بمدى الدقة والصدق الذي تتناول به الاخبار، مقارنة بدول نامية مثل فنزويلا وجنوب إفريقيا ونيجيريا، أما في الدول التي تعتبر ان السلم الاجتماعي اهم من حرية الصحافة فان دولا مثل روسيا والمكسيك والبرازيل وسنغافورة كان تقييمهم اكثر سلبية لاداء وسائل الاعلام فيها.
الاستطلاع شمل خمس قارات، فقد أجري في الولايات المتحدة والمكسيك وفنزويلا والبرازيل، وفي قارة إفريقيا شاركت مصر ونيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا في الاستطلاع. أما في آسيا فقد كانت الهند والامارات وسنغافورة من الدول المشاركة، وفي أوروبا شاركت بريطانيا والمانيا وروسيا.
في الامارات اعتبر ستة وخمسون في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع ان هناك حرية صحفية واعلامية في بلادهم ، في حين انقسم المشاركون تقريبا وبفارق ضئيل للغاية لصالح تأييد الحرية الصحفية باعتبار أنها ضرورية لحرية المجتمع بأكثر من الاستقرار والسلم الاجتماعي.
ولا يفرق المواطنون بين أداء وسائل الاعلام المملوكة للدولة ونظيراتها الخاصة.
وفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود المعنية بحرية الصحافة في العالم جاءت الامارات في المرتبة الخامسة والستين على مستوى العالم من حيث الحريات الممنوحة للصحافة وحرية التعبير عن الرأي، وذلك من بين مئة وتسعة وستين دولة.
لكن اذا كان هذا هو رأي عينة من المواطنين الاماراتيين بلغت خمسمئة وخمسة أشخاص في مدى تمتع اعلامهم بالحرية، فكيف يرى المعنيون، والمقصود هنا الصحفيون والاعلاميون هذه الأرقام؟
حمد سالمين رئيس قسم المحليات بصحيفة البيان الاماراتية يعتبر ان نسبة الستة وخمسين التي اعتبرت ان الاعلام يتمتع بالحرية في الامارات هي نسبة جيدة، كما ارجع ثقة الاماراتيين في الاعلام الحكومي أو المملوك للدولة وتغطيته الاخبار بدقة بنسبة تفوق قليلا من يؤيدون الاعلام المستقل الى بعض الخطوات التي اتخذتها السلطات الاماراتية، مثل قرار الحكومة الذي صدر قبل فترة بمنع حبس الصحفيين والذي قال انه "الأول من نوعه في منطقة الخليج والعالم العربي."
ويضيف سالمين ان نتائج الاستطلاع تظهر أن "الحكومة والاعلام والمجتمع يسيرون على الطريق الصحيح لتحقيق الهدف الأكبر وهو اتاحة المعلومة وحرية الاعلام."
ويرى سالمين ان المشكلة التي تواجه حرية الصحافة في الامارات ليست القيود التي ربما تفرضها السلطات على الصحفيين والاعلاميين بقدر ما هي صعوبة الحصول على المعلومة أو ما يمكن وصفه بالشفافية من قبل السلطات. ويفسر ذلك بوجود بعض المسؤولين أو الجهات المختصة التي ترفض اتاحة المعلومة لوسائل الاعلام.
وقال " بعض المسؤولين والجهات تتخوف وتتردد ولا تملك الايمان الكافي باتاحة حق المعرفة للمستمع أو المشاهد."
لكن على الرغم مما يعتبره سالمين حرية تامة تمنح للصحفيين فيما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية في البلاد، فان هذا غير موجود فيما يتعلق بالمجال السياسي وخاصة اذا تعلق الأمر بتوجيه انتقادات سياسية لدولة معينة نتيجة "للعلاقات الاستراتيجية التي قد تربط هذه الدول بالامارات."
واذا كانت الامارات قد جاءت في المركز الخامس والستين على مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود فان مصر، وهي الدولة العربية الثانية التي شاركت في استطلاع بي بي سي، قد جاءت في المرتبة السادسة والاربعين بعد المئة عالميا والمركز الثالث عشر عربيا على مؤشر المنظمة.
وكانت مصر قد تعرضت لموجة من الانتقادات الداخلية والخارجية بسبب ما يراه البعض تضييقا من السلطات على الحريات الصحفية وعلى الصحفيين، خاصة فيما يتعلق بمواد القانون التي تجيز حبس الصحفيين.
الا انه وفي استطلاع البي بي سي الذي شمل خمسمئة واربعة اشخاص في مصر فان اربعة وستين في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع قالوا ان الصحافة تتمتع بحرية نسبية في البلاد، وانها تقوم بتغطية الاخبار بدقة وصدق ودون الانحياز. كما اعتبر خمسة وخمسين في المئة ان حرية الصحافة أهم للمجتمع من الاستقرار والسلم الاجتماعيين.
عبد الحليم قنديل كاتب صحفي مصري ورئيس تحرير سابق لصحيفة حزبية يقول إن هناك حرية صحفية بالفعل في مصر ولكنها مقصورة داخل ما وصفه بالصحافة المتمردة المتمثلة في الصحف المستقلة وبعض الصحف الحزبية.
ويقول قنديل ان هذا القطاع يتصرف على مسؤوليته الشخصية، وان سلوكه يحتوي على ما وصفه بالمخاطرة.
ويؤكد قنديل ان نسبة الاربع وستين في المئة من المشاركين في الاستطلاع الذين اعربوا عن اعتقادهم بوجود حرية صحفية في مصر "يقصدون على الأغلب هذا القطاع المتمرد الذي علا صوته في الفترة الأخيرة خاصة مع الإحالات والمحاكمات الجزافية التي تعرض لها عدد من رموزه."
يذكر ان المحاكم المصرية اصدرت احكاما بحق عدد من الصحفيين المصريين مؤخرا بتهم تتراوح بين نشر اخبار كاذبة وتوجيه انتقادات للرئيس المصري حسني مبارك.
ويعتبر قنديل ان القطاع الأغلب في الاعلام المصري والخاضع للسلطات الحكومية والذي يشمل أكثر من عشرين قناة تلفزيونية اضافة الى عدد كبير من الصحف والمجلات اليومية والاسبوعية "لا يزال يخضع للتعليمات والاملاءات" من قبل السلطات المصرية.
الا ان اربعة واربعين في المئة ممن شاركوا في استطلاع بي بي سي في مصر قالوا ان ثقتهم في اداء وصدق الاعلام الحكومي أكبر من ثقتهم في الاعلام المستقل، وذلك مقابل ثلاثة وثلاثين في المئة قالوا انهم يثقون في الاعلام المستقل أكثر من اعلام الدولة، وفيما يتعلق بهذه النقطة كانت مصر واحدة من ثلاث دول فقط من بين اربعة عشر دولة اجري فيها استطلاع بي بي سي، يحرز فيهاالاعلام الحكومي نسبة اعلى من الاعلام المستقل.
يفسر قنديل هذه النتيجة التي خلص اليها استطلاع بي بي سي بأن الاعلام الرسمي منتشر بصورة أكبر من الاعلام الخاص المستقل وإن كان يعتبر أن الفجوة بينهما بدأت تضيق بصورة مطردة.
وأضاف " الاعلام الرسمي لا يزال يتوجه الى قطاع أكبر من القراء، وقد لا يكون لدى القراء او المتابعين اتصال بالاعلام المستقل ولهذا فهم يصدرون احكامهم عليه من الخارج." لكن قنديل يعتبر ان نسبة الثلاثة والثلاثين في المئة التي اعربت عن ثقتها في الاعلام الخاص بأكثر من ثقتها في اعلام الدولة تؤشر الى "تقدم واضح جدا في تأثير الاعلام المستقل في مصر."
المشاركون في الاستطلاع سواء في مصر أو الامارات لم يلقوا بالا لمسألة ملكية المؤسسات الاعلامية سواء الصحفية او التلفزيونية، فغالبيتهم يعتبرون ان أصحاب المؤسسات الاعلامية لا يتدخلون في محتوى ما تقدمه مؤسساتهم، ومن ناحية أخرى هم منقسمون حول أهمية أن يكون لهم رأي فيما يقدم لهم من اخبار.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد