بورصة الدم الفلسطيني: الأرباح والخسائر
الجمل: نجحت إسرائيل في تحقيق المزيد من النجاحات في حربها ضد حركة فتح الفلسطينية ولما كانت الحرب في كثير من الأحيان بالوسائل غير العسكرية، فقد استطاعت إسرائيل تطوير مواجهتها مع حركة فتح إلى مجال استخدام الوسائل غير العسكرية بدءاً من لحظة التوقيع على اتفاق أوسلو.
* فتح وإشكالية السيطرة الإسرائيلية بالوسائل الأخرى:
استخدمت إسرائيل الوسائل العسكرية المباشرة وغير المباشرة من أجل القضاء على حركة فتح ومن أبرز ذلك:
• المواجهات بالوسائل العسكرية الإسرائيلية المباشرة التي كانت تحدث في لبنان وداخل الأراضي المحتلة.
• المواجهات بالوسائل العسكرية الإسرائيلية غير المباشرة ومن أبرزها حرب "الوكالة" عن الجيش الإسرائيلي التي كان يشنها الجيش الملكي الأردني ضد حركة فتح وأبرزها حرب «أيلول الأسود».
كذلك عندما تخلت إسرائيل عن استخدام الوسائل العسكرية المباشرة وغير المباشرة في المواجهة مع حركة فتح، فقد لجأت إلى الوسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة ويمكن إدراج ذلك على النحو الآتي:
• الوسائل الاقتصادية: وتتضمن استخدام المعونات ودبلوماسية الدولار في التأثير على توجهات حركة فتح.
• الوسائل السياسية: وتتضمن المفاوضات واستخدام الوسطاء والأطراف الثالثة وحلفاء إسرائيل من العرب.
• الوسائل الاجتماعية: وتتمثل في استخدام سلاح الممرات والمعابر الحدودية من أجل ممارسة الضغوط على تحركات الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة.
أدرك الشعب الفلسطيني أبعاد مخطط السيطرة الإسرائيلية على حركة فتح، وبكل وضوح، منح الشعب الفلسطيني ثقته عبر صناديق الاقتراع إلى حركة حماس. ولكن بدلاً من أن تذعن حركة فتح لإرادة الشعب الفلسطيني الذي تتحدث باسمه، وبسبب تأثير السيطرة الإسرائيلية على حركة فتح فقد لجأت الحركة هذه المرة ليس إلى مقاومة إرادة الاحتلال الإسرائيلي وإنما إلى مقاومة إرادة الشعب الفلسطيني عندما تفاهم واتفق زعماء فتح مع واشنطن وتل أبيب على مخطط القضاء على حركة حماس. وبعدها ظلت حركة فتح تفرض سيطرتها الفوقية على إرادة الشعب الفلسطيني عن طريق مؤسسات السلطة الفلسطينية ودعم تل أبيب وواشنطن وبروكسل (الاتحاد الأوروبي)، وكان طبيعياً أن لا تنحصر مقاومة الفلسطينيين في مواجهة الإسرائيليين بل امتدت هذه المقاومة لتنال من حركة فتح التي ما تزال أكثر إصراراً في محاولة السيطرة على الفلسطينيين. المغالطة الكبيرة تتمثل في أن حركة فتح تستند على ما يعرف بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" و"المجلس الوطني الفلسطيني" أما حركة حماس فتستند على أصوات الشعب الفلسطيني التي أدلى بها عبر صناديق الاقتراع، وكما هو واضح فإن الفرق كبير بين من يستند على الهياكل المؤسسية وبين من يستند على الإرادة الشعبية الحرة، ومن سخرية القدر بمكان القول بأن يمد الشعب الفلسطيني لسانه إلى هذه الهياكل المؤسسية ويطالب بإزالتها تماماً مثلما يطالب بإزالة الاحتلال الإسرائيلي طالما أن هذه الهياكل المؤسسية تقوم بتعميق دور الاحتلال الوظيفي المتمثل في القضاء على الإرادة الفلسطينية الحرة.
* إسرائيل و"إدارة" حركة فتح:
برغم خروج محمد دحلان فإن إسرائيل ما زالت تملك العديد من الأوراق التي تستخدمها على غرار الـ"ريموت كنترول" في إدارة حركة فتح:
• نشرت قناة الجزيرة ووكالة الأسوشيتد برس المزيد من التقارير حول مقتل المعتقل الفلسطيني ماجد البرغوثي من جراء التعذيب ليس في سجون الاحتلال الإسرائيلي وإنما في سجون مخابرات السلطة الفلسطينية التي تديرها حركة فتح، وتماماً كما يفعل الإسرائيليون في تبرير قتل المعتقلين بأنه بسبب الموت الطبيعي فقد لجأت حركة فتح إلى تبرير مقتل البرغوثي بأنه بسبب الوفاة الطبيعية.
• نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تقريراً أعده الصحفي الإسرائيلي روني سوفير أشار فيه إلى مطالبة وزير البنية التحتية الإسرائيلي بن أليعازر السلطات الإسرائيلية بإطلاق سراح المعتقل مروان البرغوثي.
الخيط الرفيع بين اغتيال حركة فتح للمعتقل الفلسطيني ماجد البرغوثي ومطالبة الوزير الإسرائيلي بأن تطلق إسرائيل سراح مروان البرغوثي هو خيط يدركه الجميع وعلى وجه الخصوص الإسرائيليون لأنه يندرج ضمن قواعد لعبة فتح أو بالأحرى "التلاعب" الإسرائيلي بحركة فتح الذي بدأ منذ لحظة التوقيع على اتفاقية أوسلو.
* إسرائيل و"لعبة فتح":
اللعبة، أي لعبة، عادة ما تكون لها قواعد ولاعبين ونطاق وحدود وأهداف ونتائج مباشرة وغير مباشرة. وعلى هذه الخلفية يمكن أن نشير إلى النقاط الآتية:
• استخدم الإسرائيليون أسلوب الجنرال باراك في التعامل مع حركة فتح في مرحلة ما بعد أوسلو والذي يركز على استخدام الماكينة الإسرائيلية أمنياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً في الضغط على حركة فتح عن طريق تحميلها المسؤولية عن هجمات حركة حماس.
• استجابت حركة فتح للماكينة الإسرائيلية وتحولت إلى وسيلة للضغط على حماس.
الآن، فقدت حركة فتح في الضفة الغربية الكثير من مصداقيتها بعد القيام بمضايقة أطراف وقوى المقاومة الفلسطينية وهي مضايقات وصلت إلى حد قتل الفلسطينيين في سجون فتح على غرار قتلهم في السجون الإسرائيلية. والمطلوب إسرائيلياً الآن هو المحافظة على حركة فتح ومحاولة إعطائها المزيد من الحيوية التي يمكن أن تطيل عمرها، وهذه المرة عن طريق محاولة استبدال محمود عباس بسلام فياض ومروان البرغوثي. الرهان على مروان البرغوثي بدأ منذ أيام ياسر عرفات.
نقول بخلاف ذلك:
• تدرك حركة حماس أن حركة فتح قد أصبحت إلى زوال طالما أنها تحاول توجيه الجهد الفلسطيني في الاتجاه الذي يدعم الاحتلال ويضعف المقاومة.
• يدرك الإسرائيليون أن حركة فتح قد أصبحت إلى زوال طالما أنها تستجيب لتوظيفاتهم لها والمتعلقة بتعزيز قدرة إسرائيل في الاستحواذ على الحقوق الفلسطينية.
وحالياً بدا الإسرائيليون أكثر تجاوباً مع أزمة حركة فتح ومحاولة تفتيح شرايينها التي تصلبت ولم يعد من سبيل لإخراجها من غرفة الإنعاش سوى إطلاق سراح مروان البرغوثي للقيام بدور إكسير الحياة في إطالة عمر حركة فتح التي أوشكت أيامها على الانتهاء بانتهاء سيناريو أنابوليس الذي سيكتشف الشعب الفلسطيني بعده حقيقة حركة فتح ما بعد أوسلو!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد