مستقبل الإسلام في الغرب والشرق
موضوع كتاب «مستقبل الإسلام في الغرب والشرق» لعبد المجيد الشرفي ومراد هوفمان (دار الفكر - دمشق) يشغل كثيراً من الباحثين والمثقفين... هل معرفة مستقبل الإسلام من الغيب الذي استأثر به الله، أم أنه من الظواهر التي تخضع للدراسة الموضوعية والتحليل العلمي؟ أم أنه كذلك بحث يقوم على أحاديث أخبر بها النبي (صلى الله عليه وسلم) عن انتشار الدين... إقباله وإدباره.
ويشكّل الكتاب حوارية حول المستقبل الذي ينتظر الإسلام في العالم، وما سيكون عليه في الغد القريب. يبدأ المحاور الأول «عبد المجيد الشرفي» نصه بملاحظات حول التطورات الجارفة التي تجري في العالم اليوم، والتي يعتقد بأن من شأنها أن تبدل ما استقر في نفوس المسلمين من فهوم وتأويلات لدينهم، وبعد أن كان التناغم والانسجام قائمين على المستويين النظري والتطبيقي، بعد أن كانت العلوم الإسلامية تكوِّن منظومة متكاملة يسند بعضها بعضاً وينبني كل فرع منها على النتائج المقولة في الفروع الأخرى. أضف إلى ذلك أن العلوم الإنسانية والاجتماعية قد شهدت في القرنين الأخيرين تقدماً لا عهد للقدماء به.
وتحدث عن الأوضاع الاجتماعية والدينية والفكرية للمسلمين، ورأى في هذا الخصوص أنه لا مجال للاتفاق على ملامح المستقبل، وإن في خطوطها العريضة، ما لم يتوافر قدر أدنى من الاتفاق على خصائص الماضي والحاضر. ورأى أن مستقبل الإسلام رهن بأيدي المسلمين، وبمدى فهمهم وأن أوضاعاً خاصة ستتحكم به، ويورد بحوثاً عدة يبدي رأيه فيها، فيبحث في التفسير القرآني وقيمته، فهذا النص لا يقرأ قراءة مباشرة بقدر ما يقرأ عبر نصوص ثوانٍ تدوَّن تأويلاته وتوظيفاته التاريخية المتعددة، ويتجلى هذا التأويل بالخصوص في التفاسير القرآنية، ولئن ميّز القدماء بعد عصر الطبري بين التفسير والتأويل، وخصوصاً لما ظهر التأويل الشيعي الباطني والتأويل الصوفي الإشاري، فإن البحوث اللسانية الحديثة تؤكد أن كل نص، مهما بدا معناه واضحاً صريحاً، إنما يخضع فهمه لمواصفات اللغة الـتي كتـب بها، ولقواعدها، ولكنه يخضع كذلك عند قراءته لشخصية القارئ ولثقافته، مثلما يخضع للظروف التاريخية التي تتم فيها القراءة، فلا لقراءة بريئة البتة، ولا لنص قطعي الدلالة.
ولمواجهة هذه الإشكالية يذكر الباحث مقترحات لمن يفسر الكلام منها، العدول عن الوهم بأن للنص القرآني معنى واحداً أوحد، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن القرآن صالح لكل زمان ومكان. ما يعني أنه يخاطب المؤمنين على حسب ثقافاتهم ومؤهلاتهم، وكذلك استقلال التفسير عن علم الكلام، أو أن يكون علم الكلام الجديد مستنبطاً منه لا محدداً لفهمه وتأويله، بما يسمح بتطبيق المناهج النقدية التاريخية على النص القرآني كذلك يدعو إلى مقاربة مغايرة للطريقة المعهودة في النص القرآني، عبر فصل آياته بعضها عن بعض، واعتبارها وحدات مستقلة عن مجمل النص وعن سياسته العامة إذا لا مجال مستقبلاً لتفسير يقتطف أية أو جزءاً من أية ويبني عليها من النتائج ما لا يستسيغه منطق النص الداخلي والعلاقات الضرورية بين مختلف آياته.
وتناول الباحث علم الكلام وبخاصة في أثره على اليوم والمستقبل، فيرى أن أهم ما يميز علم الكلام القديم أنه ممحور حول الله، بينما لن يستطيع الكلام في المستقبل أن ينفك من الانطلاق من الإنسان ومن معرفة تكوينه وحاجاته للارتقاء بعد ذلك إلى تلبية الدين لجملة من هذه الحاجات على نحو أفضل وأشمل مما تلبيه الظواهر الأخرى، وهو في ذلك إنما يساير الخاصية الرئيسية للمعرفة الحديثة، ألا وهي الاستناد إلى الأساليب والأدلة التجريبية والاستفادة من الأدلة التاريخية والاجتماعية والنفسية والاختبارية، ولئن كان البحث قديماً مركزاً على صدق القضايا أو كذبها، وعلى أحقيتها أو بطلانها، فإنه سيخوض مستقبلاً في الآثار المترتبة على الاعتقاد بقضية ما، وبيان أفضلية بالنسبة إلى عدم الاعتقاد بها بعدمها.
ويرى أن العبارات أخذت أشكالاً معينة أفقدتها مغزاها، فالمسلمون اليوم، في كل شعائرهم، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما المحافظة على شكها التقليدي، والرضا بعزوف الناس عنها في صمت، وإما العمل على تطويرها باستلهام الغرض الذي سنت من أجله، وتلبية حاجات مسلم اليوم والغد، فالثبات المزعوم للعبادات في الإسلام إنما هو تكريس للانحراف عن معانيها، وللخروج من هذا الموقف «الإشكالي» رهين إلى حد بعيد بموقف جريء وحازم من منظومة أصول الفقه الكلاسيكية.
ويدعو الباحث إلى تجديد علم أصول الفقه، وتوقع ألا يبقى من الفقه في المستقبل شيء، لأنه أحكام بشرية، ويضرب مثالاً على ذلك أن كثيراً من الأحكام التي كانت مقبولة في القديم ولا تثير أي اعتراض أخلاقي أو عملي، مثل أحكام الرق والاستمتاع بـ «ملك اليمين» وحتى أحكام القصاص في عدد من الــدول، قد حسم الأمر فيها على صعيد الممارسة، ولكنه لم يحسم على الصعيد النظري الأصولي. ويتوقع أن الاتجاه الذي يسير فيه الفكر الإسلامي في هذا الميدان هو اتجاه الحسم النظري وذلك من خلال مراجعة جريئة للأسس التي قام عليها علم الأصول ولقواعد استنباط الأحكام التي سنت في إطاره.
ويهاجم الباحث نظام الأسرة، والنظام السياسي الإسلامي لأن شرعنة العلاقات الجنسية على أساس ديني وظيفة اجتماعية تعـديلية لا تخلـو من إيجابيات، إلا أنها آلت في المقابل إلى الانحطاط بالمرأة إلى منـزلة دونية، كما أن شرعنة العلاقات بين الحكام والمحكومين على أساس ديني وإن وفرت في فترة ما للمسلمين أسباب القوة، لكنها آلت في المقابل إلى إقامة نظام استبدادي مطلق قائم على الغلبة والقهر، وفي كلتا الحالتين لم تعد انعكاسات النظامين الأسري والسياسي التقليديين السلبية مقبولة، وعوضت المشروعية الدينية مشروعية أخرى حديثة، قائمة على التعاقد الحر بين الأطراف الاجتماعيين، وعلى التمثيلية الديموقراطية والانتخاب والفصل بين السلط.
ولكن الباحث في النهاية يتفاءل بمستقبل الإسلام، لأنه رأى معظم المسلمين شباباً طامحين، وهؤلاء إذا كانوا متمتعين بفكر ومعرفة فسوف يحدث التغيير الأحسن على أيديهم.
أما المحاور الآخر «مراد هوفمان»، فبدأ حديثه بالتطورات العالمية التي أظهرت تراجع التدين بين المسيحيين في العالم، ومصالحة الكنيسة مع العلمانية، وغدا الدين اليوم مسألة خصوصية، وبالنسبة للإسلام وبما أنه دين وليس أيديولوجية، فإن مصيره على الصعيد العالمي يعتمد إلى حد كبير على مستوى التدين واتجاهاته إجمالاً ويتحدث الباحث عن أثر العلماء والفلاسفة المعاصرين ونتائج بحوثهم في تغيير المفاهيم، ومن ثم تغيير النظرة إلى الدين ومدى الأخذ به، فقد طور فلاسفة غربيون ممن اتبعوا «مارتن هايدغر» انفتاحاً حديثاً على الدين نتيجة تحررهم من وهم العقل وفقدانهم اليقين كلياً، بحيث أصبحوا يستخدمون كلمة «حقيقة بين حاصرتين، ويعرفونها بأنها (حكاية معقولة)» وقد أعلن «غوتيه» قبل حوالى مئتي سنة بوصفه من أوائل مفكري ما بعد الحداثة أن ما يهم في الإيمان هو أن يؤمن المرء في شيء، وليس أن المرء يؤمن.
ويرى أن ما بعد الحداثة هذه ليست سوى مرحلة منطقية متقدمة من الحداثة، لا تناقضها بكل تكملها، فالعقل الذي يدرك حدوده يؤدي إلى دهرية نبوية بشأن أي من أشكال اليقين، ويقول إن الإسلام سينتفع بالتقدم العلمي في القرن الواحد والعشرين، كما أن الإسلام غدا ديناً عالمياً بسبب وسائل الاتصال.
ويبحث في الإرهاب وخطورته في إرعاب الغربيين منه وانعكاساته على المسلمين سلباً، فلا شيء يجعل مصير الإسلام في العالم مجهولاً أكثر من العنف الذي يمارس ضد الأبرياء باسم الإسلام، وقد ربط الإسلام بالإرهاب منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في واشنطن ونيويورك.
ولذا كثيرون في مختلف أنحاء العالم يخشون بصورة هيستيرية من كل ما هو إسلامي، ويؤمنون بما طرحه «صموئيل هينغتون» وغيره من «صراع حضارات» بغض النظر عن عيوبهم، ويرى أن الأصولية تفيد أعداء الإسلام، وتلائم الإسرائيليين، فبمجرد وصف المرء بأنه (إسلامي) ينحرف الانتباه عن دوافع سلوكه والظلم الهائل الواقع عليه والذي ربما الدافع لمقاومته بالقوة.
ويؤكد «هوفمان» أن مستقبل الإسلام في الشرق سيتأثر بجملة أمور منها بالتربية العامة، ويقترح بهذا الخصوص تكييف التربية مع المعايير التعليمية الإجمالية، - التربية الإسلامية وهنا يدعو إلى أن العودة إلى تعليم الإسلام بوصفه طريقة شاملة للحياة، وحلقة روحية ميتافيزيقية ترتبط بالخالق بوصفه قادراً على حل إشكالات الفرد والإشكالات العالمية - حقوق الإنسان، فيقول إن العالم الإسلامي لن يقبل عالمياً ما دام أن هناك شكاً مسوّغاً بأن المسلمين لم يصلوا بعد إلى تفهم قضية حقوق الإنسان والتصالح معها - ثم حقوق المرأة. فالقرآن يقر بحقوق متساوية للرجل والمرأة على صعيد الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وبالكرامة ذاتها، والروحية نفسها، والطبيعة البشرية ذاتها، إنما المشكلة تكفي في رأيه في قراءة القرآن بمنظار رجال العصر الجاهلي.
ويشير «هوفمان» إلى التحديات الكبرى التي تواجه مستقبل الإسلام في الغرب غير الإسلامي، وفي مقدمها ما يسميه شرك العرقية، وهو ميل المسلمين إلى التجمع في إطارات قومية أو مذهبية، حيث يصعب أمام هذا التنوع الوصول إلى تمثيل عام للمسلمين، فشرك الأوطان، أي محافظة المسلمين على روابطهم بأوطانهم الأم، الأمر الذي يشكل عقبة أمام الاندماج المثمر في المجتمعات الغربية، وشرك الذاكرة، حيث يرتبط الوضع الفريد للإسلام في الغرب بالذاكرة التاريخية للحروب الإسلامية، المسيحية خلال العصور الوسطى الأمر الذي يكرّس الإسلامي تهديداً في ذاكرة الغربيين، وشرك التمثل/ الاندماج، فالمسلمون في الغرب يدافعون من أجل الاحتفاظ بخصائصهم لقناعتهم بأن المجتمع كله يجب أن ينتفع من مدخلات الإسلام إليه.
ويعقد «هوفمان» مقارنة بين وضع ومستقبل الإسلام في أوروبا وأميركا، وقد بدا متفائلاً بوضع الإسلام في أميركا لأن أكثرية المسلمين من الطلبة الذين قدموا من البلدان العربية وشبه القارة الهندية، حيث يتمتع هؤلاء بفعالية تنظيمية وتأثير ثقافي وسياسي واضح، كما أن المسلمين الأميركيين ديناميون ومنظمون. أما في أوروبا فالوضع الراهن لا يدعو كثيراً إلى التفاؤل، لأن غالبية المسلمين هناك هم عمال غير مهرة يقيمون في مناطق ذات دخل منخفض ويعاملون كمواطنين من الطبقة الدنيا، ولهذا ينظر إلى الإسلام على أنه دين غير المثقفين، ويختم «هوفمان» أن الإسلام كلما حقق مزيداً من النجاح في أوروبا، ازدادت العقبات التي تعترضه بسبب الخوف والقلق ويضرب مثالاً على ذلك قضية الحجاب المثارة في أوروبا.
غازي دحمان
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد