هل ستبقى السياسة الأمريكية تجاه سورية أسيرة المصالح الإسرائيلية
الجمل: تتم عملية صياغة السياسة الخارجية، أي سياسة خارجية، على مستوى القرارات والسلوكيات المطلوبة لجهة التعامل مع الموقف السياسي الخارجي الذي يمثل الحافز المحرض صانع السياسة الخارجية لجهة القيام بالتجاوب معه بالمستوى المطلوب وحالياً بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية تزايدت الآراء المتباينة حول مدى مصداقية عملية صنع واتخاذ القرار إزاء الشرق الأوسط وما هي طبيعة وخصوصية الحافز المحرض لجهة صنع القرار خاصة وان هذه العملية تعتبر الأكثر أهمية في عملية "اتخاذ القرار".
* صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية: تأثير اللوبي الإسرائيلي وخبرة سياسة سوريا:
تمثل السياسة الخارجية محصلة لعملية صناعية واسعة وهي عملية تختلف باختلاف طبيعة النظام السياسي ووفقاً للعديد من المتغيرات التي تمثل جانب المدخلات الخاصة بعملية صنع القرار ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو الآتي:
• في أنظمة حكم الفرد تؤثر بشكل متزايد البيئة النفسية – العقائدية على صنع قرار السياسة الخارجية كما في حالة نظام بينوشي السابق في تشلي ونظام ماركوس في الفلبين ويقل التأثير المؤسسي.
• في أنظمة الحكم المؤسساتي تؤثر بشكل متزايد التوجهات المؤسساتية على صنع قرار السياسة الخارجية ويقل تأثير البيئة النفسية – العقائدية الخاصة بالأفراد.
هذا، وتعتبر عملية صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الأمريكية حاضنة للتوجهات المؤسساتية ما عدا لجهة استثناء –يجمع عليه بعض الخبراء الأمريكيين- يتمثل في عملية صنع قرار السياسة الخارجية الشرق أوسطية، وعلى وجه الخصوص السياسة إزاء سوريا والفلسطينيين والمقاومة اللبنانية.
اختلفت التفسيرات كثيراً إزاء محاولة تفسير الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تحيز أجندة السياسة الخارجية الأمريكية لصالح إسرائيل وضد سوريا والمقاومتين في فلسطين ولبنان وقد تمثلت أبز التفسيرات في الآتي:
• نفوذ جماعات اللوبي الإسرائيلي.
• تأثير شركات المجمع العسكري – الصناعي على توجهات الإدارة الأمريكية.
• تأثير التركيب النفسي – العقائدي للنخب السياسية الأمريكية لجهة التعاطف مع إسرائيل.
• توجهات المجتمع الأنجلوسكسوني المسيطر على أمريكا.
• تأثير جماعات اليمين المسيحي – الصهيوني على الإدارات الأمريكية.
هذا، وبرغم تعدد التفسيرات، فقد كشفت الدراسات والبحوث الأمريكية نفسها بأن تأثير ضغوط جماعات اللوبي الإسرائيلي هو السبب الرئيس المسؤول عن اختلال توازن عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط وأشارت الدلائل إلى آلية عمل منظمة «الإيباك» المتمثلة في:
• التغلغل داخل الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي.
• التغلغل داخل أجهزة صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية وتحديداً وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي الأمريكي ووكالة المعونة ومراكز الدراسات المهتمة بالشرق الأوسط والأنشطة الإعلامية المتعلقة بالشرق الأوسط والإدارات المخابراتية المعنية بالشرق الأوسط.
• استخدام الحملات الجماهيرية المطالبة بدعم إسرائيل.
• استخدام المال السياسي في دعم حلفاء إسرائيل الأمريكيين.
• تجنيد الأمريكيين لصالح إسرائيل.
• تنفيذ العمليات السرية الداعمة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى هذه الخلفية أصبحت منظمة «الإيباك» وبالتالي اللوبي الإسرائيلي تمارس تأثيراً هيكلياً – وظيفياً على عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية. وتشير معطيات خبرة عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا إلى مدى فعالية تأثير جماعات اللوبي الإسرائيلي على هذه العملية ومن أبرز الأمثلة مراحل حملة بناء الذرائع ضد سوريا التي ركزت على استخدام العديد من الملفات والتي من أبرزها:
• ملف الأزمة اللبنانية.
• ملف البرنامج النووي السوري المزعوم.
• ملف دعم الإرهاب.
• ملف الأزمة القبرصية.
• ملف الأزمة العراقية.
وقد ترتب على هذه الملفات دفع عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا بالاتجاه الآتي:
• إصدار الكونغرس الأمريكي للعديد من القوانين والتشريعات المعادية لسوريا.
• إصدار الإدارة الأمريكية العديد من القرارات لجهة تبني التوجهات المعادية لسوريا مثل عرقلة المفاوضات السورية – الإسرائيلية ومحاولة عزل سوريا دبلوماسياً.
• ضغوط الإدارة الأمريكية على المنظمات الدولية ومجلس الأمن الدولي باتجاه فرض العقوبات والضغوط على سوريا.
ضمن هذا السياق الهيكلي – الوظيفي المعادي لسوريا تبرز العديد من التساؤلات إزاء قدرة الإدارة الديمقراطية الجديدة على الخروج من الدائرة المغلقة. بكلمات أخرى، إذا استطاع الديمقراطيون التغلب على الجمهوريين بشأن تداعيات الملف العراقي فهل سيستطيعون التغلب على «الإيباك» بشأن الصراع العربي – الإسرائيلي وتحديداً الصراع على ملفات خط دمشق - تل أبيب.
* الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجسديدة وملف سياسة دمشق: أبرز التوقعات:
برغم أهمية من يتولى منصب الرئيس الأمريكي فإن نفوذ الرئيس كقائد سياسي يبقى محدوداً إن لم يكن ضئيلاً جداً على عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية وفي هذا الخصوص يشير الخبير السياسي بلو مفيلد إلى عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية باعتبارها نسقاً بيروقراطياً يتألف من ثلاثة مراحل:
• المرحلة الأولى: وهي مرحلة المدخلات وتشمل جمع المعلومات والملاحظات ونقل التقارير والمعلومات الاستخبارية وقد أثبتت معطيات الخبرة العملية أن أنصار إسرائيل يفرضون سيطرتهم المطلقة على كل مكونات هذه المرحلة إضافة إلى أنهم يقومون في معظم الأحيان بفبركة وصنع المعلومات والتقارير المغلوطة التي تهدف إلى إعداد الأرضية التمهيدية لتوجيه عملية صنع قرار سياسة سوريا.
• المرحلة الثانية: وهي مرحلة تخطيط وإعداد القرار وتشمل استعمال المعلومات والتقارير وتحليل المعلومات الواردة وتفريغها لجهة إسناد الأهداف واستراتيجيات قرار السياسة الخارجية إضافة إلى الأهداف والاستراتيجيات البديلة التي يمكن اللجوء إليها في حالة مواجهة المصاعب، إضافة لذلك فإن هذه المرحلة تتضمن عمليات فرعية أخرى مثل حث الأطراف والتفاهمات غير المعلنة وإجراء المساومات والصفقات الخفية مع الأطراف المعنية، هذا وقد أثبتت معطيات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا أن حلفاء إسرائيل سعوا مراراً وتكراراً إلى عقد الصفقات التي تمهد لاستهداف سوريا ومن أبرز الأمثلة على ذلك صفقة خط باريس – واشنطن حول القرارات الدولية التي حاولت التصدي لتوظيف ملف الأزمة اللبنانية في مرحلة ما بعد اغتيال الحريري.
• المرحلة الثالثة: وهي مرحلة المخرجات وتشتمل على الخيارات السياسية وخيارات التنفيذ والمتابعة والإعلام والإشراف وما شابه ذلك من عمليات إسناد ووضع القرار موضع التنفيذ ولجهة السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا، فإن القرارات السابقة التي صدرت في حق سوريا ستظل موضع الاهتمام والمتابعة بواسطة المسؤولين الأمريكيين إضافة إلى أن هذه القرارات ستلعب دوراً متجدداً في عملية صنع واتخاذ القرار الجديد القادم، طالما أنه سيتم الاستناد والبناء عليها كمدخلات لجهة صنع المزيد من القرارات الجديدة.
يسيطر حلفاء إسرائيل وعناصر اللوبي الإسرائيلي على جميع هذه المراحل الثلاثة وبكلمات أخرى فإن مفهوم مذهبية الاستباق الذي اعتمدته إدارة بوش الجمهورية هو بالأساس مفهوم ظل مسيطراً على مذهبية السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بسوريا والمقاومة في كل من لبنان وفلسطين.
هذا، ولم يقتصر قرار سياسة سوريا على وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي (مؤسسات السلطة التنفيذية) أو على الكونغرس (السلطة التشريعية)، وإنما تعدت تداعيات القرار ذلك إلى المؤسسة القضائية عندما أعلنت المحاكم الأمريكية مؤخراً حكماً يقضي بأن تدفع سوريا تعويضاً لأسر اليهود الأمريكيين الذي قام تنظيم القاعدة بقطع رؤوسهم داخل العراق!!
* إدارة أوباما وإشكالية "عقدة سياسة سوريا":
من المفترض أن يسعى برنامج الإدارة الأمريكية المعني بسياسة سوريا إلى اعتماد وتبني برنامج يهدف أولاً وقبل كل شيء إلى تعزيز المصالح الأمريكية وذلك طالما أن السياسة الخارجية تهدف أولاً وقبل كل شيء إلى حماية المصالح، ومن الواضح أن إشكالية تحديد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط تمثل إحدى المشاكل الرئيسية التي ظلت تعترض سبيل الإدراك السياسي الأمريكي وبكلمات أخرى، فقد أصبح الفعل السياسي الأمريكي لا يفرق بين مفهوم إسرائيل ومفهوم المصالح الأمريكية مثل النفط والتجارة والمال وفي معظم الأحيان كان الفعل السياسي الأمريكي يعطي أهمية أكبر لإسرائيل على المصالح النفطية والمالية والتجارية. وعلى خلفية هذا التشويش الإدراكي فإن أهداف السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا لم تعد تركز على تعزيز المصالح الأمريكية مع سوريا أو على التعاون معها لجهة تعزيز المصالح الأمريكية وإنما أصبحت تركز على تنفيذ ما تريده إسرائيل لجهة استهداف وإضعاف سوريا مهما كان ذلك يلحق الضرر الكبير بالمصالح الأمريكية. وبرغم براعة الفعل التخطيطي الأمريكي في اعتماد تطبيق منهج توازنات الفرص والمخاطر في عملية المعايرة بين البدائل فإن هذا الفعل الأمريكي لم يفلح حتى الآن ولا في إصدار دراسة واحدة مختصرة تقارن بين ما يمكن أن تحصل عليه أمريكا من مزايا وفوائد في حالتي التعاون مع سوريا والتعاون مع إسرائيل، وتجدر الإشارة إلى أن نفوذ أنصار إسرائيل في مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية الأمريكية سوف لن يسمح لهذا النوع من الدراسات التي تطبق منهج التحليل المقارن بين سوريا وإسرائيل وذلك لأن الإجابة معروفة سلفاً وهي تتمثل في أن قدرة أمريكا على تعزيز مصالحها في الشرق الأوسط ستجد المزيد من الفرص إذا تعاونت مع سوريا وقدرة أمريكا على تعزيز مصالحها في الشرق الأوسط ستواجه المزيد من المخاطر في حال تعونها مع إسرائيل.
إن مشكلة إدارة أوباما الديمقراطية إزاء وضع جدول أعمال جديد للسياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا ستكون مشكلة تتضمن الكثير من الأبعاد الهيكلية والتداعيات الوظيفية التي من أبرزها:
• مدى القدرة على الوضوح السياسي: ويتمثل مدى قدرة إدارة أوباما على التعاطي النزيه والموضوعي مع الأحداث والوقائع السياسية الجارية في منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها الحقيقية على المصالح الأمريكية.
• مدى القدرة على الاتساق السياسي: ويتمثل في القدرة على اعتماد مبدأ تكامل وانسجام أبعاد وجوانب ومكونات السياسة الخارجية الأمريكية بشكلها الخاص إزاء سوريا مع أبعاد ومكونات وجوانب السياسة الخارجية بشكلها العام إزاء العالم باعتبارها سياسة تهدف إلى تعزيز المصالح الأمريكية.
• مدى القدرة على الاستمرارية: ويتمثل في مدى قدرة الإدارة الأمريكية الجديدة على وضع منظور استراتيجي بعيد المدى للسياسة بالخارجية الأمريكية إزاء سوريا والشرق الأوسط بحيث يتضمن هذا المنظور التعاطي الموضوعي لجهة الصياغة ووجهة التنفيذ الموضوعي – المستقل عن تأثير الأطراف الخارجية والأطراف الداخلية المتحيزة.
• مدى القدرة على التوافق: ويتمثل في مدى القدرة على اعتماد سياسة خارجية أمريكية إزاء سوريا والشرق الأوسط بشكل يتوافق مع المعطيات الخارجية والداخلية ومع متطلبات المصالح العليا -الحقيقية– الأمريكية.
• مدى القدرة على التكيف: ويتمثل في مدى قدرة الإدارة الجديدة على اعتماد سياسة خارجية إزاء سوريا والشرق الأوسط بحيث تكون متميزة بالقابلية للتعديل والتكييف مع متطلبات المواقف المتجددة فليس كل ما تقوم به إسرائيل هو ما يجب على أمريكا أن تقوم بالدفاع عنه ومحاولة إرغام المجتمع الدولي على ابتلاع انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي والمواثيق الدولية.
برغم تفاؤل البعض باحتمالات أن تتطور السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية بشكل إيجابي إزاء سوريا فإن هناك احتمالاً كبيراً يقول بأن السياسة الخارجية الأمريكية الشرق الأوسطية ستظل لفترة طويلة قادمة أسيرة النموذج "المثالي" الذي يعتمد انتهاج الإملاءات الوحيدة الاتجاه التي يتم إعدادها وتقديمها بواسطة «الإيباك» وأصدقاء إسرائيل المنتشرين في الساحة السياسة الأمريكية وما دينيس روس المحتمل توليه وزارة الخارجية في إدارة أوباما، إلا واحد من كبارهم، وحالياً تفيد معظم المعلومات بأن روس إن تولى أم لم يتولى حقيبة الخارجية فإنه سيعتبر المهندس الحقيقي للسياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط وتحديداً سوريا والمقاومة في لبنان وفلسطين.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد