بحثاً عن صورة لإثبات «إرهاب الدولة»

13-01-2009

بحثاً عن صورة لإثبات «إرهاب الدولة»

توفر التغطية الإعلامية للحرب على غزة أرشيفاً إعلامياً ضخماً عن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في القطاع. ولعل أي مهتم لن يجد صعوبة في أن يجد في هذا الأرشيف شتى أصناف الإرهاب، فالحرب في غزة لم تستثن أحداً من أولئك الذين استثنتهم كل المعاهدات والمواثيق الدولية من لهيب الحروب سواء من الأطفال أو النساء أو العجز، صحافيين كانوا أو مسعفين، بيوتاً مدنية ومساجد ومدارس ومشافي أيضاً..كل ذلك هو في دائرة الاستهداف الصهيوني اليوم. فهل يحتاج كشف إرهاب الدولة بعد تلك الصور إلى براهين؟
نظرياً لا نحتاج إلى براهين لإثبات إرهاب إسرائيل منذ مجزرة دير ياسين في العام ١٩٤٨ وربما أبعد من ذلك، لكن إسرائيل ومنذ ذلك التاريخ تعيد إنتاج الصور ذاتها في فلسطين ولبنان، ومنذ ذلك التاريخ ندأب نحن العرب على جمع صور موتنا وأرشفتها. لكن ماذا فعلنا أكثر من ذلك؟
لن نختلف كثيراً على أن قراءة الصورة بحد ذاتها وجه نظر، بل وندرك أن كثيراً من صور الموت والدمار التي يحفظها أرشيفنا وجدت تفسيرات وتبريرات تمت صياغتها وفق وجهات نظر مسبقة، فالإرهابي الصهيوني الذي اقتحم الحرم الإبراهيمي في تسعينيات القرن الماضي على سبيل المثال، كان مجنوناً وفق وجهة النظر الإسرائيلية، آنذاك، والطفل أحمد إسماعيل خطيب ابن الثانية عشرة الذي استهدفه قناص إسرائيلي منذ سنوات، بعيداً عن أعين الكاميرا، سيصير في بيان للجيش الإسرائيلي مسلحاً في »الجهاد الإسلامي«، ثم قتيلاً بخطأ في التشخيص لبندقية إسرائيلية، ومثل أحمد ستقتل الطفلة إيمان عند حاجز إسرائيلي في رفح، وستمزق جسدها الصغير عشرون رصاصة، ويتم تبرير الحادثة بالقول إن حقيبتها المدرسية أوحت بقنبلة موقوتة، وهكذا كانت الضحية تتراجع من الصف الأول من التعاطف، ليصير القاتل مسكيناً مغلوباً على أمره، يريد أن يدفع الموت والخطر عن نفسه ولكنه أخطأ فقتل طفلا بريئا!
حين تقترب الكاميرا لتكون الشاهد الحي على المجزرة والإرهاب، يكون هناك حد للمبالغة في الكذب في تفسيرها.. تماماً كما حدث في مشهد مقتل محمد الدرة بين حضن أبيه، مثلاً، ولو ان هناك من تبرع للتشكيك بالصورة وخسر أمام المحاكم الفرنسية، أو في مشهد مقتل الناشطة الكندية راشيل أمام دبابة إسرائيلية، أو في مشاهد قتل جريح في مسجد بالفلوجة العراقية على يد الجنود الأميركيين، أو مشاهد التعذيب في أبو غريب، أو مشاهد السيناريو المكرر للمجازر في قانا اللبنانية.. في كل تلك المشاهد تقدمت الصورة وتراجعت وجهات النظر.
ربما كان بمقدور العرب أن يقلبوا ظهر المجن، بخصوص الصورة الراسخة عنهم في الغرب، ولعل انتشار تلك الصور في عدد من الدول الغربية كان من شأنه أن يساعد في تغيير صورة العرب، فما الذي حدث؟
ببساطة، ذهبت كل الصور السابقة بكل ما فيها من بلاغة إلى أرشيف النسيان، ولم نفلح حتى في تحريك دعوة ضد قادة العدو الإسرائيلي، بوصفهم مجرمي حرب.
اليوم سيناريو الإرهاب يعيد نفسه بالقسوة، وأمام الكاميرا وعلى مرأى من عيون الرأي العام العالمي واستنكاره. يقتل اليوم أطفال بالعشرات في أحضان أمهاتهم، تفقأ عينا الطفل لؤي صبح، تقصف المدارس والمساجد ومراكز »الأنروا«. اليوم يقتل المسعفون والصحافيون وينكل بالمدنيين، فهل ننجح لمرة واحدة فقط في استثمار دمنا لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أو على الأقل إزاحة صورتنا من موقع القاتل إلى موقع الضحية في أذهان الرأي العالمي؟.
اعتقد أن الفرصة (رغم مرارة المشهد الذي هيأها) مؤاتية للإعلام العربي ليقلب الأمور ويعيد ترتيب صورتنا الحقيقية في الغرب تحديداً.. فإذا نجحنا في ذلك، نكون على الأقل قد أزحنا عن أكتافنا ثقل تخاذلنا المعنوي في الوقوف إلى جانب أهلنا في غزة، وإلا فإننا سنكون شركاء على الأقل في السكوت عن الدم الفلسطيني المهدور.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...