الحريري يبدأ الانتخابات: مال ومذهبيّة ومسلّحون
سوف يكون صعباً على أيّ عبقري في هذا الكون، تدريس تلامذة في الأدب والفن السياسيين لدى فريق 14 آذار. وما قيل من جانب هؤلاء: سياسيين ونوابغ وكتبة، يصعب حتى تجميعه في كراس واحد. ذلك أن أي محاولة لقرّاء الخطاب أو الرسالة تعود بك إلى السطر الأخير من كل خطاب ومقالة وبيان، لتفهم أن قوى 14 آذار تقول ما كان يرد في بيانات الحزب الشيوعي قبل عقدين من أن «الأحداث أثبتت صحة تحليلاتنا» حتى تتحول الوقائع المفترضة في تصور هؤلاء إلى حقائق قائمة وعليها يجري البناء، في استعادة لتجربة سابقة، كان الراحل جوزيف سماحة يسمّيها «الإعمار الافتراضي». وهو كتب ذات يوم عن النقاش القائم حول قصر المؤتمرات في بيروت، وكيف أن الراحل رفيق الحريري نجح في إقناع جمهوره والمقتنعين بمشروعه، بأن من يرفض قصر المؤتمرات إنما يدعو إلى هدم بناء قام حقاً، وكل من يدافع عن فوائد القصر يتحدث عن عائدات قائمة من صرح قائم. وهكذا فإن اللعبة الافتراضية، تجعل النقاش من دون أساس، وليس هناك من هدف سوى التعبئة مع مفعول رجعي، حتى إذا انتهت المعركة على خسارة، يخرج أصحاب المشروع من غير ضرر لأن أي شيء لم يقم أصلاً، وإذا ربحوا يكون لهم حرية التصرف في الخطوة التالية، فلا يعود هناك من يسأل عن آلية الإعمار ولا عن كلفته ولا عن جدواه.
وعلى هذا الأساس، فإن الشيخ سعد الحريري يفترض بأن مبادرة الملك عبد الله الانفتاحية في قمة الكويت قد أربكت الآخرين وأرعبتهم. ثم يتحدث عن عجز الطرف الآخر عن تعطيل الانتخابات، فيكون استنتاجه بأن الوصيّ الخارجيّ على قوى المعارضة في حالة إرباك وذهول، ثم يضيف على قناعته بأن المقاومة خسرت في غزة وربح محمد الدحلان وياسر عبد جيبه، ليعود ويقول لأنصاره الذين جرى تجميعهم على عجل، إنه واثق بأن فريق 14 آذار يملك الأكثرية الشعبية، وبالتالي سوف يفوز بغالبية المقاعد النيابية في الانتخابات المقبلة، ولكن ذلك لا يمنع العمل لمنع حصول العكس. وبعد ذلك لا حاجة لأي متابعة أو استنتاج، إذ يمكن فهم ما يريد أن يقوم به الحريري وأنصاره في الفترة الفاصلة عن الانتخابات، علماً بأن السياق السياسي لمفاهيم الشاب ومضمون كلامه يفترضان أن يقود إلى استنتاج بأن حملة 14 آذار سوف تكون هادئة وليس هناك من داعٍ لأيّ استنفار إعلامي - تعصّبي - مذهبي - مالي. لكن واقع الحال مختلف.
1 - لم يتوقف تيار «المستقبل» على وجه التحديد، ومعه غالبية قوى 14 آذار حتى في ذروة الجنون الإسرائيلي على قطاع غزة من الاستمرار بالحملة الانتخابية المالية، وظل تدفق الأموال السعودية على كل المناطق وعلى كل الأجيال، من التلاميذ إلى الأساتذة، إلى الشبان العاطلين من العمل، إلى الجمعيات والأندية والهيئات المحلية والاختيارية، إلى سائقي سيارات يفترض أن تحتجز منذ الآن، إلى وسائل إعلام وإعلاميين، إلى تعبئة لا سابق لها بين المغتربين، وعروض برحلة استجمام إلى لبنان تستمر أسبوعاً كاملاً مدفوعة النفقات سلفاً، إلى إجازات مدفوعة أيضاً لعاملين في مؤسسات تابعة لمجموعة الحريري في السعودية ودول عربية أخرى.
2 - لم يتوقف هذا التيار وأنصاره عن الحملة المذهبية في المناطق التي يواجه فيها معارضين لهم نفوذهم بين السنّة، ويستمر الكلام على أسامة سعد في صيدا وعبد الرحيم مراد في البقاع وعمر كرامي في طرابلس بأنهم «خونة باعوا أنفسهم للفرس». كذلك لم تتوقف حملة التهويل في صيدا والبقاع الغربي وبعض مناطق بيروت وإقليم الخروب، من أن حزب الله يخطط لشراء الأراضي وطرد سكانها والاستيلاء عليها، ولم تتوقف التعبئة المحذرة من أي حوار أو تصالح حتى على مستوى الأحياء الصغيرة أو على مستوى الجمعيات العامة والبلديات والأندية.
3 - لم تتوقف الأنشطة والضغوط الهادفة إلى تشكيل تكتّل مسيحي بوجه العماد ميشال عون في المناطق المسيحية، من القرار بإعادة إطلاق محطة الـ«مر.تي.في»، إلى ورشة البونات التي لا تتوقف عملية توزيعها في كل الأقضية المسيحية جبلاً وشمالاً وبقاعاً، إلى محاولة إقناع ميشال المر بقيادة انتفاضة مستقلين بوجه عون وتحت راية رئيس الجمهورية، إلى العمل دون توقف على إقناع سمير جعجع بتخفيف طلّاته وبياناته كي لا يستفزّ المزيد من المسيحيين، ويعقّد مهمة «المستقلين الجدد».
4 - لم يتوقف العمل على إعداد برنامج جديد للتعبئة على خلفية جريمة اغتيال الرئيس الحريري من خلال إعداد احتفال ضخم في 14 شباط المقبل، وحملة على اتهام لقوى داخلية بالتورط، غير الضباط، بعدما بات استخدام هذا السلاح في غير مكانه، إلى محاولة القفز فوق أي تحقيق أو محكمة وإصدار الحكم السياسي المبرم، وبالتالي دعوة الجمهور إلى التعامل مع الملف على هذا الأساس.
5 - لم تتوقف عملية إعادة الاعتبار إلى الجسم الميليشاوي لقوى 14 آذار، من بيروت حيث عادت عملية التسليح في أكثر من حي، إلى تشكيل هرميات جديدة بعد فشل التجربة الأولى، إلى الطلب من أنصار «المستقبل» في أكثر من منطقة القيام باستعراضات ترفع معنويات من أصابه الإحباط سابقاً. وما حصل في البقاع الأوسط أمس مؤشر أول، وصولاً إلى إبداء الاستعداد للقيام بكل ما يلزم لأجل كسب المعركة الانتخابية.
ابراهيم الأمين
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد