خسائر وأرباح دول الاتحاد الأوروبي من نشر شبكة الدفاع الصاروخي

الجمل: تشهد الساحة الأوروبية صراعاً دبلوماسياً متزايداً بين حلفاء إدارة بوش الجمهورية السابقة ومحور برلين – باريس الساعي إلى التخلص من إرث الإدارة السابقة.
* ماذا تقول المعلومات:
من المعروف أن جمهورية تشيكيا وبولندا هما الدولتان المرشحتان أمريكياً لاستضافة شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية وقد عارضت دول الاتحاد الأوروبي ذلك ولكن بطريقة أكثر دبلوماسية تمثلت في مطالبة الإدارة الأمريكية بضرورة وضع الشبكة تحت سيطرة حلف الناتو باعتباره الكيان المعني أولاً بالدفاع العسكري عن أوروبا، وثانياً لأن سياسة الدفاع الأوروبي واحدة لا تتجزأ وثالثاً لأن أمريكا هي بالأساس عضو قائد في القيادة العسكرية للناتو. ولكن بالمقابل ظلت الإدارة الأمريكية السابقة ترفض ذلك، تحت مبررات وذرائع معلنة تقول أن نشر هذه المنشآت يندرج ضمن إطار اتفاقياتها الثنائية الدفاعية مع التشيك وبولندا أما الأسباب الحقيقية غير المعلنة التي تفسر الموقف الأمريكي فهي:
• إن وضع منشآت شبكة الدفاع الصاروخي تحت إشراف الناتو يحرم واشنطن من حرية استخدام هذه الشبكة ويجعل استخدامها حصراً بواسطة الناتو فإن القرار لابد أن يتم بالإجماع وبالتالي فإن عدم الحصول على الإجماع هو الأكثر احتمالاً طالما أن الأوروبيين لم يعودوا يوافقون على توجهات الإدارة الأمريكية ومشروع الهيمنة الأمريكي.
• إن وضع شبكة الدفاع الصاروخي تحت إشراف الناتو سيعرض أسرار التكنولوجيا الصاروخية الأمريكية لخطر السرقة والانكشاف بواسطة بعض الأطراف الأوروبية كفرنسا وألمانيا واللتان برغم تعاونهما الحالي مع واشنطن فإن البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ينظر إليهما باعتبارهما مصدراً للخطر في المستقبل القادم.
* ما الذي يدور على خط موسكو – باريس – واشنطن:
بالنسبة لواشنطن من المعروف أن إدارة أوباما سوف لن تهتم كثيراً بأجندة شبكة الدفاع الصاروخي لعدة أسباب أبرزها:
• انتقادات الديمقراطيين الدائمة لمشروع شبكة الدفاع الصاروخي منذ أيام إدارة ريغان الرئيس الأمريكي الذي أعلن عن برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجي المسماة حرب النجوم التي وضعت لبنات مشروع الدفاع الصاروخي.
• تزايد تكلفة نشر شبكة الدفاع الصاروخي وتقول المعلومات أن الأزمة المالية الأمريكية المتزايدة حالياً سوف لن تسمح لأي إدارة بالموارد المالية اللازمة لتمويل المشروع.
• اعتقاد إدارة أوباما أنه من الممكن استخدام وتوظيف ملف شبكة الدفاع الصاروخي في عقد صفقة مع موسكو تعود بالفائدة المباشرة على واشنطن لأن الحصول على دعم روسيا في ملف الحرب الأفغانية وملفات آسيا الوسطى وجورجيا إضافة إلى ملفات النفط والغاز والملف الإيراني هو الخيار الأفضل أمام واشنطن.
• أما بالنسبة لموسكو فهي أكثر إدراكاً لتداعيات الأزمة الاقتصادية الكارثية على القدرات الاقتصادية الأمريكية وبالتالي على قدرة الخزانة الأمريكية في القيام بتمويل نشر شبكة الدفاع الصاروخي.
على هذه الخلفية فقد سعت موسكو للتفاهم مع واشنطن حول جورجيا وحصلت على ما تريد وكما تقول التسريبات فإن واشنطن قد باعت جورجيا وزعيم ثورتها الوردية ساخاشفيلي وقبضت الثمن الذي تمثل في دعم روسيا لخطوط إمدادات القوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان.
إضافة لذلك، فإن واشنطن لم تكتف ببيع جورجيا وإنما باعت أوكرانيا وثورتها البرتقالية وحتى الآن لم يتضح ما الذي حصلت عليه واشنطن.
أما بالنسبة لبروكسل فتقول المعلومات أن زعماء الاتحاد الأوروبي أصبحوا في حالة إدراك ووعي كامل لجهة الإجابة على السؤال: ما الذي يتوجب القيام به لجهة استغلال فرصة خروج إدارة بوش من البيت الأبيض ودخول إدارة أوباما؟
الإجابة على هذا السؤال لن تتضح لنا من خلال تحليل الأداء السلوكي الميداني لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية وسياسة محور برلين – باريس الخارجية، وهو أداء يشير إلى الآتي:
• إضعاف نفوذ الدول الأوروبية الصغيرة التي ظلت بسبب اعتمادها على المساعدات الأمريكية أكثر ارتباطاً بأجندة السياسة الخارجية الأمريكية بما أدى إلى إضعاف نفوذ محور برلين – باريس الذي يقود مسيرة الاستقلالية الأوروبية عن واشنطن داخل الاتحاد الأوروبي.
• إرساء قواعد معادلة جديدة للأمن الأوروبي والاستقلالية الأوروبية تقوم مفرداتها على أساس بناء العلاقات المتوازنة مع موسكو من جهة الشرق ومع واشنطن من جهة الغرب وذلك بحيث تتفادى القارة الأوروبية مشروع التبعية الذي كانت تفرضه عليها واشنطن عبر نافذة الأطلنطي.
• إضعاف نفوذ لندن التي ظلت تلعب دور حصان طروادة داخل الاتحاد الأوروبي بما يؤدي لإعادة بريطانيا إلى الحظيرة الأوروبية.
• إغلاق الباب أمام انضمام بلدان القوقاز والبحر الأسود خاصة أن الرأي العام الأوروبي أصبح أكثر رفضاً لفكرة توسيع الاتحاد طالما أن ذلك سيلقي بالمزيد من الأعباء والمسؤوليات الجديدة على عاتق الأوروبيين.
• تأمين الطاقة الأوروبية عن طريق الحصول إمدادات النفط والغاز الروسية بدلاً عن المصادر النفطية الواقعة تحت سيطرة الشركات الأمريكية.
• الاستفادة من انفتاح الأسواق الروسية بأكبر ما يمكن تمهيداً للانطلاق والتغلغل باتجاه أسواق آسيا الوسطى.
• تقليل الروابط مع الاقتصاد الأمريكي وذلك بما يتيح للاقتصادات الأوروبية تفادي مخاطر الارتباط بالاقتصاد الأمريكي الذي نقل عدوى أزماته المالية إليها والتي أصبحت تتزايد، ولا يبدو من مخرج لواشنطن منها سوى تصدير ضغوط الأزمة إلى هذه الاقتصاديات بما يجعلها تتحمل جزءاً من الخسائر.
عموماً، ما هو واضح حتى الآن يتمثل في أن صفقات خط واشنطن – موسكو القادمة سيترتب عليها إتاحة الفرص لمحور برلين – باريس للقيام بإعادة ترتيب البيت الأوروبي ضمن المواصفات المطلوبة التي سيكون أقلها التأكيد على مسيرة الاستقلالية كخيار أساس لمستقبل الاتحاد الأوروبي ودوره الدولي والإقليمي.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة