وثائق سورية:خطاب عبد الناصر من دمشق بعد جنازةشهداء ثورة العراق
أيها المواطنون:
إن غضبتكم لما وجه إلى القومية العربية وما وجه إليكم ليست بالأمر الجديد علينا؛ لأن القومية العربية في الماضي واجهت المحاولات والمؤامرات لتتحلل وتذوب، فغضبتم في الماضي، وانتصرت القومية العربية وضاعت المحاولات.
إن غضبتكم - أيها الإخوة - لما وجه إلى جمهوريتكم ولما وجه إلى قوميتكم ليست بالأمر الجديد. وإننا اليوم، ونحن نجتمع في هذا المكان نتذكر العام الماضي.. ونحن كنا نتكلم من هذا المكان، وكان هناك نورى السعيد وأعوان نورى السعيد والاستعمار في بغداد، وأعلنتم في هذه الأيام عن إرادتكم وعن مشيئتكم بقيام الجمهورية العربية المتحدة، وتصدى - أيها الإخوة - تصدى لكم نورى السعيد وأعوان الاستعمار وقوى الصهيونية والاستعمار؛ وغضبتم لهذا التصدي.
وإننا اليوم حينما نجتمع في هذا المكان نقول: ما أشبه اليوم بالبارحة.. ما أشبه اليوم الذي نعيشه بالبارحة. ونحن حينما استمعنا يوم الاثنين الماضي إلى إذاعة بغداد وإلى محكمة الشعب في بغداد بل محكمة السب في بغداد لأن الشعب برئ منها، استمعنا إلى محكمة السب في بغداد تسبكم - أيها الإخوة المواطنون - وتسب قوميتكم، وتسب رئيسكم، وكانت محكمة السب في بغداد في هذه الأيام إنما تعبر عن الحقد الأسود الذي تمكن من نفوس أعدائكم، أعداء القومية العربية.
يوم الاثنين الماضي في بغداد حينما أطلقت محكمة السب في العراق السباب ضد جمهوريتكم، لم يكونوا أبداً قد عرفوا ماذا يجرى في الموصل، ولم تكن أقدامهم وطئت الموصل، ولكنهم كانوا ينادون في إذاعتهم.. ينادون العون، وينادون بصوت يشبه الهيستريا. ولم يكن قاضى محكمة السب في بغداد وجلاديه يعبرون عن نفوسهم ويعبرون عن رأيهم الشخصي حينما تعرضوا لجمهوريتكم وقوميتكم بالسباب، وحينما تعرضوا لرئيسكم بالسباب؛ إنما كانوا يعبرون عن الحقد الأسود الذي انطلق من قاسم العراق، وهم يظنون أنهم بهذا قد يتمكنوا من أن يقسموا هذه الأمة التي حاربها نورى السعيد في مثل هذه الأيام.
ما أشبه اليوم بالبارحة أيها الإخوة.. البارحة في العام الماضي وقف نورى السعيد يسبكم ويتحدى إرادتكم؛ فانتصرتم وذهب نورى السعيد. وقام أعداء القومية العربية الذين آويتموهم في بلدكم الطيب، والذين أطعمتموهم في بلدكم الطيب، قاموا وقد تنكروا لكل معاني القومية، وركبهم الحقد الأسود والحقد الأحمر، ولم يستطيعوا أن ينفسوا عما في قلوبهم هنا في بلدكم؛ لأن الوعي كان يشمل الجميع، هرب كبيرهم حينما قررتم الوحدة، وحينما رفعتم راية القومية العربية. وحينما قامت ثورة العراق وذهبوا إلى بغداد، تخيلوا أنهم قد يتمكنوا أن يحققوا من بغداد ما لم يستطيعوا أن يحققوه هنا في دمشق. وعاد كبيرهم الذي كان قد آثر الفرار إلى مدينتكم وهو يعتقد أن الثمار دانية، وأن سوريا ستسلم نفسها إلى الشيوعية العميلة، ونسى أن هذا الشعب الذي تبنى دائماً الدفاع عن حريته واستقلاله وقوميته، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسلم قياده للعملاء.. والشيوعيون عملاء وكلنا نعرف أنهم عملاء.. كلنا نعرف أنهم عملاء. (تصفق وهتاف).
حينما عاد كبيرهم إلى مدينتكم مرة أخرى، واعتقد هو وأعوانه من العملاء أن الثمار دانية، ولكنهم صدموا بوعي الشعب العربي هنا، وهب الشعب العربي يدافع عن قوميته، بل يدافع أيضاً عن ديانته وإيمانه، وينبذ الإلحاد وينبذ الشيوعية الحمراء. قام الشعب يدافع عن قوميته فذهبوا إلى العراق، وفتح لهم قادة العراق وحكام العراق أبواب بغداد ليعملوا ضد جمهوريتكم، وهم يحلمون أن في استطاعتهم أن يقوم هلال خصيب شيوعي تنطلق به الشيوعية من بغداد، ونسوا - أيها الإخوة المواطنون - أن القومية العربية على مر الزمن وعلى مر السنين لاقت الاضطهاد، وخرج عليها أهل الردة والعملاء؛ ولكن الشعب العربي الأبي دافع دائماً عن قوميته.
وبعد ثورة العراق وبعد أن تحصن الشيوعيون العملاء بالعراق، آثرنا أن نحاول بكل وسيلة من الوسائل من أجل وحدة الصف العربي أن نعيد الوفاق، الذي لم يكن هناك أي سبب من الأسباب لأن يتكدر مع العراق، ولكن حكام العراق وعلى رأسهم قاسم العراق تنكروا لهذه الجمهورية التي ساندته حينما تخلى عنه الجميع، والتي ساندت ثورته لأنها كانت تعتقد أن واجبها هو أن نساند شعب العراق.. تنكر لهذه الجمهورية وبدأ يفتعل الأزمات. بدأت هذه الأزمات ليس من يوم الاثنين الماضي حينما ظهر السب في محكمة السب في بغداد، وحينما انطلق جلادو العراق في محكمة السب والهذيان ضدكم، ولكنها بدأت منذ شهور، وكنا ندارى - أيها الإخوة - ونحاول أن نجمع الصف من أجل وحدة الصف العربي، ولم يكن هناك سميع ولا مجيب.
وقد بعثت إلى قاسم العراق أربع مرات حتى نجتمع من أجل وحدة الصف العربي ومن أجل مصلحة العالم العربي، ولكن قاسم العراق، الذي كان يبيت أمراً ضد القومية العربية والذي كان يشعر بالحقد الأسود، رفض هذا وتحجج بحجج كثيرة؛ منها أنه لا يستطيع أن يترك بغداد، ومنها أنه لا يستطيع أن يجتمع في هذا الوقت. ولم نكن نهدف من هذا - كما قالت جرائد الشيوعيين في بغداد - أن نقرر مصير أمتنا، ولكنا كنا نريد أن نجمع الصف، ونتغلب على عوامل الفتنة والحقد الأسود التي بدأت الشيوعية تبثها بين الشعب العربي بالعراق والشعب العربي في الجمهورية العربية المتحدة، وكنا نرى أن مصلحة الأمة العربية هي وحدة الصف العربي، ولكن كان هذا النداء ولا سميع ولا مجيب.
وبدأت صحافة الشيوعيين في العراق توجه إلى جمهوريتكم الاتهام تلو الاتهام، بدأت صحافة الشيوعيين في العراق تغمز وتلمز للوقيعة بين الشعب العربي في العراق والشعب العربي في الجمهورية العربية المتحدة، وبدأت تعبئة الشعور في العراق ضد القومية العربية وضد الجمهورية العربية. ولجأ إلى العراق في هذا الوقت وذهب إلى بغداد زعماء من شيوعيي بلدنا خانوا أرضهم وخانوا وطنهم ونذروا نفسهم - يسيطر عليهم الحقد الأسود - في أن يكونوا العامل الأساسي للوقيعة بين الشعب العربي ولإضعاف القومية العربية.
وفتح لهم قاسم العراق أبواب بغداد؛ حتى يعملوا ضد جمهوريتكم وحتى يبثوا الفتنة ضد القومية العربية. ولم يكن الأمر - أيها الإخوة - أمر خلاف على العقيدة أو على المبادئ أو على الرسالة، ولكنه كان حقد أسود وحقد أحمر يوجه إليكم وإلى جمهوريتكم لما حققته من انتصارات، ولأنها حافظت على استقلالها وتمكنت أن تبقى خارج مناطق النفوذ، وتبقى سيدة إرادتها وصاحبة مشيئتها. وحاولنا بكل وسيلة من الوسائل أن نجمع الصف العربي، ولكن الخطط المدبرة - خطط الشيوعيين التي دبرت في الماضي لتسيطر على سوريا ثم فشلت - وجدت في ثورة العراق تعويضاً لها عن فشلها في سوريا، فهاجرت إلى بغداد حتى تحول العراق إلى بلد شيوعي، ومنه تنطلق إلى باقي الدول العربية، ثم منه تكون الهلال الخصيب الشيوعي.
وكان سبيلهم إلى هذا إشاعة الفرقة وبث الإشاعات وتزييف الوثائق، وبث الحقد والبغضاء بين أبناء الشعب العربي في العراق ضد أبناء الجمهورية العربية المتحدة. ولما قام الخلاف بين قاسم العراق وعارف - وهم الذين قاموا بالثورة - بدأوا يزيفون الأكاذيب وينشرون الأكاذيب. بدأوا يقولون: أن عارف تآمر مع الجمهورية العربية ضد قاسم، نشروا هذا بين شعب العراق، وكانوا بهذا يخدعون شعب العراق ويخدعون أنفسهم، وكانوا بهذا يفرقون الصف العربي ويقضون على وحدة الصف العربي، وكانوا بهذا يهدمون فى القومية العربية.
وقد ظهر للشعب العربي في كل مكان - حينما أذيعت محاكمات عبد السلام عارف - كيف كذب قاسم العراق، وكيف كذب الشيوعيون العملاء حينما قالوا: أن عبد السلام عارف حضر إلى الجمهورية العربية وتآمر معها على العراق. إن الأمر - أيها الإخوة - لم يكن أمر مؤامرة؛ ولكنه كان أمر تصفية.. تصفية العناصر القومية ليخلو الجو للعناصر الشيوعية من العملاء حتى يتمكنوا من العراق ومن شعب العراق، وكل من استمع إلى محاكمة عبد السلام عارف استطاع أن يعرف بكل بساطة أن السبب الوحيد لهذه المحاكمة والغرض الوحيد لهذه المحاكمة كان هو التخلص من عبد السلام عارف؛ لأنه نادى بالقومية العربية ونادى بوحدة الأمة العربية.
أيها الإخوة:
روج هذه الأكاذيب الشيوعيون العملاء الذين ادعوا الوطنية والذين ادعوا الديمقراطية وزيفوا الديمقراطية، وها أنتم اليوم - أيها الإخوة المواطنون - ترون الديمقراطية في العراق؛ قفل الصحف وحرق الصحف، وقتل النسوة والأبرياء والأطفال، ترون الديمقراطية التي عبرت عنها الشيوعية.
في اليوم الحادي والعشرين من الشهر الماضي احتفلت سفارتكم في بغداد بالعيد الأول للجمهورية العربية المتحدة، ولم يستطع الشيوعيون في العراق - ومن ورائهم قاسم العراق - أن يكتموا حقدهم أو أن يكبتوا حقدهم في قلوبهم، ولكنهم آثروا.. آثروا وفقاً للروح الشيوعية المبنية على الحقد والبغضاء أن يقوموا بالعدوان على سفارتكم.
حاصروا سفارتكم في العراق.. حاصروا الرجال والنساء والأطفال، ووجهوا إليهم أفظع السباب بل قذفوهم بالطوب؛ وكانوا بهذا يوجهون إلى جمهوريتكم أشنع وأقذر الإهانات، ولكنا لم نتكلم بل تذرعنا بالصبر ورأينا المداراة، ورأينا أن نسكت من أجل وحدة الصف العربي عسى أن يكون هناك أملاً في أن يعود قاسم العراق إلى وعيه، أو أن يعود إلى ضميره، أو أن يفكر في قوميته العربية؛ ولكن الأمر لم يكن يسير على هذا المنوال، كانت هذه الطبيعة وكان هذا العمل من حصار سفارتكم في بغداد والاعتداء على النسوة والأطفال؛ إنما هو تعبير عن الحقد والبغضاء، وإنما هو عمل لا يمثل الروح العربية بأي حال من الأحوال.
ونحن - أيها الإخوة - كنا في القاهرة وكان علينا عدوان من فرنسا ومن بريطانيا، وخرجت سفارة فرنسا وسفارة بريطانيا ولم نوجه لهم العدوان والسباب؛ لأننا نتذرع بالروح العربية ولا نتذرع بروح الشيوعية والحقد والبغضاء. (تصفيق).
أيها الإخوة المواطنون:
وحينما قامت الثورة في الموصل يوم الأحد الماضي ولم يكن قاسم العراق يعرف أي شيء، بل كان قاسم العراق يعرف ما هي أسباب ثورة الموصل؛ لأنه هو ورجاله كانوا يدبرون الاستفزازات، وكانوا يصفون العناصر الوطنية والقومية، وكانوا يصفون الضباط الأحرار، وكان هذا - أيها الإخوة - مدعاة لأن يثور أي حر أبى يحافظ على شرفه وعلى عروبته.
وحينما بدأت الثورة، خرج حكام العراق وخرج شيوعيو العراق - هؤلاء العملاء - يقولون: إن الجمهورية العربية المتحدة هي التي تدبر هذه الثورات، ونسوا أن هذه الثورة إنما هي نتيجة أعمالهم، ونتيجة حكم الإرهاب، ونتيجة حكم التصفية، ونتيجة تسلط الشيوعية والعملاء. قامت ثورة الموصل في يوم الأحد، وقامت مظاهرات مفتعلة أقامها قاسم العراق والشيوعيون العملاء يهتفون ضدكم وضد جمهوريتكم، ويعبئون شعب العراق ضد القومية العربية، وقد وجدوا أن هذه فرصة هينة ليبثوا الحقد الأسود.
وفى اليوم التالي - أيها الإخوة المواطنون - في محكمة السب في العراق - السب البذيء.. السب السافل - في هذه المحكمة أعلن جلادو العراق من القضاة والمدعين - هؤلاء الجلادون - أعلنوا في هذه المحكمة التي نسبت إلى الشعب زوراً وبهتاناً لأنها بنيت على السب والحقد والبغضاء، أعلنوا السب البذيء ضد جمهوريتكم وضد قادتكم. وكانوا بهذا يعبرون عن الحقد الأسود، وكانوا بهذا يعبرون عن البغضاء، وكانوا بهذا يعبرون عن المخطط الشيوعي الذي كان ينتظرون أن ينجح هنا في دمشق ففشل؛ لأنكم آليتم على أنفسكم أن تتمسكوا بعروبتكم وتتمسكوا باستقلالكم وحريتكم، ولأنكم عرفتم أن الشيوعيين عملاء، فذهبوا إلى العراق؛ عسى أن ينجحوا في العراق ثم يزحفوا من بغداد بعد ذلك إلى دمشق، ولكن شعب العراق سيكشف الشيوعيون العملاء كما كشفهم شعب دمشق وشعب القاهرة قبل ذلك. ونحن في القاهرة - أيها الإخوة - نعرف أن الشيوعيين عملاء، ولم نسمح بقيام حزب شيوعي في مصر؛ لأننا كنا على ثقة من أن الحزب الشيوعي في مصر لا يعمل بوحي إرادته، ولا يعمل بوحي مشيئته، ولا يعمل لمصلحة بلده، ولكنه يعمل بوحي خارجي ويعمل عميلاً للأجنبي، وكان الحزب الشيوعي في مصر منذ عام ٥٣ يتلقى تعليماته من الحزب الشيوعي في إيطاليا، وكان بهذا ينفذ هذه التعليمات وينفذ هذه الأوامر.
إن الشيوعيون عملاء لأنهم رضوا لأنفسهم أن يبيعوا بلادهم للأجنبي، وأن يتلقوا التعليمات لينفذوها، وإن الحزب الشيوعي هنا في سوريا إنما كون من العملاء الذين كانوا يتلقون الوحي من خارج بلادهم، بل يتلقون أيضاً الأموال من خارج بلادهم. وكلنا نعرف أن الشيوعيون عملاء، ولن نقبل - أيها الإخوة - بأي حال من الأحوال أن يحكمنا العملاء؛ لأننا حينما آلينا على أنفسنا أن نتخلص من أعوان الاستعمار، آلينا على أنفسنا أيضاً أن ينتهي عهد العملاء، وانتهى في بلادنا عهد العملاء. ونرجو الله لشعب العراق الذي هب ليخلص بلده من أعوان الاستعمار في العام الماضي وتخلص من أعوان الاستعمار، أن يتمكن من أن يتخلص أيضاً من العملاء وأن يتمتع بالحرية والاستقلال.
هذه - أيها الإخوة - هذه هي مشاعرنا، وهذا هو ما نراه، فإذا قام اليوم الشيوعيون العملاء في بغداد وكتبت صحفهم لتخدع شعب العراق وتقول: إن الشعب السوري مع شيوعيي العراق ومع شيوعيي سوريا الذين لجأوا إلى العراق، ليتهم كانوا هنا اليوم ليروا هذه الآلاف بل مئات الآلاف التي خرجت لتشيع شهيد العراق؛ لأنها تعبر بهذا عن تأييدها لشعب العراق الذي كافح من أجل قوميته ومن أجل عروبته.
إننا اليوم - أيها الإخوة - نتكلم على المكشوف بعد أن دارينا طويلاً، وبعد أن حاولنا طويلاً أن نجمع الصف العربي، وبعد أن حاولنا أن ندارى الأمور، ولكن محكمة السب في بغداد وجلادى محكمة السب في بغداد حينما عبروا في الاثنين الماضي عن صوت قاسم العراق ضد جمهوريتكم وضد شعب الجمهورية العربية المتحدة، كان في هذا إقناع لنا أن لا سبيل للمداراة ولابد من المصارحة وأن يكون كلامنا على المكشوف. لا تنفع المداراة في محاربة العملاء، ولا تنفع المداراة حينما يصمم الشيوعيون العملاء الذين هربوا من دمشق على أن يجعلوا بغداد قاعدة ينطلقوا منها ليهدموا القومية العربية ويقيموا بدلاً منها الشعوبية.
إننا اليوم - أيها الإخوة - حينما نجتمع في هذا المكان إنما نجتمع لنجدد العهد؛ أننا بعد أن حررنا بلدنا من أعوان الاستعمار لن نمكن منها الشيوعيين العملاء، ولن نمكن منها أي صنف من العملاء، وإننا حينما منعنا الحزب الشيوعي من أن يعمل في بلدنا، إنما كنا نعمل للحفاظ على مقدساتنا ونعمل للحفاظ على قوميتنا. وكان من الواضح لنا - أيها الإخوة - إننا إذا تركنا حزباً رجعى ليعمل للاستعمار، وحزباً شيوعي يعمل للشيوعية فإن الوطنية والقومية ستضيع؛ لأن هؤلاء وهؤلاء سيلاقون العون من الخارج ومن أعداء القومية العربية وسيحاربوا الوطنيون، فإذا انتصرت الرجعية؛ فلابد أن تصفى الوطنية، وإذا انتصرت الشيوعية تحت اسم الديمقراطية المزيفة؛ فإنها تعلن الديكتاتورية لتصفى الوطنية والقومية كما تصفى اليوم الوطنية والقومية في العراق.
أيها الإخوة المواطنون:
إننا نتصارح ونعرف سبيلنا ونعرف طريقنا، لن نسلمها للاستعمار والرجعية، ولن نسلمها للشيوعية والتبعية ولكنها ستبقى وطنية قومية لأبناء الأمة العربية.
أيها الإخوة المواطنون:
هذا هو سبيلنا وهذا هو طريقنا؛ لا رجعية ولا تبعية، لا أعوان ولا عملاء، بل قومية عربية. وكما دافعتم في الماضي من أجل القومية العربية، وكما حاربتم على مر السنين وعلى مر الأيام من أجل القومية العربية ونصرتها.. منذ مئات السنين حينما فتح "هولاكو" بغداد وحينما احتل التتار العراق، كنتم أنتم - أيها المواطنون - هنا في الشام وهنا في هذه الأرض الطيبة، وتكاتفتم مع إخوتكم في العراق لتعيدوا القومية العربية إلى مكانها في العراق.
إننا اليوم - أيها الإخوة المواطنون - لا نبدأ العمل مرة أخرى، إننا اليوم نكرر التاريخ.. إن التاريخ يكرر نفسه، وإن القومية العربية التي هددت في العراق وإن الشيوعيين الذين يعتقدون أنهم قد يستطيعوا من بغداد أن يزحفوا إلى جمهوريتنا، إنهم لخاسرون.. لخاسرون بعون الله، وستبقى الجمهورية العربية والقومية العربية لترفع راية القومية العربية عالية، وسيرتفع أيضاً علم القومية العربية دائماً في العراق كما ارتفع حينما هزم "هولاكو" وحينما قضى على التتار.
تلك - أيها الإخوة - هي قصتنا مع قاسم العراق.. تلك - أيها الإخوة - هي قصة الشهور الماضية مع شيوعيي العراق ومع الشيوعيين العملاء، تلك هي صفحة جهادنا وكفاحنا من أجل تثبيت القومية العربية ومن أجل المحافظة على استقلالنا.. تلك هي صفحة كفاحنا ضد الرجعية وضد التبعية، وضد أعوان الاستعمار والشيوعيين العملاء.
إننا اليوم حينما نعرف أمورنا وحينما نتصارح ونتكاشف، لأننا وجدنا أن لا فائدة من المداراة، إنما نعاهد الله ونعاهد الوطن على أن نحافظ على وطننا وبلدنا وعروبتنا؛ لتكون خالصة وطنية للمحافظة على قوميتنا، ولا نمكن الرجعية أو العملاء ولا نمكن الاستعمار أو الشيوعية من بلادنا، وسينتصر شعب العراق، وسينتصر جيش العراق، وستنتصر الأمة العربية بعون الله، والله الموفق.
والسلام عليكم ورحمة الله.
١٣/٣/١٩٥٩
الرئيس جمال عبد الناصر
المصدر: صحيفة الأهرام، عدد 14 / آذار 1959م.
الجمل- إعداد: د. سليمان عبد النبي
إضافة تعليق جديد