المذهبية الدولية الجديدة تجاه حزب الله اللبناني
الجمل: بدأت تلوح في الأفق بوادر عاصفة جديدة موضوعها ملف حزب الله اللبناني, وما هو جدير بالملاحظة والانتباه هذه المرة, هو أن ملف حزب الله اللبناني قد حدثت بسببه العديد من العواصف, والتي اختلفت طبيعتها في كل مرة, فما هي ملامح العاصفة الجديدة التي أصبحت وشيكة؟ وما هو شكل سيناريو ملفها الجديد؟
الصراع حول ملف حزب الله اللبناني: إعادة إنتاج قواعد اللعبة
بعد توقيع اتفاق الدوحة الذي حقق المصالحة بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار, واكتمال عملية ملء الفراغ الرئاسي بانتخاب الرئيس ميشيل سليمان, ثم إجراء جولة الانتخابات اللبنانية العامة, وتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بزعامة رئيس الوزراء سعد الحريري, هدأت الخلافات اللبنانية-اللبنانية حول ملف حزب الله اللبناني, ولكن هذا الملف عاد من جديد ليطل رأسه مرة أخرى, وهذه المرة ليس بواسطة الأطراف اللبنانية, ولا الأطراف الإقليمية المتمثلة في تجمع المعتدلين العرب, وإنما بواسطة بعض الأطراف الدولية, وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأميركية, وبدرجة أقل بريطانيا, إضافة إلى إسرائيل.
يشير الظهور المتزايد للأطراف الدولية إلى أن أطراف الصراع حول ملف حزب الله سوف تتغير, على نحو سوف تصبح معه الأطراف الرئيسية هذه المرة هي الأطراف الدولية, وهذا معناه أن قواعد اللعبة نفسها سوف تتغير هذه المرة, بما سوف يؤدي بالضرورة إلى اعتماد مذهبية جديدة في المواجهة حول حزب الله اللبناني.
تقول المعلومات والتسريبات, بأن طرفي الصراع سوف يتمثلان هذه المرة في الولايات المتحدة الأميركية وحزب الله اللبناني, كطرفين رئيسيين, وسوف تصبح إسرائيل طرفا "ثانويا" إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية, وإضافة لذلك سوف تسعى واشنطن إلى اعتماد مفهوم يضع كل من سوريا وإيران إضافة إلى تركيا كأطراف ثانوية, وذلك –كما يشير الافتراض- إلى حاجة في "نفس يعقوب" وفي هذا الخصوص, فقد نشرت دورية ديموكراسي بإصدارتها الفصلية الخاصة بربيع عام 2010م الحالي, تحليلا حمل عنوان "مشكلة حزب الله" أعده الخبيران ستيفن سايمون, وجوناثان ستيفنسن, راهنا من خلاله على الفرضية القائلة بأن الصراع حول ملف حزب الله اللبناني يجب أن يتم بالوسائل الدبلوماسية الأميركية مع كل من سوريا وإيران!!
ما الذي يجري في واشنطن؟
تقول المعلومات والتسريبات, بأن العاصمة الأميركية واشنطن قد شهدت خلال الأيام الماضية تحركات مكثفة قامت بها رموز اللوبي الإسرائيلي وبعض كبار المسئولين الإسرائيليين, ومن أبرز هذه التحركات ترصد الآتي:
• عقد رئيس موظفي البيت الأبيض اليهودي الأميركي رام إيمانويل لقائين مع مجموعة من الحاخامات.
• ذهب اليهودي الأميركي دينيس روس الخبير في مجلس الأمن القومي الأميركي مرتين إلى مبنى الكابيتول هيل (الكونغرس الأميركي) وقدم إفاداته في المرة الأولى أمام جلسة أعضاء مجلس النواب الأميركي المنتمين إلى الحزب الديمقراطي وفي المرة الثانية قدم إفاداته أمام السيناتورات أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي المنتمين إلى الحزب الديمقراطي أيضا.
• ذهب اليهودي الأميركي دانييل شابيرو مسئول شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي, برفقة اليهودي الأميركي دينيس روس خبير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي, إلى مؤتمر الزعماء الديمقراطيين الأميركيين وقاما بمخاطبة المؤتمر.
• ذهب مستشار الأمن القومي الأميركي, الجنرال جيمس جونيز إلى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, حيث قدم محاضرة عن الشرق الأوسط.
• أقام وزير الدفاع الأميركي روبرت غاتز حفل شرف عسكري خاص تكريما لوزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال أيهود باراك خلال زيارته الأخيرة لأميركا.
• استضاف الرئيس أوباما اليهودي الأميركي إيلي فيسيل الكاتب والبروفيسور في جامعة بوسطن الأميركية والحائز على جائزة نوبل, والذي يزعم اليهود بأنه أحد أبرز الناشطين اليهود المعاصرين الذين نجوا من مذبحة المحرقة النازية (الهولوكوست).
• عقد الرئيس أوباما مؤخرا, لقاء مطولا مع 37 يهوديا أميركيا هم عبارة عن اليهود المنتمين إلى الحزب الديموقراطي الأميركي, والأعضاء في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركيين.
• شرف الرئيس أوباما وزوجته فعاليات احتفالية التراث اليهودي التي أقيمت لأول مرة في مبنى البيت الأبيض الأميركي.
تقول التفسيرات التي أوردتها لاورا روتزين التابعة لموقع بوليتيكو, وتم التأكيد عليها بواسطة المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي, بأن هذه التحركات المكثفة جاءت على خلفية إدراك الإسرائيليين, وحلفاء إسرائيل الأميركيين, وجماعات اللوبي الإسرائيلي ورموز المنظمات اليهودية الأميركية, بأن توجهات إدارة أوباما الساعية إلى إصلاح علاقات أميركا مع البلدان العربية-الإسلامية, سوف تؤدي إن استمرت إلى الآتي:
• الإضرار بأمن إسرائيل.
• تقويض المعايير الديمقراطية الشرق أوسطية.
وتأسيسا على توجهات إدارة أوباما خلال العام الماضي إزاء منطقة الشرق الأوسط, فقد حدثت التطورات الآتية:
• تراجعت العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية إلى النقطة التي كانت عليها قبل 17 عاما.
• تمكنت إيران من القيام بفتح وتطوير جبهات صراع مزدوجة.
• ابتعدت تركيا عن الغرب وإسرائيل, وأصبحت أكثر قربا من إيران وروسيا وسوريا.
• استطاعت سوريا بمساعدة كوريا الشمالية من القيام بتطوير نفسها عسكريا, وبمساعدة إيران من القيام باستعادة سيطرتها على لبنان.
• أصبح لبنان أكثر تقبلا لتوجهات سوريا وإيران وحزب الله.
• وجد العراقيون أنفسهم بلا أي مساعدة سياسية أميركية تتيح لهم قدرة تحقيق التسوية والمصالحة السياسية التي يحتاجون إليها.
• أصبحت دول الخليج أكثر اعتقادا بأنها تواجه إيران بمفردها.
• أصبح المصريون يعتقدون بأن الديمقراطية لا تجدي نفعا.
• استطاع تنظيم القاعدة أن يحقق التقدم والنجاح في كل من اليمن والجزائر والصومال إضافة إلى العديد من البلدان الأفريقية الأخرى.
• تتمتع أميركا بعضوية لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة, وبرغم ذلك فإن واشنطن لم تعترض على نيل إيران لعضوية لجنة أوضاع المرأة التابعة للأمم المتحدة.
• تتمتع أميركا بعضوية تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة, وبرغم وجود أميركا, فقد أصبح هذا التحالف كيانا معاديا لإسرائيل وبشكل مفتوح.
بعد هذه النقاط تطرقت تحليلات المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي إلى صب جام غضبها على أحد مساعدي الرئيس الأميركي باراك أوباما, وذلك بسبب تعليقه الذي قال فيه بأن حزب الله اللبناني قد أصبح تنظيما مثيرا للاهتمام وذلك لأنه تحول من منظمة إرهابية إلى منظمة تهتم بشؤون السياسة والحكم, وأضافت تحليلات المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي قائلة بأن مساعد الرئيس أوباما, قد تجاهل أن حزب الله اللبناني هو التنظيم الذي حتى عشية أحداث الحادي عشر من أيلول قتل العدد الأكبر من الأميركيين ومن بينهم 241 من عناصر مشاة البحرية الأميركية, إضافة إلى العقيد الأميركي رايش هيجينز, ورئيس محطة وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بوكلي.
حزب الله اللبناني: سيناريو الصراع السياسي القادم؟
سعت الدوائر اليهودية الأميركية, والإسرائيلية, ودوائر اللوبي الإسرائيلي, إلى إطلاق حملة مكثفة لجهة توجيه الانتقادات ضد إدارة أوباما, على خلفية النقاط التي أشارت إليها هذه الدوائر باعتبارها نقاط ضعف وعوامل تهديد خطيرة لأمن إسرائيل وللمصالح الأميركية, ونلاحظ أن حزب الله اللبناني قد كان حاضرا بقوة في هذه المناقشات, باعتباره يمثل المصدر الرئيسي لتهديد أمن إسرائيل.
ولكن, ولما كان سيناريو المواجهة العسكرية قد أصبح محفوفا بالمخاطر, إضافة إلى إدراك الإسرائيليين أكثر من غيرهم بمدى التكلفة الباهظة للخسائر التي سوف يتعرض لها الإسرائيليون وإسرائيل, فإن سيناريو المواجهة الدبلوماسية أصبح يشكل الخيار الأكثر احتمالا, وفي هذا الخصوص, لما كانت الدبلوماسية الإسرائيلية, تعاني من الانكشاف, وانعدام المصداقية, بسبب الإدانات الدولية المتكررة ضد إسرائيل, إضافة إلى وجود أفيغدور ليبرمان سيء السمعة في منصب وزير الخارجية الإسرائيلي, فإن الدبلوماسية الأميركية, سوف تكون هي الرافعة التي سوف يلجأ الإسرائيليون لاستخدامها في شن وتفعيل المواجهة الدبلوماسية النوعية الجديدة ضد حزب الله اللبناني, وسوريا وإيران, وفي هذا الخصوص نشير إلى الأدوات التي سوف تلجأ الدلوماسية الأميركية إلى استخدامها خلال هذه المواجهة المحكمة:
• الأدوات الاقتصادية: تقديم الدعم المالي لخصوم حزب الله اللبناني اللبنانيين.
• الأدوات العسكرية: تفعيل الوسائط العسكرية, بشكل وإن كان قد لا يصل إلى مستوى الاشتباك العسكري, فإنه سوف يتضمن التلويح والتهديد المستمر باستخدام القوة ليس ضد حزب الله اللبناني وحده وإنما ضد كل خصوم إسرائيل في المنطقة.
• الأدوات الرمزية: تفعيل استخدام الوسائط الإعلامية والثقافية والدعائية, بما يتيح خلق رأي عام كبير معادي لحزب الله اللبناني, وعلى وجه الخصوص في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.
• الأدوات المخابراتية: القيام بتفعيل عملية حرب سرية واسعة النطاق ضد حزب الله اللبناني وحلفاءه, وذلك بحيث لا تنحصر هذه العملية في جميع المعلومات, وإنما في دفع خصوم حزب الله اللبناني باتجاه المشاركة النشطة في تنفيذ العمليات السرية ضده.
• الأدوات السياسية: القيام بالمزيد من الضغوط الهادفة إلى إنجاز واحدة من أكبر عمليات الاستقطاب وإعادة الاصطفاف السياسي في لبنان. وفي منطقة شرق المتوسط, وذلك وصولا إلى إعادة تجميع وبناء تحالف سياسي واسع النطاق ضد حزب الله اللبناني وسوريا وإيران.
تأسيسا على كل ما سبق نلاحظ أن إسرائيل وجماعات اللوبي الإسرائيلي قد باشروا عملية إطلاق حملة ضغوط اتصالية واسعة النطاق داخل البنية السياسية الأميركية, وذلك بما يؤدي إلى دفع واشنطن لكي تلعب دور المقدمة في عملية الاستهداف النشط ضد حزب الله اللبناني, وذلك بما يتيح للإسرائيليين الاطمئنان أكثر فأكثر لاستقرار أمن الحدود الإسرائيلية الشمالية وبعد ذلك يكون الهدف التالي هو إيران.
تقول المعلومات والتقارير بأن إسرائيل وإن كانت تسعى من جهة إلى توظيف القدرات الدبلوماسية الأميركية في استهداف حزب الله اللبناني, فإنها تسعى من الجهة الأخرى إلى مشاركة أميركا في الترتيبات العسكرية الأميركية الجارية في منطقة الخليج العربي وشواطئ جنوب إيران, وفي هذا الخصوص نشير إلى التطورات الآتية:
• تم الاتفاق بين الأميركيين والإسرائيليين على أن يتم ربط الرادارات الأميركية الموجودة في منطقة الخليج بالرادارات الإسرائيلية وبرغم رفض الخليجيين لذلك فقد قررت واشنطن القيام بعملية الربط هذه فورا رغم الرفض الخليجي.
• تم الاتفاق بين أميركا وإسرائيل على أن تقوم إسرائيل بنشر أربعة غواصات نووية إسرائيلية ضمن الأساطيل البحرية العسكرية الأميركية الناشطة في قبالة شواطئ جنوب لبنان.
برغم الجهود الإسرائيلية-الأميركية, الهادفة لإعادة ترسيم معطيات الواقع السياسي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط, فإن كل الحقائق الموضوعية تقول, وبكل وضوح بأن نجاح محور واشنطن-تب أبيب في تغيير الموازين العسكرية-الأمنية الشرق أوسطية لصالح إسرائيل, قد أصبح غير ممكنا إن لم يكن مستحيلا وذلك لأن المشكلة تتمثل في أن حزب الله اللبناني يمثل خطا افتراضيا, أما الخطر الحقيقي فيتمثل في إسرائيل نفسها, وبالتالي فإن القضاء على مخاطر ومهددات أمن واستقرار الشرق الأوسط هو أمر لا بد أن يبدأ أولا وقبل كل شيء بتجفيف منابع الخطر, والمتمثلة في إسرائيل!! وهي حقيقة أكدتها استطلاعات الرأي الأوروبية غير المتحيزة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد