«الدين الجديد»
لم يعد غريبا على أحد، ما تعرفه كرة القدم اليوم من انتشار واسع، لدى شعوب العالم بأسره. بالتأكيد ثمة فضل ما لوسائل الإعلام، وبخاصة التلفزيون، الذي ساهم بقوة بهذا الانتشار. صحيح أنها لعبة رياضية بالدرجة الأولى، لكننا نجد أيضا أنها تحمل كل سمات العالم المعاصر أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية... الخ. هذه الجوانب، درسها العديد من الباحثين والمفكرين، الذين قدموا وجهات نظرهم المختلفة التي ساهمت في إعادة التفكير بهذا «الطقس الاجتماعي» الذي يملك أكبر عدد من «الممارسين» أو من «المنتسبين».
حول هذا الطقس الاجتماعي (كرة القدم)، يطرح المفكر وعالم الإناسة الفرنسي مارك أوجيه سؤالا، أجد أنه يستحق الوقوف عنده. يقول أوجيه، في مقالة شهيرة له التالي: «ربما كان الغرب اليوم، يتجه إلى ديانة جديدة من دون أن يدري». هل ثمة تسرع ما في هذا الاستنتاج؟
لنطرح السؤال بطريقة مختلفة: كيف نفسر هذه الشعبية الساحقة التي تعمّ العالم اليوم، والتي نشاهدها خلال «المونديال» الدائر حاليا في جنوب افريقيا؟ من دون شك ثمة عوامل تتخطى الرياضة البحتة، فوجود كرة القدم في حيوات العديد من الناس، لا بدّ من أنه يشكل معنى ذا دلالة. أي أنه أكثر من موجة عابرة وبخاصة حين يتحول اللاعبون إلى «آلهة» فوق أرضيات الملاعب كما خارجها.
ثمة بالفعل العديد من العوامل التي دفعت المفكر الفرنسي إلى الاعتقاد بذلك: اختفاء دور الكنيسة (في الغرب) وعدم ممارستها السلطة التي كانت تتحكم بها، لكن أيضا علينا أن لا ننسى المجتمعات هناك الموسومة باللامساواة (على جميع الصعد). من هنا تشكل اللعبة بين فريقين متقابلين «المساواة» الوحيدة الممكنة، أي بمعنى آخر، من غير الضروري أن يربح الفريق الأقوى دائما (شهدنا ذلك مؤخرا بعد خروج فرنسا وإيطاليا من المونديال وبعد تعادل الجزائر وانكلترا الخ...).
المساواة، هي الفكرة الأساسية التي نادت بها الأديان مجتمعة، أي جاءت الرسالات لتزيل الفوارق بين الأعراق والشعوب والجنسيات والطبقات الاجتماعية. في الديانات، يختفي كل ذلك لنتساوى في الحياة. في حياة المباراة، يتساوى الجميع، حيث تختفي الفوارق، لتحدد الكرة «مصير الجميع».
ثمة شبه آخر. إذا كانت الديانات «تفرض» طقوسا ما، فإن كرة القدم مليئة بالطقوس، «الشعائرية» حتى (من تحية الجماهير ولغاية الاحتفاء بالفوز)، لدرجة أن الملاعب أصبحت أشبه بمعابد تستقطب أناسا أكثر من المعابد الحقيقية، ولا ننسى أيضا ما يتحدث عنه الجميع بضرورة الحفاظ على الأخلاق الرياضية (على الرغم من بعض التزوير الذي يحدث، لكننا نعرف العقاب الذي يحل باللاعبين وبكل من يتواطأ «على اللعبة»). إذًا، ثمة حيز للمسألة الأخلاقية، أليس الدين، بعمقه الإيماني، يهدف إلى التقوى والورع، أي الحفاظ على الأخلاق الحميدة؟
ربما هي ديانة جديدة تجتاح العالم. و«ليتقدس أسيادنا الجدد».
اسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد