صورة الحروب الأميركية وسيناريو تعيين الجنرال ديفيد بترايوس
الجمل: أصبحت تطورات الأحداث والوقائع الجارية في مسرح الحرب الأفغانية تمثل واحدة من المفاعيل الرئيسية المتزايدة التأثير في مجرى الصراع السياسي الداخلي الأميركي وفي هذا الخصوص نشير إلى واقعة استبدال الجنرال ماكريستال بالجنرال ديفيد بيترايوس قائد القيادة الوسطى ليحل محله كقائد للقوات الأميركية في أفغانستان, وذلك على أساس اعتبارات أن هذه الواقعة تجاوزت التداعيات العسكرية ودخلت في صميم العملية السياسية الأميركية: لماذا قررت الإدارة الديمقراطية تعيين بترايوس المحسوب على الجمهوريين, وهل يمثل ذلك استرضاء للجمهوريين أم أنه يمثل كميناً نصب شباكه الديمقراطيون لخصومهم الجمهوريين!
اعتماد تعيين بترايوس: ما الذي حدث في مجلس الشيوخ الأميركي؟
يعتبر مجلس الشيوخ الأميركي بمثابة الكيان التشريعي الأكثر مسئولية لجهة القيام بمتابعة تطورات الحرب في المسرح الأفغاني ومدى فعالية قيام الإدارة الأميركية بمهامها التنفيذية إزاء الإيفاء بمتطلبات القوات الأميركية بما يتيح تحقيق الحسم العسكري والنصر النهائي, وفي هذا الخصوص فقد ظلت لجنة الخدمة العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ تعقد الاجتماعات المتتالية في هذا الشأن, وتقول المعلومات بأن آخر اجتماعات هذه اللجنة قد تم عقده قبل بضعة أيام من أجل النظر في أمر اعتماد قرار الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما بتعيين الجنرال ديفيد بترايوس قائدا للقوات الأميركية وقوات حلف الناتو الموجودة في المسرح الأفغاني, وفي هذا الخصوص نشير إلى الوقائع التالية التي حدثت في جلسة لجنة الخدمة العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي.
• رئيس اللجنة السيناتور الديمقراطي كارل ليفين: تحدث في الاجتماع قائلا بأنه مهتم بأمر التقارير التي أشارت إلى الانخفاض النسبي في عدد القوات الأفغانية التي شاركت في العمليات العسكرية لجنوب أفغانستان والتي تميزت بالشدة العسكرية والعملياتية وأضاف قائلا أعتقد بأنه توجد أعداد كبيرة من عناصر القوات الأفغانية التي تستطيع أن تشكل القوام الرئيسي للقوات التي سوف تنفذ العمليات العسكرية في منطقة قندهار وأشار قائلا بأن عدد الـ7250 جندي أفغاني الموجودين في قندهار هو عدد يتوجب زيادته طالما أن ذلك ممكن, وأضاف قائلا بأنه يتوجب على الجنرال بترايوس أن يقوم بمراجعة أمر نشر المزيد من قوات الأمن الأفغانية في مناطق جنوب أفغاستان وأن يسعى لإعطاء هذه القوات الأفغانية الدور القيادي في كافة العمليات العسكرية الميدانية التي سوف يتم القيام بها في مناطق جنوب أفغانستان.
• السيناتور الجمهوري جون ماكين "المرشح الرئاسي الجمهوري السابق والذي يتولى منصب رئيس كتلة الجمهوريين": تحدث قائلا بأن الحرب في المسرح الأفغاني لا تمثل قضية خاسرة, فالأفغانيون لا يرغبون مطلقا في عودة طالبان للحكم وأضاف قائلا بأن عناصر القوات الأفغانية تتميز بالقدرات القتالية العالية, وكل ما يريدونه هو وجود حكومة أفغانية تعمل من أجل الشعب الأفغاني، وأضاف جون ماكين قائلا بأنه على الذين يعتقدون بأن حكومة كرزاي لا تمثل الشريك المناسب لأميركا, أن يتذكروا بأن حكومة المالكي العراقية في عام 2007 لم تكن حكومة فاسدة وحسب وإنما أيضا حكومة منهارة ومفككة ومتورطة في عمليات العنف الطائفي, ثم أضاف السيناتور ماكين قائلا بأن على الأميركيين أن يتفهموا بأنهم في ظروف مكافحة التمرد المسلح يمكن القبول بالشراكة مع أي حكومة محلية ضعيفة طالما أن الأمر في أساسه يخضع للمساومة, وبالتالي بغض النظر عن الطبيعة الضعيفة والفاسدة لحكومة كرزاي فإنه يتوجب على أميركا استثمار قابلية هذه الحكومة للمساومة ومن ثم المضي قدما في دعم وتعزيز قدرات هذه الحكومة الضعيفة بما يؤدي إلى تحسين أداءها في كافة المجالات.
• السيناتور الجمهوري لينتسي غراهام: تحدث قائلا "أنا لا أعرف الكيفية التي يمكن أن تترجموا بها هذه الأمور إلى البشتون, وإضافة لذلك فما تقولونه بالإنكليزية أنا غير قادر على فهمه جيدا, وبتحديد أوضح فيما يتعلق بالاعتبارات المتعلقة بالإجابة الواضحة والصريحة للتساؤل القائل: أين نقف نحن الآن, وإلى أين نحن ماضون؟ وبالتالي وبحسب اعتقادي فإن الحديث عن الاستمرار والمثابرة فيما نقوم به الآن في أفغانستان هو سياسة لا معنى لها ولا تساوى سنتا واحدا إذا لم نجب على هذا التساؤل بوضوح" وإضافة لذلك تحدث قائلا بأن السيناتور بايدن الذي يتولى منصب نائب الرئيس الأميركي باراك أوباما قد تحدث قائلا بطريقة تنطوي على الكثير من اللامبالاة من خلال عبارته القائلة أنه بحلول تموز (يوليو) 2011م سوف تقوم أعداد كبيرة من القوات الأميركية بمغادرة أفغانستان, ووصف السيناتور الجمهوري لينتسي غراهام حديث السيناتور بايدن بأنه يقول شيئا لك من جهة, ومن ثم يقول شيئا آخر من الجهة الأخرى, وهناك تنافر كبير بين ما يقوله هنا وهناك, ولهذا ولذاك, واختتم السيناتور الجمهوري لينتسي غراهام حديثه في اجتماع اللجنة قائلا بغضب بأنه يتوجب على أميركا أن لا ترتكب خطيئة الانسحاب من أفغانستان في عام 2011م لأن ذلك سوف يكون غلطة كبيرة وبالتالي يتوجب ومن الآن التعامل بوضوح مع مبدأ التحديد الواضح لبقائنا في الحرب وتحقيق النصر أو الانسحاب ومواجهة الأزمة.
• السيناتور الديمقراطي جيم ويب: تحدث قائلا بأنه يرغب في التعبير عن تقديره للتعليقات والملاحظات التي أدلى بها الجنرال ديفيد بترايوس أمام اللجنة, وذلك لأنها إفادات تشكل الملامح والخطوط الأساسية لقواعد الاشتباك التي يجب أن تتقيد بها القوات الأميركية وقوات حلف الناتو وبقية القوات الحليفة في أدائها العسكري السلوكي في المسرح الأفغاني, وأضاف السيناتور جيم ويب قائلا بأنه يؤيد مطالبة الجنرال بترايوس بضرورة مراجعة وتعديل وتقويم قواعد الاشتباك الحالية, وإضافة لذلك تحدث السيناتور جيم ويب بتأثر بالغ عن ابنه العريف في القوات الأميركية التي تقاتل في محافظة الأنبار العراقية, قائلا بأنه كتب قطعة درامية عنوانها "قواعد الاشتباك", سعى من خلالها إلى أن يعكس معاناة القوات الأميركية في ظل عدم وضوح قواعد الاشتباك وما يمكن أن يسببه ذلك من تعريض لحياة الجنود للخطر, وأضاف قائلا بأن الجنود الأميركيين الذين أصبحوا الآن بسبب عدم وضوح قواعد الاشتباك مجرد جنود يعملون من أجل حماية نفسهم, وليس من أجل تحقيق أي هدف واضح طالما أنه لا توجد قواعد اشتباك واضحة تحدد ذلك.
• السيناتور الجمهوري روجر ويكر: تحدث قائلا في كل تاريخ الحروب التي دارت على هذه الكرة الأرضية لم يحدث أن وجدت قوة أفضل من القوات الأميركية التي تحارب حاليا وأضاف قائلا "إننا نحارب عدوا يجد الدعم والمساندة بواسطة 10% فقط من الشعب الأفغاني, وهذا معناه أنه لا يمكن مطقا أن تنهزم القوات الأميركية في الحرب الأفغانية, وكل المشكلة تتمثل فقط في أننا نستخدم جهودنا بشكل غير ناجح, والسبب هو وجود حكومة أميركية في واشنطن لا تولي اهتماما كافيا بالقوات الأميركية التي تحارب في أفغانستان, وأتمنى أن يتم تشكيل لجنة للتحق من ذلك وأنا مستعد لأن أكون عضوا في هذه اللجنة لكي أزودها بما هو مطلوب".
انتهت جلسة اجتماع لجنة شؤون الخدمات العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي, بالموافقة على قرار الرئيس الديمقراطي باراك أوباما بتعيين قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس قائدا للقوات الأميركية وقوات حلف الناتو الموجودة في المسرح الأفغاني.
سيناريو تعيين الجنرال ديفيد بترايوس: القراءة في الوجه الآخر
تتميز الأحزاب السياسية الأميركية, وعلى وجه الخصوص الحزبان الرئيسيان الجمهوري والديمقراطي, باستخدام, آليات صنع القائد السياسي عن طريق استخدام وتوظيف محفزات تطوير البنية الكارزمية للقائد منذ وقت مبكر بما يتيح بشكل متدرج عملية تنميطه كبطل وطني قومي في أوساط جماهير الحزب وبشكل يستحوذ من خلال الحضور الكارزمي البطولي بشكل قوي على إدراك الرأي العام الأميركي, وفي هذا الخصوص تقول المعلومات والتسريبات بأن الجمهوريين يسعون بشدة من أجل بناء كارزمية الجنرال ديفيد بترايوس بما يتيح له الحصول على المزيد من التنميط ضمن صورة البطل الأميركي وذلك تمهيدا لاستخدام قوة كارزمية بترايوس المتوقعة في تقديمه كمرشح رئاسي جمهوري إما في جولة الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة أو التي سوف تليها.
تقول المعلومات بأن الإدراك الجمهوري إزاء كارزمية الجنرال ديفيد بترايوس هو إدراك يتضمن خمسة نقاط أساسية:
• الاعتقاد بأن الجنرال بترايوس يتميز بالمصداقية بسبب نجاح خطته العسكرية التي يرى الأميركيون بأنها نجحت في إخراج العراق من هاوية الحرب الطائفية, إضافة إلى الاعتقاد بأن أداء الجنرال ديفيد بترايوس لم يكن ناجحا فقط في حرب المسرح العراقي وإنما في كافة المسارح المندرجة ضمن مسئولية القيادة الوسطى الأميركية طالما أن الجنرال بترايوس قد ظل خلال الفترة الممتدة من العام 2008 إلى الآن يتولى منصب قائد القيادة الوسطى الأميركية, المسئول بالضرورة عن مسرح الحرب الأفغانية, ومسرح الحرب الباكستاتبة ومسرح الحرب العراقية ومسرح الصراع اليمني, إضافة إلى بؤر التوتر الأخرى وعلى وجه الخصوص تلك التي في منطقة شرق المتوسط.
• يتميز الجنرال ديفيد بترايوس بنزعة الانتماء العميقة للجمهوريين, إضافة إلى مجاهرته بالانتماء للحزب الجمهوري إضافة إلى روابطه الوثيقة مع المحافظين الجدد.
• المستوى التعليمي الأكاديمي العالي الذي يتميز به الجنرال بترايوس، فقد حصل على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون وهي من الجامعات الأميركية المرموقة التي تخرج المشاهير ويلتحق بها الأذكياء حصرا إضافة إلى ذلك فإن رسالة الدكتوراة التي أعدها بترايوس كانت أطروحتها حول حرب فييتنام, وتقول المعلومات بأن كبار الخبراء العسكريين الأميركيين والغربيين قد اعتمدوا هذه الرسالة باعتبارها مرجعا أساسيا عالميا يتوجب الأخذ بمعطياته في كل ما يتعلق بمذهبيات مكافحة التمرد.
• يتميز الجنرال ديفيد بترايوس بالقدرة الفائقة على تحمل المصاعب البدنية وتحمل الظروف السيئة, فقد تغلب على مرض السرطان, وأيضا تغلب على تداعيات إصابته بطلق ناري في صدره، والآن بشهادة كل الفحوصات الطبية يتمتع الجنرال ديفيد بترايوس بالقدرة على تحمل المهام العسكرية الشاقة.
• يتمتع الجنرال ديفيد بترايوس بالقدرات التنافسية العالية, وحاليا لا يوجد في أوساط الرأي العام الأميركي المشهور بولع الحرب والبطولات العسكرية من هو أشهر من الجنرال ديفيد بترايوس, وعلى وجه الخصوص عند المقارنة مع بقية جنرالات الجيش الأميركي.
على خلفية هذه النقاط يعتقد الكثير من الخبراء المعنيين بشؤون الحزب الجمهوري الأميركي بأن الفرصة متاحة أمام الجمهوريين للاستثمار في شخصية بترايوس والتي وبحسب المؤشرات الحالية تعتبر ذات قيمة عالية لتحقيق النجاح في جولات الانتخابات الرئاسية القادمة, ولكن وكما هو واضح فقد أصبح الديمقراطيون أكثر إدراكا لحقيقة رهان الجمهوريين على بترايوس, وتبعا لذلك فقد سعت بعض التحليلات إلى التأكيد بأن الديمقراطيين يسعون بشكل حثيث إلى حرق كارزمية الجنرال ديفيد بترايوس عن طريق وضعه في محرقة الحرب الأفغانية, باعتبارها تتيح فرصة لا تعوض لجهة تحقيق النجاح في عملية تقويض كارزمية الجنرال بترايوس, وتأسيسا لذلك عندما تحدث الجنرال ماكريستال بطريقته التهكمية, فقد سارعت الإدارة الديمقراطية إلى اقتناص الفرصة, وإقصاء ماكريستال, ثم عدم التردد في القيام سريعا بتعيين الجنرال بترايوس, والآن وبعد أن تم تمرير قرار تعيين بترايوس في مجلس الشيوخ الأميركي يمكن القول بأن بترايوس قد وقع في شباك الكمين الذي أعده الديمقراطيون له, فهل يا ترى سوف ينجح الجنرال ديفيد بترايوس في تحقيق النصر, أم أن الإدارة الأميركية الديمقراطية سوف تسعى لحرقه عن طريق عدم الاستجابة لمطالبه كما فعلت مع سابقه الجنرال ماكريستال والذي ينتمي للجمهوريين أيضا!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد