الشكيليون السوريون يتبادلون الاتهامات وداحول يهاجم عبدلكي
إذا كان يوسف عبدلكي تردد أربعة أشهر للرد على حديث خالد سماوي لـ «يوميات ثقافية - شباط 2010»، فإنني لا أتردد بالرد على ما كتبه يوسف، بعد أن رأيته عاجزاً عن اكتشاف سماوي طيلة السنوات الثلاث التي عملها معه، ولم يكتشفه إلا بعد أن ترك «غاليري أيام» ليتحدث عنه كأنه قادم من كوكب آخر، بصورة كاريكاتيرية من غير رسم ذكي أو لماح، صورة لا تبكي ولا تضحك، لا جديد فيها ولا إبداع، وهذا أسوأ أنواع الكاريكاتير.
من بداية رده يتحدث يوسف كأنه القاضي أو الناطق الرسمي باسم جميع المثقفين السوريين، كأن لا أحد منهم يتجرأ على الرد، أو كأننا في سوريا كنا ننتظر جيفارا ثقافياً ليخلصنا من اضطهاد خالد سماوي.
إنه ينصب نفسه قاضياً حتى بلسان فناني «أيام»، الذين لا يحتاجون الى أحد ليدافع عنهم، ولا لأخذ درس من عبدلكي. وتلك طريقة تحريضية لا أكثر، يحاول فيها يوسف أن يحتمي بقائمة طويلة من الأسماء، يتحدث بلسان الجميع محاولاً كسب تعاطفهم، كأنهم موافقون على ما يقول، فهل كانوا أضعف من أن يردوا على «أيام» حتى حزم نفسه وأشهر سيفه، في الوقت الذي تجدهم في غالبيتهم يبحثون عن مكان حقيقي في الحركة التشكيلية، عن حضور لائق ومشرف، يقبضون فيه بالدولار، كما يفعل يوسف. تمنيت بدلا من الترهات التي أثارها، إذا كان لديه كل هذه الغيرة على المثقفين السوريين، أن يكتب عن قضية تحرز، مثل غياب متحف للفن الحديث في سوريا.
هناك مغالطات في رد يوسف لأنه يأخذ مقاطع مبتورة من مقابلة سماوي الصحافية، ويركب على أساسها شخصية الرجل التي يعرفها هو جيداً. وطبيعة اللقاء كانت مع صاحب غاليري وليس مع منظر بتاريخ علم الجمال. لقاء محدد وواضح، وأسئلة تخص الأمور التسويقية في اللوحة، وكانت الأجوبة مبنية على هذا الأساس، وسماوي لا يتردد بأن يكون كلامه جريئاً وواضحاً. لم يتجن على الفنانين السوريين، وبالعكس أظهر احترامه للحركة التشكيلية السورية وإيمانه بالفن التشكيلي السوري، وبالتالي فإن ما فعله عبدلكي ليس سوى لعب بالكلمات، وتركيب أوهام لا أساس لها.
كنت أتمنى أن أعود إلى ما طرحه يوسف نقطة نقطة، لكن أمثلة قليلة قد تكفي لأخذ فكرة. فإذا عدنا إلى أسئلة الصحافي فسنجد أنها توضح كثيراً من التحوير غير الأخلاقي في رد عبدلكي، الذي لم أحب لغة الانتصار في مقالته. الصحافي يسأل: «باعتبارك أحد اللاعبين..» وحين يجيب سماوي باستخدام كلمة اللاعبين تصبح كأنها مصيبة المصائب. بل يحمّل سماوي عبارة تقول «ان العمل في الحقل التشكيلي هو لعب، وليس ثقافة ومسؤولية ووجهة نظر»! وإذا كانت هناك مصداقية لدى يوسف فليخرج هذه الجملة من الحوار المشار إليه، وبالمناسبة أريد أن أضيف ليوسف أن هناك اتجاهاً فنياً قائماً بذاته يعتبر أن الفن لعب.
لماذا هذا التحوير لمقابلة تبحث في السوق والقيم المالية، وفي إدارة واحدة من أهم الغاليريات في الشرق الاوسط، وتحويله إلى درس في تاريخ الفن. أتمنى أن يعود يوسف لقراءة كتاب الفنان الزميل عز الدين شموط «الفن بين المال والجمال»، ويوسف على كل حال لا يتوانى عن ارتداء شخصية العارف، مثلما هو قادر على ارتداء شخصية المحارب والمعارض والمناضل، التي من السهل اكتشاف الجانب الآخر منها لو حاول الآخرون.
كنت أتمنى أن أحصي كم مرة وردت كلمة المال في رد يوسف، فعلى كثرة ما ذكرت في المقال لم نعد نميز في ما إذا كان المال هاجس عبدلكي أم سماوي. ولمعلومات كل الفنانين الذين ذكرهم عبدلكي في مقاله مدعياً الدفاع عنهم، وما زالت غالبيتهم تبيع بالليرة السورية، فأنا واثق بأن كلمة المال تعني ليوسف الدولار، هو الذي كان يقضي وقته عند محاسب «أيام» أكثر مما يقضيه عند مديرها سماوي.
أنا معني بمشروع «أيام»، التي لقبت الكثير من اتهامات لاأخلاقية من عدة جهات، مبنية كلها على أوهام، ودائماً كان الصمت هو الرد الوحيد. فأي شخص بإمكانه أن يحكي كأن هذا المشروع يجب أن يجهض. لماذا؟ إذا أغلقت «أيام»، فما هو المشهد الذي سيسود؟ هل سيكون المشهد أفضل من دونها؟ لنفكر بما قبل «أيام» وما بعدها.
«أيام» جاءت وحرّكت الجمود السائد، وكان من الممكن أن يستمر الوضع كذلك طويلاً، حيث غالبية الصالات تعتمد على أسماء معينة معروفة من الفنانين، وبالتالي بات المشهد مكرراً، عدا عن الأعباء التي كانت صالات العرض تلقيها كلها على كاهل الفنان، الذي يجد نفسه مسؤولاً عن تكاليف لا يجب على الفنان أن ينشغل بها. من هي الغاليري التي كانت لا تحاسب الفنان على ثمن البطاقات والمشاريب والطوابع والفوتوغراف؟ جاءت «أيام» وحررت الفنان من الاحتكار، وصارت للفنان حريته، يبحث عن الصالة التي يجد نفسه هو المحور فيها. «أيام» جاءت وقالت إن هناك قيمة معنوية ومادية للفنان، وهذا ما كنا ندافع عنه ونطلبه طوال الوقت، أن يتولى أحد ما، أو مؤسسة ما كافة الأمور على هامش إنجاز اللوحة لتكون متفرغاً لعملك الفني.
أنا معني بالدفاع عن هذا المشروع لأنه لائق بكل فنان، ويوسف كان أحد الفنانين الذين عرضوا في «أيام» وقُدم بشكل لائق مع كتاب، بعد نقاشات له مع سماوي في باريس ودمشق على مدار سنوات، وبالتالي لم يتغير شيء في سماوي، الرجل الطموح والحالم بتقديم ما يستطيع لفناني «أيام» وسواهم. خلال فترة بسيطة في سوريا طبع 35 كتاباً فنياً تفخر بها أي مكتبة شخصية، وأي مثقف سوري يغار على بلده. فلماذا يكون في مكتبتنا كتب لفنانين أصبحوا من التاريخ ولا يكون في مكتبتنا كتب لفنانينا؟ وبالتالي كانت «أيام» تحرض الصالات الأخرى على تعامل مختلف وتقديم لائق للفنان الذي لا يستطيع أن يكون مؤسسة تقوم بكل الأعباء.
الصالات الجديدة
فجأة تجد غاليري أتاسي تقول إن الصالات الجديدة تعرض تفاهات، علماً بأن عبدلكي، الذي عرض عندها من قبل، يعرض في هذه الصالات الجديدة، مثل أسماء أخرى لها أهميتها، لكنني لست معنياً بأن أكون قاضياً وحكماً كما فعل يوسف، ولم أتخيله إلا مرتدياً عباءة القاضي ليحاكم الناس، هذا فنان وهذا نصف فنان. لست محتاجاً أيضاً لأن أحتمي بأسماء، ولن أجيب بالنيابة عن أحد، فكل فنان يستطيع أن يتحدث ويجيب عن نفسه.
ثم تأتي صالة عشتار وتتهم الصالات الجديدة بأنها تجارية وغير ثقافية، وعلى حد علمي فإن عصام درويش (صاحب عشتار) جاء بلوحاته إلى «غاليري أيام» كي يعرض فيها، وسوّق أعمالاً فيها لفنانين عديدين. ولا ندري لماذا تطلق الاتهامات من درويش بشكل متناقض مع أفكاره، وهو قد صار عالماً اقتصادياً في عالم تسويق اللوحة، ويريد أن يعلم كريستيز كيف تعمل وكيف تفرض أنماطاً وتستبعد أنماطاً، مع أنها تعرض للؤي كيالي وفاتح المدرس ونصير شورى ومحمود حماد ونعيم اسماعيل وأسعد عرابي وعبد الله مراد ومنير شعراني وأحمد معلا وفادي يازجي وقيس سلمان وسبهان آدم وحتى يوسف عبدلكي. فأين الأنماط التي تفرضها كريستيز مع كل هذا التنوع في الأساليب؟ ألا نستنتج من ذلك أن فصاماً ثقافياً أصاب بعض مدّعي الثقافة، وراحوا يتخبطون غير دارين بما يهذون.
هذا طبعاً عدا الاتهامات الشفوية في الجلسات الخاصة. ومشروع «أيام» ما دام يعمل بديناميكية من الوارد فإنه يخطئ، وهذا بسبب العمل لا النوم. والحقيقة لم يخطر لي يوماً أن أرد على هكذا اتهامات بعضها شخصي، لكنني أعترف بأنني وقعت في مصيدة الرد لأنني مللت التناقضات والأقنعة التي يضعها الناس ويرون الحقيقة بعين واحدة.
إلى متى يضطهد الناس أفكارك ويسوقون اتهامات مجانية فيما يأخذون موقع البريء والإنساني والثقافي، من هو الرسام أو الموسيقي أو الشاعر الذي تؤمن له شروط الاستمرارية ويرفض؟ هل كان عصام درويش سيرفض التفرغ لفنه لو أتيح له؟ هل كان يوسف سيشترط، كما ورد في رده، أن يكون هناك مقتن ذكي وآخر جاهل حينما يقبض بالدولار؟ وهل كان سيفكر بمصدره؟ كأنه غير معني بالحسابات المالية، علماً بأن هذه الحسابات كانت السبب الأهم في انفصاله عن «غاليري أيام». هل كان سيرفض سعر لوحته الذي تضاعف عشرات المرات منذ عمل مع «أيام»؟
أتمنى أن يعلن يوسف عن أسماء مقتني لوحاته كي نعرف من هو المقتني الذكي من الجاهل، ومن هو المقتني الذي يستقبله يوسف في مرسمه أم لا يستقبله. وفي اللحظة التي يريد يوسف أن يكون رجلاً ويتبرع لجعية خيرية ويعيش عيشة الفقراء، حيث يطالب في مقاله الأثرياء بالتبرّع بثرواتهم للجمعيّات الخيريّة، ويضيف مخاطباً سماوي «لن أتحداك وأقول افعلها إن كنت رجلاً»، كان يفترض أن يعرف لمرة واحدة من هم مقتنو أعماله، وما مصدر الدولارات التي يقبضها، وكان يفترض، كونه يعيش الواقع ويناصر الفقراء، أن يتبرع معنا لجمعية «بسمة» لمكافحة سرطان الأطفال، حين تبرع جميع فناني «أيام» كل بلوحة، ما عدا يوسف عبدلكي، مع أنني أظن أن التبرع بلوحة لهكذا جمعية فيه شيء من الرجولة، وكانت حجة يوسف في عدم التبرع أن تلك الجمعية مدعومة من السلطة، لكنه لا يتردد في بيع مجموعة من أعماله للسلطة نفسها.
إذا كان يوسف محباً للبلد فهناك صالات في جميع المحافظات، فليكن (مرة ثانية) رجلاً ويدور في المحافظات السورية بلوحاته قبل أن يدور بها في الخليج، حينها فقط أستطيع أن أؤمن بما يقوله.
«لي مصلحة»
لقد استل يوسف مقتطفات محاولاً أن يلعب بالكلمات ويديرها باتجاه واحد، ليبني مقالاً ساذجاً، وكان الأجدى أن يقدم ملاحظات تتعلق بجوهر المشروع. فضّل أن يعلّق على دور الحظ في شهرة الفنان والفنان الحلو والغليظ، وقد يجد المرء تفسيرات لها غير ما قدمه يوسف، لكن لماذا المغالاة في الحديث مثلاً عن أولئك الفنانين المعروفين، فهل يوسف معروف في اليابان أو في فرنسا التي عاش فيها ربع قرن؟ وهو يعرف أننا مجموعة صغيرة نصفق لبعضنا البعض.
في إطار درس تاريخ الفن الذي يعلمنا إياه يوسف يقول إن لوحة بيكاسو بيعت بـ 104 ملايين دولار بسبب قيمتها الإبداعية، ونريد أن نسأله لماذا ليست بـ 106 مليون دولار مثلاً؟ ثم نريد أن نسأله
أي قيمة فنية للوحة عبدلكي بالنظر إلى أسعار لوحاته قياساً بلوحة بيكاسو تلك! وبالقياس أيضاً إلى نظرية ابتدعها عصام درويش حين قال إذا بيعت لوحة لفنان سوري شاب في مزاد كريستيز بـ 60000 دولار فإن هذا يجب أن يعني أن قيمة لوحة لفاتح المدرس أو لنصير شورى أو لمحمود حماد يجب أن تكون بـ 10 مليارات ليرة سورية! وبالطبع هذا منطق مضحك أيضاً لأن العمر ليس شرطاً، وليس مكتوباً على الفنان الشاب أن يبقى تحت رحمة أسعار من سبقه من أجيال.
يمكن أن يقال إن لي مصلحة في الرد على مقالة يوسف عبدلكي، ومن غير تردد أقول إن لي مصلحة فعلاً، مصلحة بأن يستمر مشروع «أيام» ويتطور لا أن يوأد في مهده، وفي أن يكون هناك من يفخر بالفن السوري وبالفنانين السوريين. لي مصلحة أن أرى ثلاثين فناناً في غاليري أيام يتطورون كل يوم بسبب تفرغهم الدائم لعملهم. لي مصلحة أن أشعر بأنني غير محتكر من أحد لأن «أيام» منحتني ثلاث سنوات من الحرية الكاملة لأهتم فقط بفني.
«أيام» ما زالت مستمرة بقوة، وبابها مفتوح للجميع بمعارضها وزوارها وأفكارها الجديدة، وإذا كان يوسف يطالب الناس بأن يحزنوا، فأنا أقول لهم لا يجب أن يخافوا الوجه الذي بلا قناع، وإذا كان يوسف مصاباً بالحزن على الجو الثقافي فنحن أقوى من نظرياته والمعارض ستستمر والزوار كذلك، واللوحة بذاتها في النهاية عمل ثقافي بدون تفسيرات ومقدمات وهذا بديهي.
تكفينا تصنيفات لفنانين موهوبين وأنصاف موهوبين. أتمنى أن يصف يوسف لمرة واحدة كيف يرى فنياً غالبية الأسماء التي ذكرها، إذا كانت لديه الجرأة الكافية، ومخطئ كل فنان يعتبر أن ذكر اسمه في قائمة يوسف ضمانة له من التصنيفات.
لم أشعر بأن في مقالة يوسف غيرة على الفن السوري، بقدر ما هي إطلاق نار خلبي يذكرني بالعراضات الشامية التي صارت فلكلورية، خاوية من محتواها.
صفوان داحول- فنان تشكيلي سوري
المصدر: السفير
أيهم ديب:بين منطق "عبدلكي" وواقعية "سماوي" في الإنتاج التشكيلي السوري
التعليقات
يسلم هالتم
في الفن و خارجه
صفوان داحول،
إضافة تعليق جديد