المواطن ينفجر والأخلاق غائبة والحدود مؤجلة
ميساء آق بيق: لم تكد تختفي على الشاشات أحداث تونس، حتى برزت أحداث مصر، وربما غدا يشتعل السودان، وبالأمس كنا نراقب الوضع في اليمن، باختصار هو وضع غير سار لمن يشاهد ويسمع، لكنه ليس وضعا مؤقتا، أغلب الظن أنه سيستمر لفترة طويلة، لماذا؟ لأن المواطن العربي يشتعل غضباً من داخله، هو يائس من كل ما يحيط به، بطالة وفقر وغلاء وفساد وفوارق طبقية مخيفة وقهر وكتم أفواه وانعدام مظاهر الديمقراطية من انتخابات حرة نزيهة وبرلمانات تمثله وتتحدث باسمه وزعماء يحققون له أبسط أحلامه. هو المواطن المكتوي بنار الظلم، وليس أكثر من الظلم سوءا يمكن أن يظلل الشعوب، وهو المواطن الذي لم يعد لديه شيء يخسره أو يتحسر عليه.
المواطن العربي يشاهد كيف يعيش سكان العالم الأول وكيف ينتخبون وكيف يمارسون حقوقهم وكيف يحاسبون حكامهم وكيف يقفون لهم بالمرصاد انتظارا للانتخابات المقبلة، العالم أحدث قفزة هائلة في مجال التكنولوجيا وبالتالي فقد انكشف المستور، لم يعد بالإمكان عزل الإنسان عما يحيط به حول العالم، والطريقة التي يعيش بها سكان كوريا الشمالية لن تنجح في أي مكان، لأن تحقيقها كان يتوجب البدء فيه منذ مئة عام، قبل اختراع الكمبيوتر والصحون اللاقطة، تأخر الوقت الآن ووصل الحكام إلى نقطة اللاعودة، لم يعد بإمكانهم الاستمرار في غيهم وفسادهم وهم يستندون إلى أن المواطن العربي حيوان أليف تربت على كتفه وترمي له طبق طعام فيسكت ويرضى، لقد وجد المواطن العربي ثقوبا كثيرة في الثوب الاجتماعي ينفذ منها إلى الجنون والصراخ، هي إما تحطيم وتخريب، أو صراع طائفي، أو انضمام إلى منظمات متطرفة تفسح له المجال كي يفجر ما يعتمل بداخله، أو زيادة في التشدد أو زيادة في الانحلال، بكل الأحوال هي صورة بشعة مشوهة مهما كانت نتائجها الراهنة تصب في مصلحة الحكومات وتلهي المواطنين عن مشكلاتهم الأساسية إلا أنها على المدى الطويل لن تكون في صالح هؤلاء الذين استمرأوا الكذب على المواطن وترهلوا في مناصبهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ويعتقدون أنهم مهما فعلوا فلا رقيب ولا حسيب يقف لهم بالمرصاد.
العربي
على شاشة تلفزيون أبو ظبي يعرض برنامج العربي الذي تديره الممثلة يسرا، وعلى رغم أن فكرة البرنامج جيدة إلا أن تطبيقه جاء مفككا تماما كما جاء إخراجه، فالمشاهد للبرنامج ستتعب عيناه بعد برهة وجيزة من طريقة تقطيع الصور وتركيبها وهي طريقة عجيبة لم يسبق لي أن شاهدت لها مثيلاً على الشاشة الكبيرة او الصغيرة، وأود فعلا أن أفهم طريقة منفذ البرنامج في تركيب الصورة وكيف ارتأى أنها مناسبة للشاشة.
برنامج آخر تبثه نفس القناة اسمه مشاوير على الاغلب موجه فقط للبنانيين وفي أفضل الحالات لأهل بلاد الشام، فاللهجة المحلية التي تتحدث بها مقدمة البرنامج مغرقة في العامية وأشك أن مواطني الدول العربية الأخرى سيفهمون ماذا تعني دانيا بالكلمات التي تستعملها، صحيح أن حركة البرنامج مليئة بالحيوية والصور الجميلة وبعض المعلومات المفيدة إلا أن الهدف منه وهو نشر الدلائل السياحية يجب أن يستفيد منه الجميع وليس فقط من يفهم اللهجة اللبنانية.
الأخلاق
بحثت بين القنوات فوجدت البرامج العلمية والوثائقية والحوارية والأفلام والأخبار والأغاني والمطبخ والأزياء والطب والرياضة والاقتصاد والرقص وتلفزيون الواقع، ولم أجد شيئا يتعلق بالأخلاق التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان ليترفع فيها عن مستوى المخلوقات الأخرى، أو بالنظام الذي يجب أن يضبط الحياة ليجعل إيقاعها جميلا ومريحا. وإذا كان هناك من مصيبة تعم علينا نحن شعوب دول العالم النامي أو النائم فهي أننا تخلينا عن كل ما له علاقة بالأخلاق الإنسانية التي تنشر السلام والأمان بين الناس، فالكذب بات أسلوب حياة، والسرقة أصبحت تجد لها مبررات كثيرة، والغش لا يستحق التوقف عنده، والنفاق فلسفة للتطور، والانحلال ثوب نقترب من خلاله لمستوى الدول الغربية التي نحلم بطريقة العيش فيها، والظلم.. حدث ولا حرج. وفي أثناء بحثي توقفت عند برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة وكانت الحلقة مخصصة لمناقشة تطبيق الشريعة الإسلامية على قوانين الدول وحصرها في مسألة الحدود الشرعية، وكم كان حديث الشيخ القرضاوي يخاطب العقل قبل القلب ويقطر منطقا. بكل هدوء تمكن من نسف أحاديث المتشددين الذين يطالبون بتطبيق الحدود من دون تأطير أو مناقشة لأصولها وشروطها، فالدولة قبل أن تطالب بتطبيق حد قطع اليد على السارق عليها أن تحقق العدل والمساواة وتملأ بيت المال بالزكاة التي لا تترك في المجتمع محتاجاً، وحينها يصبح السارق شريرا بطبعه ولن ينفع معه دواء إلا الكي، وذكر في معرض حديثه عام المجاعة عندما أسقط عمر بن الخطاب رضي الله عنه حد قطع اليد ملتمسا الأعذار لمن يمد يده لإطعام أولاده أو سد رمقه، وقبل الحديث في الرجم عليك أن تناقش الشرط الذي وضعه الله سبحانه وتعالى لتنفيذه وهو شهادة أربعة شهود عدول، وحين يتحقق هذا الشرط فهذا يعني أن الرجل قد فجر وبات يجاهر بمعصيته حتى تمكن أربعة من رؤيته وحينها تتعامل معه كمجرم يستحق الرجم.
هؤلاء الذين ينتقدون في حكوماتهم عدم تطبيق الحدود الشرعية عليهم أن ينظروا إلى هذه الحكومات قبلا ويقيموها، لأنها ينطبق عليها المثل القائل: حاميها حراميها.
الجمل
إضافة تعليق جديد