الشرق الأوسط محطة لبرامج التحقيقات الأوروبية
عادة، يحقق برنامج تلفزيوني استقصائي أوروبي النجاح، بحلقات تعالج موضوعات داخلية، مثل الجريمة المنظمة، المخدرات، موضــوعات الساعة الملحة. ينتهي الموسم الأول. يبدأ الإعــداد للمواسم المقبلة. عندها، يقفز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كموضوع لحلقة أو حلقات جديدة. وكأن الصراع الأقدم والأكثر تعقيداً في التاريخ الإنساني الحديث، هو الاختبار الذي يجب أن تمر به هذه البرامج، لتــأكيد جودتها ونجوميتها.
هذا ما حدث أخيراً مع الحلقات التسجيلية التي يقدمها الممثل والمذيع البريطاني روس كيمب، والذي أنجز حلقتين من برنامجه عن الشرق الأوسط، لمحطة «سكاي» البريطانية، وعرضت الأسبوع الماضي على القسم الأوروبي لمحطة «ديسكفري»، لتكون الحلقات، الثانية لهذا العام، التي يخصص فيها برنامج تحقيقات بريطاني موضوعه للصراع الشرق الأوسطي، بعد برنامج «لويس ثيروكس مع...» الذي عرض على شاشة «بي بي سي» الثانية.
فالبرنامج، وبعدما قدم حلقات مثيرة عن العصابات والجريمة المنظمة في بريطانيا، وأخرى عن أفغانستان، وصل أخيراً الى الشرق الأوسط، حيث قدم حلقة من غزة، وأخرى من إسرائيل، نقل في الأخيرة، مشاكل المجتمع الإسرائيلي والصراع بين العلمانيين والمتطرفين اليهود. كذلك قدمت الحلقة الإسرائيلية، ضحايا العمليات الانتحارية التي ينفذها فلسطينيون في إسرائيل، والهوس الأمني الذي يسود إسرائيل منذ سنوات، تحسباً لأي عمليات جديدة. فيما ركزت حلقة غزة، على الجانب الإنساني للحياة في المدينة المحاصرة منذ سنوات. كذلك قابلت الحلقة مجموعة فلسطينيين ينتمون الى منظمات متطرفة، تؤمن بالعمل العسكري كحل وحيد ليس فقط لتحقيق دولة فلسطينية، بل لإنهاء دولة إسرائيل كلها والى الأبد.
وكعادة الكثير من البرامج التلفزيونية التي أنجزت عن مدينة غزة في السنوات الخمس الأخيرة، ذهب فريق البرنامج الى منطقة الأنفاق التي تربط غزة بمصر، حيث نزلت الكاميرا الى عمق تلك الأنفاق، التي يقتل فيها شخصان في الأسبوع بسبب انهيارات التربة المستمرة. كذلك قابل مسؤول من سلطة حماس والذي قدم مقابلة سيئة جداً، إذ بدأ حديثه بأن مهمة السلطة تقتصر على مراقبة ما ينقل من بضائع في هذه الأنفاق، منعاً لتهريب مخدرات، وعندما سئل إذا كانت هناك أسلحة تُنقل من مصر الى غزة، أجاب إن سلطته تبحث فقط عن المخدرات ولا تعرف إذا كانت هناك أسلحة أم لا!
وعلى رغم أن هذه البرامج تحاول جاهدة أن تكون حيادية ومنصفة لطرفي النزاع، مركزة على الآثار المدمرة للعنف على حياة مدنين، إلا أن طريق هذه البرامج لن تكون سالكة. فالأكيد أن بعضهم سينتقد الاهتمام الذي أولته الحلقة التي صورت في إسرائيل لضحايا العنف الفلسطيني من المدنيين الإسرائيليين، مقارنة بذلك الذي خصصته للضحايا الفلسطينيين، والذي يفوق عددهم من حرب واحدة فقط، عدد الإسرائيليين الذين قتلوا في السنوات العشر الأخيرة كلها.
وتثير حلقتا البرنامج البريطاني، السؤال عن جدوى أن تتصدى برامج استقصائية غير متخصصة، لصراع شديد التعقيد مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ وهل يمكن أن يكون برنامج مثل برنامج النجم روس كيمب، أكثر تفصيلاً، ودراية، وعمقاً، من برامج سياسية يعدها مراسلون تلفزيونيون يقضون سنوات طويلة في المنطقة؟
الجواب ببساطــة كلا. فالــبرامج الشعبية في حلقاتها الــشرق الأوسطية، لا تفعل أكثر من نقل نجومها من المقدمين التلفزيونيين البارزين الى منطقة أخرى، ليقدموا مـــن هناك حلقات يغلب عليها الهاجــس «التعلــيمي» للجــمهور الشعبي الواسع، الذي لا يشاهد عادة المحطات الإخبارية المتخصصة.
محمد موسى
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد