"الحظر الجوي" وأزمة مجلس اسطنبول

31-10-2011

"الحظر الجوي" وأزمة مجلس اسطنبول

الجمل- عبدالله علي:   لم تكن المرة الأولى التي نرى بها بعض اللافتات المطالبة بفرض "الحظر الجوي" أو "المناطق المعزولة" أو الطلب صراحة بـ "تدخل الناتو" فقد رفعت مثل هذه الشعارات في مظاهرات سابقة عدة مرات على مدى الأشهر السابقة، وقد تكون مظاهرات مدينة حمص هي السبَّاقة إلى رفعها ابتداءً لتقتدي بها مناطق أخرى، ولكنَّ إطلاق تسمية "الحظر الجوي" على الجمعة الأخيرة له أهمية خاصة لأنه يدلُّ بشكل يقيني على أن هذا الشعار غدا يشكل استراتيجية راسخة يعتمد عليها مجلس اسطنبول في تحقيق هدفه المتمثل بإسقاط النظام.
*****
في البداية علينا أن نشير إلى نقطة في غاية الأهمية من حيث دلالتها على مركز القوة الحقيقي داخل مجلس اسطنبول والقوة المهيمنة عليه فعلياً. إذ أنه عقب الإعلان عن البيان التأسيسي للمجلس والذي تضمن بند "الحماية الدولية" وقع تناقض بين أعضاء المجلس في تحديد المقصود بهذه الحماية. ففي حين ذهب رئيس المجلس برهان غليون إلى القول بأنها تعني إرسال مراقبين دوليين، ذهب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين (الممثَّلة في المجلس) إلى أنها تعني فرض الحظر الجوي وذلك في حديثٍ له مع جريدة الشرق الأوسط، وقد ثار جدل حاد حول هذه النقطة وتعددت الآراء وترتب عليه تراشق بالتهم المتبادلة حتى ضمن أطياف المعارضة، ويبدو جلياً أن وجهة النظر التي يمثلها جماعة الإخوان المسلمون والمؤيدة لطلب الحظر الجوي هي التي انتصرت في هذا الجدال ويمكن القول أن إطلاق تسمية "الحظر الجوي" على الجمعة الأخيرة يدل على مدى نفوذ هذه الجماعة داخل مجلس اسطنبول وهيمنتها على مفاصل اتخاذ القرار فيه، وأن المظاهرات إنما تعبر عن رأي هذه الجماعة وليس عن رأي رئيس المجلس، حيث ظهر هذا الأخير وكأنه مجرد أداة أو واجهة تتستر خلفه الطبيعة الإخوانية الحقيقية للمجلس.
*****
ومن جهةٍ أخرى فإن المطالبة بـ "الحظر الجوي" و"التدخل الدولي" تكشف عن عمق التناقض الواقع في خطاب المعارضة التي يمثلها مجلس اسطنبول، ويبين بما لا يدع مجالاً للشك عن حقيقة الدور الذي يضطلع به على صعيد الأزمة الوطنية التي تمر بها سورية.
لن نتوقف عند تباين التفسيرات الصادرة عن أعضاء المجلس حول تحديد الغاية المقصودة من طلب الحماية الدولية، ففي حين يقول البعض أن الغاية هي حماية المدنيين، نجد آخرين مثل بسمة قضماني يتحدثون عن التدخل الخارجي وكأنه هو الثورة وأنه لا ثورة دون الاعلام والضغوط الخارجية (مقابلتها مع صحيفة الأخبار)، لأنه أيَّاً كانت الغاية المعلنة من قبل المجلس لمطلب الحماية الدولية، فإن هذه المطالبة تكشف في الواقع عن حقيقة هامة وهي أن المجلس لديه قناعة بعدم قدرته على تحقيق هدف إسقاط النظام بنفسه، وأنه يستجدي التدخل الدولي بغية تحقيق ما عجز عنه، وإن أخفى ذلك تحت ذريعة حماية المدنيين. وتبيان ذلك يتطلب منا أن نطرح التساؤل التالي: هل يحقق الحظر الجوي حماية المدنيين في الحالة السورية؟
وكي نريح ونستريح فإننا لن ندخل، في هذه المقالة، في جدال حول الحاجة الفعلية للمدنيين إلى حماية دولية، ولا حول توزيع المسؤوليات عن أعمال العنف والقتل، بل سوف نتبنى بشكل مطلق رأي مجلس اسطنبول حول قيام أجهزة الأمن وقوات الجيش بقمع المدنيين وقتلهم وقصف مساكنهم وأحيائهم بالدبابات وحتى الطائرات، وسوف نفترض كذلك صحة كل رواية يقولها المجلس حول هذه الأحداث، ونكرر بعد ذلك نفس السؤال عن الحظر الجوي ومدى تحقيقه لحماية المدنيين.
*****
الإجابة عن هذا السؤال الهام تتطلب الإمعان في المشهد السوري كما ترسمه روايات مجلس اسطنبول ووسائل الإعلام المختلفة التي قلنا أننا سوف نتبناها. وحسب هذه الروايات، هناك حراك شعبي في حوالي 170 منطقة من الأراضي السورية يواكب هذا الحراك انتشار أمني وعسكري في تلك المناطق مهمته قمع ذلك الحراك، وأغلب هذه المناطق هي أحياء سكنية تختلف كثافتها بين منطقة وأخرى لكن الكثير منها ذو كثافة سكانية مرتفعة كأحياء حمص وحماة مثلاً، والنقطة الجوهرية التي ينبغي الإشارة إليها أن أياً من الروايات لا تتحدث عن منطقة "محرَّرة" أو مستولىً عليها من قبل أنصار المجلس، كمدينة بنغازي في ليبيا على سبيل المثال.
ضمن هذا المشهد وعناصره الأساسية التي أشرنا إليها، يصعب علينا لدرجة الاستحالة، أن نتبين كيف يمكن للحظر الجوي أن يحقق الحماية للمدنيين، خاصةً في ظل عدم استخدام الطائرات في قصف المدنيين لأنه حتى بعض الروايات التي تتحدث عن قصف بالطيران ضد المتظاهرين لم تتحدث يوماً عن وقوع ضحايا بسبب هذا القصف، أي أن سلاح الطيران ليس فعالاً في قمع الحراك وبالتالي فإن حظر الطيران لن يحقق حماية المدنيين التي يتم انتهاكها أساساً، بحسب الروايات المتداولة، بواسطة البنادق والرشاشات وأحياناً الدبابات.
كذلك فإن الانتشار الأمني والعسكري، حسب الروايات، متشابك كثيراً داخل الأحياء السكنية، مما يعني أن أي قصف جوي في حال اللجوء إليه من قبل الناتو بعد فرض الحظر، سيؤدي إلى مجازر دموية بين صفوف المدنيين والعسكريين وبالتالي لا تتحقق الحماية كما هو مطلوب من حيث الافتراض، ولا يستطيع أحدٌ تخمين عدد الضحايا المدنيين الذين قد يتسبب هذا القصف بسقوطهم.
إضافةً إلى أن الحديث عن 170 منطقة تنتشر فيها قوات الجيش والأمن بين الأحياء السكنية قد يكون سبباً إضافياً في مضاعفة أعداد القتلى في حال القصف لتحقيق الحظر الجوي.
وقد تتضح الصورة أكثر إذا قلنا أن الحظر الجوي لا يكون فعالاً وذو تأثير فعلي إلا إذا توافرت منطقة محددة يستهدف الحظر حمايتها من قصف الطيران، أما ما عدا ذلك فإن الحظر لا يمكن اعتباره أداة فعالة لحماية المدنيين.
*****
وهكذا نخلص إلى التأكيد على أن الغاية الحقيقية من طلب الحظر الجوي لا يمكن أن تكون حماية المدنيين كما يعلن بعض أعضاء مجلس اسطنبول، وإنما هناك غاية أخرى غير معلن عنها، وهذه الغاية غير المعلن عنها لا تعدو في الواقع أن تكون سوى الاستعانة بالحظر الجوي من أجل تحقيق هدف إسقاط النظام لأنه ليس هناك غاية أخرى يمكن أن تتجه إليها إرادة المجلس لاسيما بعد أن أثبتنا أن الحظر لا يحقق حماية المدنيين فلم يبق إذاً سوى أن الحظر قد يلعب دوراً خطيراً في تحقيق هدف إسقاط النظام بغض النظر عن النتائج الدموية التي قد تترتب عليه.
هذا الاستنتاج يضعنا أمام حقيقة هامة وهي أن مجلس اسطنبول إذ يطالب بالحماية الدولية والحظر الجوي لا يهدف إلى حماية المدنيين كما يعلن وإنما يريد استخدام أداة الحظر الجوي والتدخل الدولي لهدف واحد هو إسقاط النظام دون أن يأخذ بعين الاعتبار عدد الضحايا المدنيين الذين قد يسقطوا بسبب ذلك.
ويترتب على الحقيقة السابقة حقيقةٌ أخرى قد لا تقل عنها أهمية، وهي أن الاستعانة بالحظر الجوي والتدخل الدولي لإسقاط النظام يعني فيما يعنيه أن مجلس اسطنبول يعترف أنه غير قادر على إسقاط النظام بنفسه، وهو ما يدفعنا إلى التأمل في تصريحات بسمة قضماني عضو مجلس اسطنبول لصحيفة الأخبار اللبنانية عندما قالت: "لولا الإعلام والضغط الخارجي لم تكن هناك ثورة" ويحثنا على التفكير في مدى صحة هذه التصريحات وتعبيرها عن واقع الحال كما يجري في سورية!!!!.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...