دعوة إلى فك الحصار عن نساء متعايشات مع الأيدز
«أفضل أن يطلقوا الرصاص عليّ، ولا أعيش مع هذا المرض. لا أحد يعلم شيئاً عن الأيدز.
هو يعني بالنسبة اليهم خوض علاقات جنسية غير شرعية»! (سيدة من السودان)
«أعيش حياة عادية. هو مرض كغيره من الأمراض. الله هو الذي يجلبه»! (سيدة من لبنان)
صوتان مختلفان، ورؤيتان متناقضتان لسيدتين عربيتين. هما من 470 ألف مواطن عربي يتعايشون مع فيروس نقص المناعة المكتسبة، في إقليم الشرق المتوسط وشمال إفريقيا، وتشكّل النساء 40 في المئة من مجموع المصابين به.
تقرير صادم وملهم في آن معاً، صدر في القاهرة، عن برنامج الأمم المتحدة المعني بالأيدز حول وضع المرأة وفيروس نقص المناعة المكتسبة في المنطقة، تحت عنوان «لنواجه... لنتكلم» محذراً من أن نسبة النساء المتعايشات مع الفيروس في المنطقة إلى زيادة. وينبّه إلى أن إقليم الشرق المتوسط أحد الإقليمَين الوحيدَين في العالم حيث لا تزال تُسجّل فيه إصابات جديدة بالفيروس ولا يزال عدد الوفيات المرتبطة به في ارتفاع. ويلفت إلى أن القول إن الطبيعة المحافظة لدول المنطقة مؤشر إلى أن أغلب الإصابات فيه ناجمة عن أخطاء وغير مرتبطة مباشرة بالممارسات الجنسية خطأ، لأن العلاقات الجنسية هي المسبب الرئيسي لانتقال الفيروس في الإقليم.
«الشخص الوحيد الذي يعلم بمرضي هو شقيقتي. لن أجرؤ على البوح بالحقيقة لأن هذا يعني أن الجميع سيوجِّه لي اتهامات أخلاقية»، تقول سيدة من تونس. لأن طبيعة المرض وطريقة انتقال عدواه يعني أن تعرّض النساء للإصابة يكون إمّا بشكل مباشر وتكثر في صفوف العاملات في مجال الجنس، ومتعاطيات المخدرات من طريق الحقن، أو بشكل غير مباشر إذا كن شريكات أو زوجات لمصابين بالمرض.
وتشير الإحصاءات إلى أن غالبية السيدات المصابات في عدد من دول الإقليم انتقل إليهن الفيروس عبر أزواجهن. وتقول المنسقة الإعلامية لجمعية «مينا روزا» اللبنانية، ريتا وهّاب، إن الغالبية العظمى من نساء المنطقة المصابات بالفيروس أُصبن به في غرف نومهن في بيوتهن. و «مينا روزا»، أول جمعية للسيدات المتعايشات مع فيروس نقص المناعة المكتسبة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبالطبع فإن المعايير الثقافية التي تنحاز للرجال في منطقتنا تضع النساء المتعايشات مع المرض على المحك. وبحسب التقرير فإن هذه المعايير تنعكس على حقيقة الوضعية في عدد من دول المنطقة وتزيد من تعرّض النساء للفيروس. وينطبق هذا بشكل خاص على المسائل المتعلقة بالحياة الجنسية، إذ تعاني النساء من معايير مزدوجة، وبخاصة مع مفاهيم العذرية والعلاقات المتعددة. وتنحسر المعلومات عن الصحة الجنسية والانجابية في كثير من دول المنطقة عن النساء الشابات وتكبر الهوّة بين المستويات الثقافية والاجتماعية البسيطة خصوصاً إذا أضفنا إلى ذلك وقوف العامل الاقتصادي حجر عثرة أمامهن للوصول إلى مثل تلك الخدمات.
«لا أملك المال. مطلقة وام لطفل. لا أعمل وأعيش مع شقيقتي التي تنفق علينا. لجأت إلى التسوّل، وأذهب إلى المسجد لأستجدي ملابس لابني. أضطر لاستجداء المال اللازم لمصروفات الانتقال إلى المستشفى من أجل العلاج»، تقول سيدة من اليمن. ويعلو صوتها كمثال صارخ على تعرّض النساء للإصابة بالمرض، إذ أنّهن أقل قدرة على التفاوض من أجل الحصول على ممارسة جنسية آمنة. ويشير التقرير إلى أن استخدام الواقي حتى في العلاقات خارج اطار الزواج أمر نادر في دول الإقليم.
لكن الشائع في الإقليم هو ما تواجهه النساء المتعايشات مع الفيروس على الصعد الشخصية والاجتماعية والاقتصادية. ويمكن القول إن وصمة الإصابة تخص المرأة بنصيب الأسد، وأن رفضها ووصمها يأتيان بشكل متساوٍ من الجميع، وهو ما يجعل النساء يترددن في الكشف عن حقيقة مرضهن.
«حين أخذوا ابني مني، هدّدتني حماتي بكشف مرضي أمام القاضي لو حاولت رفع قضية لاسترجاع طفلي»، تقول سيدة من مصر.
ويشير المستشار الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالأيدز في الإقليم، الدكتور حميد رضا ستايش، إلى أن الوصمة من أكبر العوائق التي تقف في وجه نساء المنطقة المصابات أو المتعايشات مع الفيروس. وتبدو الوصمة أكثر قبحاً عندما تنبع من العاملين في المجال الصحي أنفسهم، والذين يفترض أن يكونوا درعاً حامية وداعمة لأولئك النساء.
«دخلت المستشفى لألد طفلي، فكتبوا على جبتهي «عدوى». وبقيت هكذا إلى أن جاءت المساعدة الاجتماعية ومحتها»، شهدت سيدة من المغرب. «ربنا يحاسب كل من عاملني بهذه الطريقة البشعة في وزارة الصحة. أخضعوني للاختبار ولم يكلفوا أنفسهم إخباري أن هناك علاجاً متوافراً لي أو لابنتي. توفيت ابنتي، ولم أعلم سبب وفاتها. قالوا لي أنها مريضة فقط. وبما أنني كنت منهكة تماماً بعد رحيلها، قرّرت أن أبقى صامتة إلى الأبد»، قالت سيدة من مصر. وحالتها مثال على الواقع المؤسف بأن عشرة في المئة فقط من المستحقين للعلاج في دول المنطقة يحصلون عليه. وتبرز الوصمة بشكل أوسع في مجال تلقي الدواء بين العاملين في مجال الصحة، وهو أمر بالغ الصعوبة لا سيما بالنسبة الى النساء أثناء الحمل والولادة.
وتقول إيمان سعيد، رئيسة مجلس إدارة جمعية «أصدقاء الحياة» التي تعمل في مجال دعم المتعايشين مع الفيروس في مصر: «حين تشكو امرأة حامل من رفض المستشفيات والأطباء مساعدتها فهذا دليل فاضح على ما يحصل».
وتضيف: «القانون والدين والإعلام قادرة على التغلب على الكثير من العقبات، إلاّ أن أياً منها لم يقدم ما يكفي».
نجح المجتمع المدني في إحداث فرق في العمل على تمكين النساء المتعايشات مع الفيروس ومساعدتهن على التعامل اليومي معه، إضافة إلى معالجة المشكلات الأوسع التي تتركهن عرضة للإصابة.
وإذا كان التقرير يخلص إلى أن «التحول السياسي في المنطقة يفرض تحديات وفرصاً جديدة من أجل حياة أفضل لجميع المواطنين»، فالسؤال المثير للقلق هو: هل هناك مستقبل لطرح قضايا كقضية النساء المتعايشات مع «الأيدز» في ظلّ مستقبل واعد للإسلام السياسي؟ وتأتي الإجابة على ألسنة الخبراء تصب في خانة ضرورة الإصرار على مواجهة تلك الملفات الحيوية بشتى الطرق، ومن بينها اللجوء إلى رجال الدين على اختلاف اطيافهم الذين أظهروا سعة أفق في تناول قضايا مثل الأيدز. وتقول المديرة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة المعني بالأيدز السيدة هند خطيب عثمان: «يجب ألا ننسى أن ثورات الربيع العربي قامت من أجل العدالة الاجتماعية، وعلى رغم التزمت أو التشدد لدى البعض، يظل الدين في قوامه وجوهره رحمة».
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد