السلفيون: النساء بمنزلة الأسير؟
في ظل التحولات السياسية التي تمر بها دول الحراك العربي، يتصاعد الخطاب السلفي المعادي للمرأة، وهو يستمد طاقته الإقصائية من الفقه الذكوري التي أسس لها بعض الأئمة المسلمين.
يتجه التيار السلفي الى عزل النساء عن الحياة العامة، ويحصر دورهن في الإطار الأسري، ولا ينظر الى المرأة إلا من موقع الفتنة، فلا يعطي لها أي حقوق سياسية في ما يتعدى حق الانتخاب قياساً على البيعة، أما حق الترشح وتولي المناصب العامة فالمسألة غير مقبولة عملاً بمقولة سدّ الذرائع، ولتقديم مفهوم القوامة على مفهوم الولاية. ويتبنى السلفيون المعاصرون منطلقات أساسية للحد من مفهوم المواطنَة الكاملة للنساء وهم يقدمون مفهوم القوامة كي يعطلوا مفهوم الولاية والاستخلاف.
يُعتبر ابن تيمية أفضل النماذج المعبرة عن التهميش السلفي للنساء، وقد ترك تأثيراً قوياً في سلفيي العصر، وكانت له أفكاره حول شتى القضايا المرتبطة بالمرأة كالنفقة والحيض والصلاة والمهر وغيرها من المسائل الأخرى. وكان فقيه القرن الرابع عشر الميلادي قلقاً لازدياد نفوذ النساء في عصره، لدرجة كتب معها أن الذي يطِيع النساء يدمِّر شؤون البلاد. وفي شرحه للحديث الذي أورده الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 ـ 1791) في كتابه «التوحيد»، يقول الشيخ ابن عثيمين «اشتهر عند بعض الناس إطلاق السيدة على المرأة، فيقولون مثلاً، هذا خاص بالرجال وهذا خاص بالسيدات، وهذا قلب للحقائق، لأن السادة هم الرجال وقال الرسول «النساء عوان عندكم»، أي بمنزلة الأسير، وقال في الرجال: «راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته» فالصواب أن يُقال للواحدة امرأة وللجماعة منهن النساء، فالرجال هم السادة والنساء إنما هنّ بمنزلة الأسيرات، ووصف النساء بأنهن سيدات إنما هو قلب للحقائق».
تجاوز سلفيو «الربيع العربي» في خطابهم السلفيين الأوائل، ولم يكتفوا بممارسة العزل الاجتماعي والسياسي بحق النساء، بل أمعنوا في إصدار فتاوى غريبة، وتصدر هؤلاء أبو إسلام، الداعية السلفي المصري، الذي برر الاغتصاب في «ميدان التحرير» بحجة السفور، وقد شبّه الشيخ السلفي أبو اسحاق الحويني وجه المرأة بفرجها، في إشارة منه إلى وجوب ارتداء النساء للنقاب، حتى ان بعض مشايخ السلفية اعتبر صوت المرأة عورة، ما يعني أن النساء بالنسبة للسلفيين عبارة عن كائنات جنسية تنطوي على تهديد دائم.
والحال هل لغة السلفيين تعبر عن هواجس من تزايد الحضور الأنثوي في الفضاء العام؟ ولماذا لا تستطيع الذهنية السلفية استيعاب تبدل أدوار النساء؟
من البديهي القول إن التيار السلفي ليس اتجاهاً دينياً سائداً في العالم العربي، رغم سطوته على الفضائيات وعلى عقول أتباعه، ولا يمكن أن نغفل عن المعارك التأويلية التي خاضها الإصلاحيون في الإسلام من أمثال رفاعة رافع الطهطاوي والإمام محمد عبده والطاهر الحداد ومن تبعهم من المجددين.
إن النساء المسلمات كن حاضرات على مدار التاريخ الإسلامي، ولم يعشن في عزلة كاملة. ولو عدنا الى ذاك التاريخ المسكوت عنه في التراجم الإسلامية، لاكتشفنا أهمية الأدوار التي اضطلعن بها في ميادين مختلفة ومن ضمنها أبواب المعرفة الدينية. ومعلوم أن فاطمة السمرقندية الفقيهة المسلمة التي عاشت في حلب في القرن الثاني عشر الميلادي، درست المذهب الحنفي على أبيها، وحفظت في ذاكرتها ما جمعه من أحاديث، وصدر عنهما معاً فتاوى شرعية. وإذا دخلنا أكثر في التاريخ يمكننا الكشف عن إضاءات نسائية كثيرة، فبعض النساء اللاتي عشن في القرن السادس عشر الميلادي، كان لهن معرفة في الشريعة الاسلامية، وإحداهن وصلت الى رتبة مفتية، كما أن المتصوفة الدمشقية الشيخة عائشة الباعونية بنت يوسف (توفيت العام 1516) أُحضرت الى القاهرة حيث سُمح لها بإصدار آراء فقهية وبالتدريس. كما أن هجيمة بنت حيي الأوصابية (المتوفاة عام 701 م) وصفت بأنها من أهم الفقيهات في دمشق، وقيل إنها علّمت العديد من الرجال، وتمتعت بثقة الخليفة عبد الملك بن مروان، واعتادت أن تقابله بانتظام حيث كانا يجلسان معاً في مسجد دمشق. وقد بلغت بعض الفقيهات درجة «ست الفقهاء» وهو لقب شرفي يرمز الى الأستاذية في الفقه. (نحيل على Encyclopedia of Women & Islamic Cultures: Methodologies, Paradigms and Sources, Brill Academic 2003)
وبعيداً من الشواهد التاريخية التي تؤكد أدوار المسلمات كفقيهات وعالمات ومتصوفات وسلطانات، يبدو أن السلفيين لا يريدون الإقرار بتغير أحوال النساء، ربما لأن ذلك يصدم ذكوريتهم، لذا يتجهون أكثر فأكثر باتجاه الفقه الذكوري القابض على أنفاسهم. ليس بإمكان الخطاب السلفي إجراء انقلاب على خطابه، فهو مسكون برهاب الفتنة من الجسد الأنثوي نفسه، لذا يسعى الى تقليص حضوره وتشريطه بفتاوى تعيده الى الحريم المجالي.
وكان اللافت في المشهد السلفي المصري الذي أعقب ثورة «يناير»، ذاك الجدل في شأن ترشيح منقبات الى البرلمان، حيث رشحت أحزاب سلفية على قوائمها عدداً من النساء، استناداً إلى فتوى ياسر برهامي، رئيس الدعوة السلفية في الإسكندرية، والتي قال فيها إن «ترشح المرأة مفسدة، لكنها أقل من مفسدة من ترك الساحة لمن يريدون تغيير المادة الثانية من الدستور، خصوصاً بعدما اشترط قانون الانتخابات الجديد أن تضم كل قائمة لأي حزب امرأة واحدة على الأقل»، وأن المجالس النيابية على الصحيح نوع من الولاية وهي داخلة تحت قول، الرسول: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً)». وتابع يقول «الأصل عدم الجواز، ولكن الفتوى في واقعنا المعاصِر ليست على الحكم المطلق، بل قلنا إنه لا يمنع من ترشح امرأة على القوائم للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ومنها حزب النور، لدرء مفسدة ترك البرلمان لليبراليين والعلمانيين يسنّون دستوراً يحارب الإسلام ويقيّد الدعوة، بل ويمنعها ويعاقب عليها».
السلفيون المهووسون بالمرأة يعملون على إقصائها عن الفضاء العام، بسبب نشاطها المتزايد الذي كشفت عنه الانتفاضات العربية كثيرا، خصوصاً في الأنموذجين المصري والتونسي. «الفوبيا» من الأنثوي/ الفاعل يدفعهم الى تشديد الرقابة عبر ثنائية الحرام والحلال، ومن الملاحظ أن الجزء الأكبر من الفتاوى في دول الحراك العربي لها علاقة مباشرة بأجساد النساء اللاتي شكلن مجالاً خصباً للمتخيل السلفي.
لقد قطع السلفيون مع المساواة التي أقرها القرآن وخرجوا عن مقاصد النص وتصادموا مع الاتجاه الإصلاحي التنويري في فقه المرأة. هذا الإسلام البدوي كما وصفه الشيخ محمد الغزالي غير مؤهل لمجاراة التاريخ، لأنه مقيّد بتصورات إقصائية لا ترى نفسها إلا في مرآة الفحولة.
ريتا فرج: السفير
إضافة تعليق جديد