«إبن الترويكا المدلل» من تونس إلى إ٠دلب: انشقاق أم مكيدة؟
في خطوةٍ مشبوهة وتثير العديد من التساؤلات، وصل خمسة قياديين من تنظيم «داعش» إلى مدينة إدلب، في ظروفٍ تُحيط بها الكثير من الملابسات، لا سيما أن من بين هذه القيادات من هو معروفٌ بعدائه لـ «جبهة النصرة»، وضالعٌ في عمليات خارجية نفذها التنظيم في تونس.
وقد أكدت مصادر مقربة من «جبهة النصرة» صحة المعلومات التي جرى تداولها أمس، حول وصول القياديين الخمسة إلى مدينة إدلب، وأن من بينهم «أبو همام المُهاجر»، إلا أن المصادر اعتبرت الحديث عن انضمام هؤلاء إلى «جبهة النصرة» سابقاً لأوانه.
ولم تتضح إلى الآن كيفية تمكن هذه القيادات من تأمين طريقٍ للهروب من مدينة الرقة والوصول إلى إدلب، خصوصاً في ظلّ الرقابة المشددة التي يفرضها التنظيم على قادته وعناصره في هذه المرحلة المصيرية التي يمرُّ بها، وكون أي طريق بين المدينتين خاليا من أي انتشار لعناصر «جبهة النصرة» أو حلفائها.
وقد عُرف من بين هذه القيادات كل من أبي ذر العسكري وأبي همام المهاجر، وهما من الجنسية التونسية، فيما لم يُعلَن عن اسماء باقي القياديين الذين وصلوا إلى إدلب. ومن المعلوم أن هذين القياديين كانا قد انشقّا عن «جبهة النصرة»، وأعلنا بيعتهما لتنظيم «داعش» قبل اسابيع فقط من إعلان الأخير «الخلافة» في حزيران 2014.
وأثار وصول القياديين من «داعش» إلى إدلب ردود فعل متباينة من قبل النشطاء وقادة ومنظري التيار «الجهادي». فالبعض سارع إلى التحذير من هؤلاء، وطالب بمحاكمتهم بسبب أفعالهم السابقة ضد «النصرة». بينما رأى بعض المنظرين، وعلى رأسهم أبو محمد المقدسي، أنه ينبغي قبول توبة الهاربين والعمل على دمجهم، فيما أبدى بعض النشطاء تخوفهم من أن يكون في الأمر مكيدة من التنظيم وأن هؤلاء المنشقين قد يكونون مكلفين بتنفيذ عمليات سرية، لا سيما أن وصولهم تزامن مع التهديد الذي أطلقه أبو الحسن المهاجر، المتحدث الجديد باسم «داعش» ضد تركيا.
وفي جميع الأحوال، فإنه من المستبعد أن تتخذ «جبهة النصرة» اي إجراءات صارمة بحق هذه القيادات، لأن سياستها تقوم أصلاً على محاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من عناصر وقيادات «داعش»، مستغلةً الضغوط العسكرية التي يتعرض لها، وإمكان تفككه على المدى المتوسط، بحسب قراءتها للأحداث.
ولا شك في أن ورود اسم أبو همام المهاجر ضمن قائمة القياديين الهاربين شكّل مفاجأةً بكل المقاييس. ولقب «أبي همام المهاجر» هو أحد الألقاب التي حملها التونسي بلال الشواشي في مسيرته «الجهادية» التي انتقلت به من بلد إلى آخر، ومن تنظيم إلى تنظيم.
وتعود المفاجأة إلى سببين: الأول لأن الرجل أشهر عدائه لـ «جبهة النصرة» وزعيمها أبي محمد الجولاني بكل سفور، وكتب العديد من الرسائل في انتقاد سلوك «الجبهة»، متهماً إياها بالانحراف عن نهج «القاعدة». كما انتقد الجولاني، وقال إنه «فقد السيطرة على الجماعة»، وإنه خاضعٌ لهيمنة أبي ماريا القحطاني، حتى أن وصل به الأمر إلى انتقاد منظري «الجهاد» المعروفين أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني، وهو ما اعتُبر حينها دليلا قاطعا على أن الرجل بلغ نقطة اللاعودة في علاقته مع هذا التيار.
والسبب الثاني، لأن السلطات التونسية اشاعت منذ ايار الماضي أن بلال الشواشي عاد إلى تونس، وهو يحضّر لتنفيذ عمليات «إرهابية نوعية»، حتى أن أجهزة الأمن في تونس أعلنت الاستنفار بسبب قدومه وقامت بحملات دهم بحثاً عنه، وتحدثت في وقت لاحق أن القبض عليه بات مسألة وقت فقط، لذلك لم يكن من المتوقع أن يظهر الشواشي في سوريا.
وشغل الشواشي منصب المتحدث الرسمي باسم التيار السلفي التونسي، وكان من الأوجه دائمة الحضور على شاشات التلفزة التونسية، لكنه اعتقل بعد الثورة في تونس بسبب «اجتماعات غير قانونية» ليصار إلى الافراج عنه وتعيينه كمُدرس ثانوي وصُرفت تعويضات مالية له إثر صدور مرسوم عفو عام.
وسبق أن تمّ القبض عليه من قبل الوحدات الأمنية في حادثة السفارة الأميركية في 2012، وغيرها، ليتمّ لاحقاً إطلاق سراحه ايضاً. وعُرف الشواشي الذي كان يحمل لقب أبو عبد الله التونسي بأنه «ابن الترويكا المدلل»، في إشارة إلى الائتلاف الذي حكم تونس بعد الثورة، وكان يطغى عليه الاسلاميون.
ووصل الشواشي إلى سوريا في المرة الأولى مطلع العام 2014، بحسب ما أعلن هو في حينه على صفحته الشخصية على موقع «فايسبوك»، وانضم إلى «جبهة النصرة» واقام في مدينة الطبقة في ريف الرقة، وأصبح من المقربين إلى «مجلس الشورى»، لكنه سرعان ما انشق عنها وأعلن مع زميله أبي ذر العسكري تأسيس كتيبة «العقاب» قبل أن يبايعا «داعش» ويلتحقا به في مدينة الرقة.
بدايةً، تولى الشواشي مناصب عدة، لا سيما في مكتب «الحسبة». وأشيعت أنباء عن مقتله مرات عدة، آخرها في شهر آذار الماضي، حيث قيل إنه لقي حتفه جراء غارة لـ «التحــالف الدولي». لكنه في هذه الأثناء كان على ما يبدو يترقى في المناصب داخل التنظيم، وهو ما أهّله للظهور في بعض الاصدارات الهامة التي نشرتها المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم.
وظهر الشواشي، لكن ملثماً، في الاصدار الذي أصدره التنظيم أواخر العام 2015 وتبنّى فيه المسؤولية عن العملية الانتحارية التي استهدفت حافلة الأمن الرئاسي التونسي في 24 تشرين الثاني.
ثم ظهر، بعد الإعلان عن مقتله، في منتصف حزيران الماضي مكشوف الوجه في إصدار تحريضي موجه إلى المصريين، وكانت المرة الأولى التي يتكنّى فيها باسم أبي همام المهاجر.
بعد ذلك، تحدثت مصادر أمنية تونسية عن عودة الشواشي إلى تونس متسللاً من ليبيا بهدف تنفيذ عمليات «إرهابية نوعية» ولتزعُّم فرع «داعش» في تونس بعد مقتل زعيمه السابق. ثم نشرت السلطات التونسية اعترافات لما عرفت بمجموعة «المنيهلة» أكدت عودة الشواشي إلى تونس، وأنه «هو من يقود المجموعات الإرهابية والخلايا النائمة المنتشرة في المدن وأنه تم إرساله من طرف قيادات داعش كمبعوث خاص لهذه المهمة القذرة بعد أحداث بن قردان، وأنه دخل تونس عبر ليبيا».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد