«جنيف السوري»: تشكيل الوفد المعارض تحول إلى عملية تقاسم للنفوذ بين بعض الدول الأوروبية والإقليمية

21-12-2013

«جنيف السوري»: تشكيل الوفد المعارض تحول إلى عملية تقاسم للنفوذ بين بعض الدول الأوروبية والإقليمية

مؤتمر جنيف ثابت الموعد في 22 كانون الثاني المقبل من دون أولويات أو أجندة واضحة، وعملية سياسية مديدة لا أفق واضح لها، ولا رزنامة زمنية محددة «لأنها بداية تسوية»، كما وصف المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي جنيف، وأن المفاوضات ليست ليوم أو يومين وأنها ليست حدثاً آنياً وينبغي أن تطول كثيراً كي يكتب لها النجاح، وهناك مراحل مختلفة لتطبيق بيان «جنيف 1».
الموعد يبدو مغامرة ديبلوماسية، لأن قرارات «جنيف 2» لن تجد طريقها إلى التنفيذ مع استبعاد إيران، أحد الأطراف الرئيسة، وانعدام احتمالات التوافق بينها وبين السعوديين حتى الآن في كل الملفات الإقليمية، وعلى رأسها سوريا. كما أن الإطار يحفل بألغام في الطريق إلى الموعد المثبت، فيما لا تزال المعارضة السورية، و«الائتلاف» خصوصاً، من دون الأسماء التسعة التي ستجلس إلى طاولة تقابل طاولة وزير الخارجية وليد المعلم على الأرجح، فيما ينتظر في قاعة مجاورة ستة آخرون من تقنيين وعسكريين وخبراء، قد يرتفع عددهم ليشمل تمثيلا متوازناً للنساء والطوائف والأقليات.
ويسجل للاجتماع التحضيري، في جنيف أمس، مع ذلك، انه أطلق للمرة الأولى، منذ بداية الحرب السورية موعداً لمنعطف سياسي يجري الرهان عليه لوقف إطلاق النار أولا ولكبح عمليات القتل والتدمير وتشكيل هيئة انتقالية حاكمة.
ويذهب في 22 كانون الثاني المقبل إلى مونترو السويسرية، إذا ما قيض للمؤتمر أن ينعقد، وزراء خارجية 26 دولة، وتضم الدول المدعوة كتلاً متوازية الأهمية في التوازنات الدولية ومتفاوتة الدعم والتأييد لأطراف النزاع في الحدث السوري، من دون أن يكون لحضورها أو رعايتها للمؤتمر قدرة متقاربة في التأثير على مجرى المفاوضات في المرحلة الأولى، فهناك كتلة دول مجلس التعاون الخليجي التي تحضر كلها، باستثناء البحرين، وهناك كتلة دول «البريكس» البارزة كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والصين وروسيا، باستثناء المكسيك، وهناك الاتحاد الأوروبي وبعض دوله كإسبانيا والدنمارك والسويد، والجامعة العربية، والدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى جانب كندا واليابان. وتحضر دول الجوار، كلبنان وتركيا والأردن والعراق. كما تحضر الجزائر.
ومن الواضح أن الاجتماع التحضيري، مع استبعاد إيران، والسعودية التي لن تحضر من جنيف سوى الاحتفال الافتتاحي، قد قرر عدم إشراك القوى الإقليمية في الإعداد للتسوية بسبب تناحرها الشديد في العراق ولبنان وسوريا. وسلم قضية الإعداد لأي تسوية في سوريا إلى روسيا وأميركا وحدهما رسمياً، مكلفاً إياهما تحويل تفاهمهما على الموقع الإستراتيجي السوري إلى اتفاق واضح على عملية إدارة الأزمة، من احتواء مفاعيل الحرب السورية على الجوار وضمان مصالح الطرفين، وتعديل الأولويات لتكون مكافحة الإرهاب ومواجهة تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) و«جبهة النصرة» على رأسها. وهكذا ستكون المفاوضات برعاية المبادريْن الأساسييْن وحدهما، وهو الاسم الرسمي الذي ستوجه الدعوات على أساسه إليهما وللدول الأخرى، وسيدخلان قاعة المفاوضات وحدهما إلى جانب الإبراهيمي، فيما يغادر المدعوون جنيف بمجرد انتهاء الاحتفال الافتتاحي في 23 كانون الثاني.
ويعكس القرار بالانفراد بالإشراف على المفاوضات مخاطرة من الطرفين في تحمل أكلاف الوكالة عن إيران والسعودية، والضغط عليهما لتمرير قرارات جنيف.
وتقول أوساط معارضة سورية إن إستراتيجية الروس في قضية تمثيل إيران وموقعها في المفاوضات وفي تشكيل السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد وفد المعارضة هي انتظار اصطدام الأميركيين بالحائط «لكي يعودوا إلينا ويطلبوا المساعدة على حل مشاكلهم»، كما نقل مصدر سوري معارض عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في جنيف.
وقال بوغدانوف لمعارضين سوريين إن «استبعاد إيران من مؤتمر جنيف قرار أميركي، وإذا لم تحضر إيران، فلن تكون مضطرة للالتزام بقرارات المؤتمر ولن يساعد ذلك سوريا على حل الأزمة، وإذا ما أصر الأميركيون على ذلك فسيفشل المؤتمر، فدعهم يصطدمون بالحائط كي يعودوا إلينا لنساعدهم في الحل».
وسلم الإبراهيمي، في المؤتمر الصحافي بعد الاجتماع، بتأخر المعارضة عن إعلان أسماء مفاوضيها قبل نهاية المهلة المحددة في 27 كانون الأول الحالي.
وبدا الوسيط الأممي مكبلاً أيضاً بالشروط الأميركية، فخلافاً لرغبته بإشراك الإيرانيين في المؤتمر قال الإبراهيمي إن «الوفد الأميركي أعاق تمرير هذه المشاركة لأنه لا يراها ضرورية، لكننا سنستمر في بحث هذه المسألة لتصبح ممكنة، وهم يتمنون الحضور، وأتمنى أن يساندوا العملية، لكنهم ابلغوا الأمم المتحدة أن عدم مشاركتهم لا تعني نهاية العالم». وأكد أن «إيران ليست مستبعدة من القائمة في الوقت الحالي»، مشيراً إلى أن المحادثات مع طهران تواصلت رغم التعثر، وأنه مقتنع أن إيران تستطيع أن تقوم بدور حتى من دون أن تشارك رسمياً في المؤتمر.
وأعاد الإبراهيمي تحديد إطار المفاوضات وتقديم قراءة الأمم المتحدة لإعلان جنيف التي تستبعد أي تغيير في موقع الرئيس بشار الأسد خلال العملية الانتقالية، وحق الفيتو المتبادل للطرفين في تعيين الهيئة الانتقالية الحاكمة «مع حق الجميع بطرح أي موضوع يرتئيه خلال المفاوضات».
ورجح كلام الإبراهيمي احتمالات إجراء تغييرات في الوفود في مجرى المفاوضات، بحثاً عن تمثيل أوسع وأصلب للمفاوضين. إذ أن مصداقية أي طرف مفاوض ستكون على المحك من خلال قدرته على الوفاء بالتزاماته، وتنفيذ إجراءات بناء الثقة، كوقف إطلاق النار وإطلاق المعتقلين والمخطوفين وفتح الطرق إلى المدن المحاصرة. وتواجه المعارضة السورية في هذا المجال تحدياً في قدرتها على ضبط الجماعات «الجهادية»، وفرض وقف إطلاق النار عليها، ولكن الإبراهيمي، الذي يبحث عن إنقاذ المؤتمر بأي ثمن، يقبل «بأنه لا سبيل للقادمين إلى جنيف أن يكونوا ممثلين للمعارضة بصورة تامة، ولكنها بداية العملية، وأنا متأكد من أن التمثيل سيكون أفضل في مراحل لاحقة».
وفي هذا الإطار، قالت أوساط معارضة إن الأميركيين ضغطوا في الاجتماع لمنح المزيد من الوقت لـ«الائتلاف» لتشكيل وفده وانتظار إجراء انتخابات رئاسته في السابع من الشهر المقبل لتسليم الأسماء.
وقال مصدر معارض إن تشكيل الوفد المعارض تحول إلى عملية تقاسم للنفوذ بين بعض الدول الأوروبية والإقليمية داخل قاعة المفاوضات، وفي الهيئة الانتقالية الحاكمة. وتشتمل الأسماء المرشحة على ممثلين بارزين من «الائتلاف» و«هيئة التنسيق» وبعض شخصيات المجتمع المدني والتيارات المستقلة، التي منحت مقاعد في قاعة الخبراء والتقنيين.
وفيما يضغط الفرنسيون بقوة لضم رئيسة «المبادرة العربية للإصلاح» بسمة قضماني، يعمل الروس على ضم رندا قسيس، وبات مرجحاً أن يأتي أحمد الجربا ونذير الحكيم، من «الائتلاف»، فيما يذهب عن «هيئة التنسيق» رئيسها حسن عبد العظيم ونائب رئيسها في المهجر هيثم مناع. وقال معارض سوري التقى فورد في جنيف إن السفير الأميركي لا يزال يسعى إلى ضم عناصر من «الجبهة الإسلامية» إلى الوفد التفاوضي. وقال فورد للمعارضين إن «أحرار الشام» لا يتبع «القاعدة» وإنه من الممكن ضم بعض قياداته إلى الوفد المفاوض.
وقال المعارض إن ترشيح أشخاص لن يكون باسم «الجبهة الإسلامية» ولكن بصفتهم ممثلين عن الجماعات المقاتلة. ويجري الحديث عن ترشيح أحد قادة «الأحرار» و«لواء التوحيد» أو النائب السابق رئيس كلية الشريعة في دمشق عماد الدين رشيد. وقال فورد لمعارضين إن الوفد بأجنحته المختلفة سيعقد اجتماعات تمرينية في جنيف قبل 22 كانون الثاني المقبل لتوحيد الرؤى بين الإسلاميين والعلمانيين.
وعن استبعاد إيران، قال فورد إنه تم الاتفاق على أن تبعث إيران والسعودية وتركيا وفرنسا وغيرها من القوى الإقليمية بوفود تقيم خارج قصر الأمم المتحدة لمتابعة المفاوضات والاستعانة بها لتسهيلها إذا ما تطلب الأمر ذلك.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...