«جنيف السوري»:أوصياء «معارضة الرياض» يراهنون على المماطلة بانتظار رحيل أوباما
مع من سنتفاوض؟ لم يجد الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، في أول لقاء له أمس مع الوفد الحكومي السوري، ما يجيب به على سؤال رئيسه بشار الجعفري سوى النصيحة بالصبر: «أعطوني فرصة حتى يوم الإثنين لكي أقول لكم مع من ستتفاوضون».
ولكن انتهاء مقاطعة مجموعة الرياض لجنيف، لا يعني أن المهلة التي أعطاها دي ميستورا للوفد الحكومي، لمعرفة من سيجلس في القاعة المجاورة لهم في قصر الأمم المتحدة، لن يتم تجاوزها، إذ إن «دراما» الاجتماعات في الرياض، وإملاء الشروط المسبقة، كفرض إجراءات بناء الثقة، قبل الدخول في المفاوضات، انتهت بالقبول بركوب طائرة وزير الدفاع محمد بن سلمان ليلة السبت أو غداً صباحاً، والانطلاق الى جنيف، والانصياع للضغوط الأميركية، من دون الحصول على أي ضمانات.
وبرغم أن البيان «الاستسلامي» لمجموعة الرياض يتحدث عن تلبية مطالبه من قبل وزير الخارجية الأميركي، إلا أن أحداً لم يطرح سوى تطبيق القرار 2254، الذي اعتبرته مجموعة الرياض هشاً، بل ومعادياً في شقه الذي يتناول «إعلان فيينا» وخريطة الطريق الروسية التي ستجبرها على الدخول في عملية سياسية مديدة مع الرئيس بشار الأسد، والاحتكام الى صناديق الاقتراع، والقبول بألا تعود من جنيف بمفاتيح السلطة كما كانت تأمل.
كما أن رسالة دي ميستورا الى الهيئة التفاوضية التي بدت تحولاً في موقف الأمم المتحدة وقبولاً بالشروط المسبقة، ليست سوى نسخة عن نص الدعوة نفسه الذي تلقته كل الوفود المشاركة، وهي تتضمن بوضوح تأجيل كل القضايا وحلها الى حين الجلوس على طاولة المفاوضات والأولويات التي تبدأ بالبحث بوقف إطلاق النار والإغاثة الإنسانية وخريطة الطريق السياسية، وهي كلها بنود لم يتغير فيها شيء.
وكان دي ميستورا قد حاول الحصول من بشار الجعفري على ما «يشجع»، كما قال، مجموعة الرياض على القبول بالمشاركة في المفاوضات، خصوصاً في إطار بناء الثقة، فردّ المسؤول السوري، بأن وفده معني بالتفاوض مع المعارضة، وليس مع الأمم المتحدة، وأنه يريد أن يعرف لمن يعطي الضمانات، ولأية جهة، قبل أن يتحدث بها.
وللمرة الاولى، اعترف دي ميستورا في رده على تساؤلات الجعفري عن المعارضة وغيابها وعدم جديتها «بأننا جئنا للبحث في حل الأزمة من دون تدخل خارجي، والبحث في آلية الخروج من الحرب، لكننا لم نجد الطرف الآخر».
وقال دي ميستورا إن جزءاً من المعارضة التي سيفاوضها الوفد الحكومي، «موجودة في جنيف»، في إشارة الى وفد العلمانيين الديموقراطيين، الذي تروّج مجموعة الرياض بأنه ليس سوى وفد استشاري.
وكانت الطائرة نفسها قد انتظرت الإقلاع أمس لنقل وفد مصغر، ينقل شروط مجموعة الرياض الى دي ميستورا، ويقف عند مداخل قصر الأمم المتحدة من دون ولوجه، بانتظار أن تستجيب الأمم المتحدة لشروطه وقف قصف المدنيين، ورفع الحصار عن بعض المدن، اي وقف العمليات الروسية عملياً.
وكانت مفاوضات الساعات الأخيرة، قد شهدت تدخلاً سعودياً واسعاً، لتشجيع السوريين على الالتحاق بجنيف، وتراجعاً للضغوط التركية على المجتمعين في الرياض.
وبعدما نجحوا في تجميد بطاقات دعوة «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، وزعيمه صالح مسلم، لم يعارض الأتراك إقلاع الطائرة، وكانوا قد أوفدوا الى الرياض سفيرهم المشرف على المعارضة عمر اونهون، وفرقان جانبيه، أحد مساعدي رئيس الاستخبارات، ولحق به رئيس الوزراء احمد داود اوغلو، الذي يلتقي رياض حجاب اليوم، ووزير الخارجية القطري محمد آل ثاني، في ما يشبه مؤتمر ثلاثي الأوصياء على معارضة الرياض للتفاهم مباشرة على موقف نهائي من جنيف.
وكان الديوان الملكي قد استدعى رياض حجاب لإبلاغه الموقف السعودي القاضي بالمشاركة، فيما كان ولي العهد محمد بن نايف يلتقي رئيس المجلس السياسي لـ «جيش الإسلام» محمد مصطفى علوش، بحضور الشيخ أبو زهران عبدالله علوش، ليطلب منه المشاركة في الوفد الذاهب الى جنيف.
ولا ينبغي النظر الى تأييد السعودية ذهاب مجموعة الرياض الى جنيف، تأييداً منها للحل السياسي فيها، فالرياض لا تملك رداً سياسياً آخر في الوقت الحاضر في ظل تراجع حلفائها ميدانياً، غير الاستجابة للضغوط الاميركية، وتجنب الظهور بمن يسعى الى إفشال المسار السياسي، الذي تؤيده واشنطن، من دون الذهاب طبعاً الى الضغط على «معارضتها» للقبول بشروط الحل، كما تظهر في خريطة الطريق الروسية - الاميركية.
وتوضح تعرجات اجتماعات الرياض، ورفع سقف الشروط المستحيلة، عدم وجود بدائل أمام المحور المعادي لدمشق وموسكو وطهران بأكمله في سوريا سوى تمرير المفاوضات لا إنجاحها، وكسب الوقت، وتخفيف الضغوط، إذ إن العودة مرة أخرى الى اختبار تغيير ميزان القوى، لن تذهب بعيداً. فعندما سحب السفير الأميركي فورد وفد المعارضة السورية في شباط العام 2014 من «جنيف 2»، وأفشل المفاوضات، ضرب في تصريح شهير، موعداً للحكومة السورية على الجبهة الجنوبية، وطلب من المعارضة فتحها، أملاً بتهديد دمشق من اكثر جبهاتها خطراً وأقربها الى دمشق التي لا تبعد اكثر من تسعين كيلومتراً، عن ارتال فصائل الجنوب التي قادتها غرفة عمليات عمان، والاستخبارات الاميركية.
ومنذ فشل عاصفة الجنوب، معطوفة على الانخراط الروسي، لم يعد الرهان الميداني يصب في مصلحة المعارضة، بل إن رهاناً على التغيير الميداني لن يؤدي الى إطالة الحرب والمزيد من الهزائم. إذ إن حصيلة أربعة اشهر فقط من الإسناد الجوي الروسي للجيش السوري أجبرت المجموعات المسلحة على التراجع بصورة ملموسة على معظم الجبهات السورية، باستثناء ريف حماه الشمالي. ويساعد الروس في عملية طويلة لن تتوقف فيها الحرب على الإرهاب، كما قال الرئيس فلاديمير بوتين. كما أن الفصل بين الميدان والمفاوضات، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريحه ان «العمليات الميدانية، منفصلة كلياً عن جنيف» يجعل من اي شروط مسبقة عقيمة، ويوضح ان شروط المفاوضات ستمضي من سيئ إلى أسوأ، إذا استمر إيقاع التقدم الميداني للجيش السوري وتراجع المجموعات المسلحة.
ويمكن في الإجمال القول إن الحل العسكري لم يعد بعيدا عن متناول المعارضة والقوى الاقليمية التي تدعمها فحسب، وإنما يمكن الاضافة ايضا ان الطريق الى دمشق قد اغلق نهائياً، بعد الانخراط الروسي، وانقلاب المعادلة.
والأغلب ان النزعة الانتحارية، وأنانية الدول الوصية على المعارضة، لا سيما السعودية والاتراك، قد تدفع المعارضة ايضاً الى المماطلة في المفاوضات، وكسب الوقت، بما لا يؤدي في الواقع إلا الى خسارته وإدامة الدمار السوري، أملا بتغيير في إدارة باراك اوباما، المتهمة بالتراخي إزاء دمشق، وقدوم ادارة جمهورية اكثر إقداماً، وأكثر قدرة على فرض الحل العسكري .
ويبدو ان صيغة الوفد القادم الى جنيف قد اعيد تشكيلها مجدداً مستعيدة العسكريين، بحيث يبقى العقيد اسعد الزعبي رئيساً للوفد، ويحافظ العميد عبد الباسط الطويل على عضويته، ويسترد محمد مصطفى علوش دعوة «جيش الاسلام» الى المفاوضات، التي ينضم اليها ايضاً رئيس الهيئة التفاوضية رياض حجاب، وسفير «الائتلاف» في باريس منذر ماخوس، ورياض نعسان الآغا، وسالم المسلط، ورئيس الائتلاف خالد خوجا.
ويقول رياض حجاب إن أول مهماته ستكون آليات التفاوض، بعد مكالمة هاتفية ليلاً مع الوسيط الدولي دي ميستورا. الا ان المفاوضات الحقيقية ، تبدأ يوم الاثنين المقبل، اذا لم تظهر شروط جديدة، وعراقيل اضافية.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد