«جيش الثوار» في سوريا: نشأة ملتبسة ودور غامض

15-02-2016

«جيش الثوار» في سوريا: نشأة ملتبسة ودور غامض

لفت «جيش الثوار» الأنظار إليه بعد تداول اسمه، مؤخراً، في المعارك الدائرة في ريف حلب الشمالي، خاصةً بعد تعرضه لقصف من المدفعية التركية.
وبتلقّيه الدعم من الولايات المتحدة، تحت مظلة «قوات سوريا الديموقراطية» الذي هو أحد مكوناتها، ومع الأخذ بالاعتبار الاتهامات المتناقضة الموجهة إليه تارة بالعمالة للنظام السوري وتارة أخرى بالارتزاق لأي جهة تدفع له، يمكن القول إن «جيش الثوار» يعكس ببنيته وطبيعة مهامه مدى تعقيدات الوضع في ريف حلب، ومدى التشوش الذي فرضته هذه التعقيدات على بعض أطراف الصراع، كما يعكس، وهو الأهم، التناقض الصارخ بين السياسة الأميركية والتركية، وتضارب المصالح والمخططات بينهما.
وقد تأسس «جيش الثوار» في مطلع أيار من العام الماضي، جراء اتحاد عدد من الألوية والكتائب مع بعضها. وبالرغم من أنه نسب نفسه إلى «الجيش الحر» وتبنى نفس علم الانتداب، ووضع لنفسه هدفين، هما محاربة تنظيم «داعش» والنظام السوري، إلا أنه بقي معزولاً نسبياً عن كافة الفصائل المسلحة الأخرى، كما لاحقته على الدوام اتهامات حول عمالته للنظام في سوريا.
ويتكون «جيش الثوار» من عدة كتائب هي: «تجمع ثوار حمص» بقيادة المقدم عبد الإله الأحمد، و«كتائب شمس الشمال» بقيادة ريزان أبو محمود، و«لواء المهام الخاصة» بقيادة أبو علي برد (وهو القائد المعلن لـ«جيش الثوار»)، و«جبهة الأكراد» بقيادة صلاح جبو، و«فوج 777» بقيادة أبو عرب، و«لواء 99 مشاة» بقيادة أحمد محمود سلطان، و«لواء السلطان سليم» بقيادة عبد العزيز مرزا.
فـ«الجيش»، والحال هذه، هو مزيج «عربي ـ كردي ـ تركماني»، وهي نفس السمة التي حاولت «قوات سوريا الديموقراطية» أن تبرزها للعيان في بنيتها لإثبات أنها تمثل «السوريين»، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والاثنية.
ومنذ نشأته أثار «جيش الثوار» الجدل حوله، بسبب التناقض في تصرفاته وتوجهاته. فهو انضم إلى «غرفة عمليات فتح حلب»، وشارك فيها بحوالي 200 مسلح من «لواء شهداء الأتارب»، لكنه سرعان ما خاض اشتباكات ضد غالبية مكونات هذه الغرفة، وعلى رأسها «الجبهة الشامية»، كما اشتبك أيضاً مع «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» جناحي الغرفة المنافسة الأخرى المعروفة باسم «غرفة أنصار الشريعة». وفيما كان هدفه من الانضمام إلى الغرفة محاولة اكتساب «شرعية ثورية» وخطب ود شريحة من «الحاضنة الشعبية»، فقد كان قادة «غرفة فتح حلب» يضعون الموافقة على انضمامه إليها في إطار سياسة احتواء هذا الفصيل، تمهيداً لاستقطابه وإبعاده عن الانخراط في تحالفات مضادة.
وقد استمرت سياسة الاحتواء هذه، رغم مسارعة «جيش الثوار» إلى المشاركة في تشكيل التحالف الجديد الذي حمل اسم «قوات سوريا الديموقراطية»، حيث عقدت عدة اتفاقات تهدئة وهدن بين «غرفة عمليات فتح حلب» وبين «جيش الثوار» لحل المشكلة بينهما، ووقف إطلاق النار، لكن جميع هذه الاتفاقات انتهت بالفشل، لتصل الأمور إلى نقطة اللاعودة مع حملة الجيش السوري الأخيرة في ريف حلب الشمالي، حيث سارع «جيش الثوار» إلى استغلال هذه الحملة بشكل أو بآخر، من أجل تحقيق تقدم ميداني على الأرض وفرض سيطرته على بعض القرى بين إعزاز وعفرين.
ورغم أن «جيش الثوار» نفى أكثر من مرة وجود أي ارتباط له مع «غرفة عمليات ألموك»، التي تديرها أجهزة استخبارات أجنبية على رأسها الولايات المتحدة والسعودية والأردن وتركيا، إلا أن تلقيه الدعم من الاستخبارات الأميركية لم يعد محل جدل، وذلك منذ انتسابه إلى «قوات سوريا الديموقراطية» التي أعلنت واشنطن تزويدها بخمسين طنا من الأسلحة بعد أيام من تشكيلها فقط.
هذا الغطاء الأميركي فرض نوعاً من الحصانة على «جيش الثوار». إلا أن هذه الحصانة تعود قبل كل شيء إلى امتناع «جبهة النصرة» عن القضاء عليه، كما فعلت من قبل مع «الفرقة 30»، والأرجح أن «النصرة» امتنعت عن ذلك بسبب تدخل قادة الفصائل الأخرى الذين أقنعوها بإمكانية احتوائه واستقطابه. وما ساعد على ذلك أن «جيش الثوار» كان يخوض معارك ضارية ضد «داعش» في عدد من القرى بريف حلب الشمالي، لذلك كان من مصلحة الجميع الإبقاء عليه لزيادة الضغط على التنظيم. بل إن آخر اتفاق هدنة نص صراحة على السماح لعناصر «جيش الثوار» بالانتقال من عفرين إلى إعزاز لمقاتلة «داعش».
غير أن تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن على خلفية الموقف من «الإرهاب الكردي»، وتهديد أنقرة بـ «بحر من الدماء في المنطقة في حال استمرت السياسة الأميركية على حالها»، وتغير موازين القوة على الأرض بعد تقدم الجيش السوري ونجاحه في فك الحصار عن نبل والزهراء وقطع خطوط الإمداد عن فصائل حلب، وكذلك ظهور مسار من التنسيق العسكري بين «قوات سوريا الديموقراطية» مع الطائرات الروسية في عدد من المعارك، أدّى كل ذلك على ما يبدو إلى نفاد الصبر التركي، وفشل سياسة الاحتواء وبالتالي انفجار العلاقة مع «جيش الثوار».
ومما لا شك فيه أن قيام المدفعية التركية بقصف مواقع «جيش الثوار» في محيط إعزاز وعفرين، شكل قبل كل شيء آخر، رسالة إلى الولايات المتحدة بأنه لا حصانة لحلفائها على الأرض، وأن أنقرة لن تساير إستراتيجية واشنطن بعد اليوم، طالما أن الأخيرة ماضية في رفض كل المقترحات التركية والسعودية حول المناطق الآمنة أو التدخل البري. لكن هذا القصف أيضاً هو بمثابة أمر عمليات موجه إلى الفصائل العاملة بتوجيه تركي بوجوب استهداف «جيش الثوار» والقضاء عليه. لذلك صدرت على الفور «فتاوى»، من قبل بعض شرعيي «أحرار الشام»، تقضي بردة «جيش الثوار» وخروجه من الدين، كما برزت مساع للتلاعب ببنية «الجيش» ومحاولة شقها، عبر الدعوة التي وجهها محمد علوش رئيس المكتب السياسي في «جيش الإسلام» كبير مفاوضي «وفد الرياض»، إلى عناصر «جيش الثوار» بالانشقاق عنه وعدم طاعة أوامر قادتهم، والعودة إلى «حضن الثورة». كما أصدرت «حركة تحرير حمص»، بقيادة فاتح حسون، بياناً يحذر كافة تشكيلات حمص من أي علاقة مع «جيش الثوار». وفي إضافة مثيرة للسخرية على المفارقات التي التصقت به اعتبر «جيش الثوار» أن القصف التركي يحقق خدمة للنظام في سوريا ولتنظيم «القاعدة».

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...