«حركة حزم»... البيض الأميركي في سلّة «جهاديّة مُعدّلة»
منذ ظهور صواريخ «تاو» الأميركية في حوزة مسلحيها، تحوّل اسم «حركة حزم» إلى واحد من أكثر أسماء المجموعات المسلحة تداولاً. ويبدو أن حملة تلميع كبيرة لها، ستتوالى عبر وسائل الاعلام الغربية. سيما بعد تقرير «استراتيجي» نشره «معهد واشنطن»، وحمل عنوان «الثوار الذين يستحقون الدعم»، خلُص إلى أن الحركة «نموذج للجماعة التي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها دعمها بمساعدات عسكرية كبيرة تضم أسلحة فتاكة». وذلك إستناداً إلى «مقوّمات كثيرة»، على رأسها أنها «فصيل علماني معتدل، وليست جماعة جهادية متطرفة».
لكنّ البحث في حقيقة الحركة، ومقوماتها، وأسباب تشكيلها، سيقودُ إلى نتائج مخالفة لكلّ ما يُروّج عنها، بما في ذلك اسمُها وتاريخ تشكيلها.
«حركة زمن محمد»
الحكاية الحقيقية لحركة «حزم» تعودُ إلى ما قبل الإعلان عن تشكيل «الجبهة الإسلامية». في تلك الفترة، تنافست مشاريع عدّة على الفوز بدعم خارجي مُطلق. وكان من بين تلك المشاريع تشكيل «حركة زمن محمّد»، تحت شعار مُجتزأ من آية قرآنية، وهي «وقاتلوا المشركين كافة». وهو مشروع قوامه إعادة إنتاج «كتائب الفاروق» بشكل وزعامة جديدين، وبدعم كبير، يؤهلها لاحقاً لتوحيد كل المجموعات «الإسلاميّة» السورية.
وكانت حركة الإخوان المسلمين في سوريا تضع ثقلها الكامل في هذه الكفة. لكنّ العائق الأكبر أمام فوز هذا المشروع وقتها، كان عدم وجود اسم بارز على رأسها. بعد أن تردد عبد القادر الصالح في قبول الفكرة نتيجة حسابات يصفها مصدر «جهادي» بـ «الاستراتيجية». (الصالح هو القائد العسكري للواء التوحيد، وقد قُتل لاحقاً، ويُشتبه في ضلوع السعودية بتصفيته.
أفلح مشروع «الجبهة الإسلامية» في تصدّر المشهد، بجهود حسان عبود (أبو عبد الله الحموي) زعيم «حركة أحرار الشام»، وزهران علوش زعيم «جيش الإسلام»، فوُضع مشروع «حركة زمن محمّد» على الرف. وبعد شهر ونصف شهر أُعيد إحياؤه، بالتزامن مع اقتراب الساعة الصفر لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وكانت الفكرة تقضي بأن تتصدّر الحركة الوليدة المشهد في الشمال السوري. وبالفعل، تمّ التوافق على بيان التشكيل، وعلى أن يكون موقعاً باسم «قيادة مشتركة» من دون ذكر أسماء.
كانت الحركة تضمّ حينها عدداً أكبر من المجموعات، ومن بينها «لواء أمجاد الإسلام» و«كتائب نور الدين زنكي». ويوضح مصدر «جهادي» أن «الجهات الداعمة قررت في اللحظات الأخيرة تأجيل الإعلان عن التشكيل. من دون توضيح الأسباب. وعجّلت بدلاً من ذلك في الإعلان عن تشكيل جيش المجاهدين» الذي ضمّ مجموعات كانت أساسية في «حركة زمن محمد»، إضافة إلى مجموعات أخرى صغيرة. على أن يتمّ تعويض هذا الفراغ لاحقاً، وأن يشارك مسلحو «حركة زمن محمد/ حزم» في مقاتلة «داعش» من دون إعلان ذلك. وهو ما حصل بالفعل. وقد ورد اسم الحركة على أنها من المجموعات التي شاركت في «تحرير الفوج 46 من داعش». وكان ذلك على لسان الملازم أول عبد الله عودة قائد «كتائب فاروق الشمال»، خلال حديث هاتفي أدلى به من الحدود التركية لقناة «العربية». وتجدر الإشاة إلى أن معركة «الفوج 46» حدثت في 17 كانون الثاني (أي قبل الإعلان عن تشكيل حزم بحضور سليم إدريس بعشرة أيام).
الشكل النهائي وإعلان التشكيل
أخيراً، تقرر الإعلان عن تشكيل الحركة، ولكن في زيّ علماني. أُعيد صوغ بيان تشكيلها، وأخلي من المضمون الجهادي. أخفي اسمها الأصلي، مع الإبقاء على اختصاره «حزم» اسماً مُعلناً لها. كما تمّ استبدال شعارها الأساسي «وقاتلوا المشركين كافة» مع بقاء الآية في مقدمة بيان التشكيل. وبقي «لوغو» السيف حاضراً كشعار بصري لها. وتسلّم جميع مفاصلَها قادةٌ متخرجون من «كتائب الفاروق». وجيء بسليم إدريس بوصفه ممثلاً لـ«هيئة أركان الجيش الحر» ليُبارك التشكيل. ومن البديهي استنتاج أن التعديلات الأخيرة على الصورة العامة للحركة، جاءت تمهيداً لتصديرها نموذجاً لـ«الثوار الذين يستحقون الدعم». تشكلت «حزم» من المجموعات التالية: «كتائب فاروق الشمال»، «الفرقة التاسعة قوات خاصة»، «اللواء الأول مدرعات»، «لواء الإيمان بالله»، «كتيبة أبي الحارث» (تتبع لواء فاروق حماه)، «كتيبة أحرار السلمية» (تتبع لواء فاروق حماه)، «كتيبة الشهيد عبد الرحمن الشمالي»، «كتيبة الشهيد بكر بكار»، «كتيبة أحباب الرسول»، «كتيبة الشهيد حمزة زكريا»، «كتيبة الرشيد»، «كتيبة أبو أسعد النمر»، «لواء أحباب الله»، «كتيبة الفاتح»، «لواء الستين مشاة»، «كتيبة عباد الرحمن»، «كتيبة الشهيد عبد الغفار حاميش»، «كتيبة فاروق الزعفرانة». «كتيبة الشهيد عبدالله بكّار»، «كتيبة شهداء الرستن»، «كتيبة الشهيد عمار طلاس فرزات»، «سرايا صوت الحق».
القادة وكتائب الفاروق
ويتقاسم زعامة الحركة خمسة أشخاص، أربعة منهم متخرجون من «كتائب الفاروق»، ويحظون بدعم كبير من الإخوان المسلمين، وبطبيعة الحال من أنقرة والدوحة. و«القادة» هم:
ــــ الملازم أول عبد الله عودة (أبو زيد)، القائد العسكري العام لحركة حزم. يعتبر من أكثر «القادة» تنقلاً بين زعامات المجموعات المسلحة، وآخر «مناصبه» كان «قائد فاروق الشمال».
ــــ حمزة الشمالي (أبو هاشم)، رئيس الهيئة السياسية لحركة حزم. كان قبل الأزمة تاجر عقارات في منطقة كفرعايا القريبة من بابا عمرو في حمص، وهو أحد مؤسسي «كتائب الفاروق»، وبقي «رئيساً لمكتب العلاقات العامة» فيها حتى استقال أواخر كانون الأول 2013. تعرف عنه علاقاته القوية بالإخوان المسلمين. وتؤكد مصادر معارضة أنه يحظى بصلات قوية بالمخابرات القطرية والتركية. ويتهمه معارضون بالفساد والسرقة، وبأنه أحد المتسببين في سقوط بابا عمرو في يد الجيش السوري.
ـــ بلال عطار (أبو عبدو شام)، مسؤول العلاقات الخارجية لحركة حزم. وهو كان «ممثل كتائب الفاروق في حماه داخل المكتب التنفيذي»، و«مسؤول العلاقات الخارجية في كتائب الفاروق»، حتى تم إعفاؤه بتاريخ 11/1 / 2014.
ــــ الملازم أول مرشد الخالد (أبو المعتصم)، القائد العسكري للقطاع الشمالي في «حزم». من أوائل الضباط المنشقين عن الجيش السوري، وتنقل بين كثير من المجموعات. أسس في وقت مبكر «سرية سعد بن أبي وقاص» في ريف حلب الغربي، مع الملازم أول أحمد الفج. وقد وصفت هذه المجموعةُ حينها بـ«أولى كتائب الجيش الإسلامي الحر»، ثم أسس وتزعم «لواء شهداء الأتارب»، ثم «اللواء الأول مدرعات». ولاحقاً تزعّم «الفرقة التاسعة قوات خاصة»، وانضمّ وإياها إلى «جبهة ثوار سوريا» بزعامة جمال معروف. قبل أن ينسحب ومجموعته، للانضمام إلى «حزم». ولا يزال يحتفظ بمنصب «القائد العام لكتائب الفاروق في حلب». وفي 26 كانون الثاني الماضي، ظهر اسم الخالد في بيان لـ«مجلس شورى المجاهدين»، بوصفه «قائداً للفرقة التاسعة، ومفوضاً عن جيش المجاهدين وبقية فصائل حلب». وحمل البيان حينها اسم «مبادرة رئيس جهاز أمن الثورة في بلاد الشام». وكان من بين الأسماء المذكورة فيه إلى جانب الخالد، زهران علوش والشيخ أبو عبد الله الشامي (أمير حركة فجر الشام الاسلامية)، ومندوبون عن «جبهة النصرة» و«جند الشام».
ــــ محمد الضحيك (أبو حاتم)، القائد العسكري للقطاع الجنوبي. أسس وتزعّم «كتيبة الإيمان» في ريف حمص. يرتبط بعلاقات وثيقة بالإخوان المسلمين، وبالناطق الرسمي بإسم «قيادة اركان الحر» لؤي المقداد. وقد ثارت ضجة في أوساط المجموعات المسلحة في حمص مطلع العام الجاري، على خلفية أنباء تتحدث عن تسليم المقداد للضحيك مليونين وثلاثمائة ألف دولار نقداً لـ«دعم مقاتلي حمص، والسعي لفك الحصار عنهم». واتّهم الضحيك بسرقة الأموال.
حزم و«تاو» والأصدقاء الدوليون
بات من المؤكد أن صواريخ «تاو» لم تصل إلى «حركة حزم» من الأميركيين مباشرة، بل «عبر جهات صديقة»، وفقاً لما أقر به عبد الله عودة (القائد العسكري العام) لمراسلة صحيفة «واشنطن بوست» ليز سلاي، التي زارت قاعدة أساسية لـ «حزم» في ريف إدلب. ورفض عودة كشف المزيد من التفاصيل عن مصدر الصواريخ، لكنه قال إن «المانحين أوضحوا له أن التسليم تم بموافقة أميركية». ومن المُرجّح أن تكون الحكومة التركية هي الجهة المانحة، خصوصاً في ضوء ما يؤكده مصدر معارض من أن «حركة حزم هي أحدث رهانات الأتراك والقطريين، والإخوان المسلمين، وقد دخلت في منافسة مع جبهة ثوار سوريا (جمال معروف)، للفوز بالدعم الأميركي». ومن المعروف أن «ثوار سوريا» كانت المرشح السعودي لنيل الدعم الغربي المعلن.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد