«داعش» ينظّم البروباغندا: مجلّة «دابق» بدلاً عن الإعلام الجديد
تخيّل أن أبا محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم تنظيم «داعش»، يجلس أمام كومبيوتر «أتش بي»، ليحرّر مقالته التي ستنشر في العدد المقبل من مجلة «دابق». وعلى يمينه مثلاً، عمر الشيشاني وأمامه «ماك برو»، يصمم ماكيت المجلة على «إن ديزاين»، ويسأل عن فتوى أبي بكر البغدادي بجواز استعمال الـ«فوتوشوب».
مشهد سريالي، أصبح غير بعيد عن الحقيقة، لكن بأسماء مغايرة للمذكورة أعلاه، بعد صدور العدد الرابع من مجلة «الخلافة» باللغة الإنكليزية، للوصول إلى أكبر شريحة من «الجهاد فانز» في أرجاء المعمورة. أداة الدعاية هذه تشبه إلى حد كبير نموذج مجلّة Inspire الإلكترونية
والّتي نشرت عن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بالإنكليزية في العام 2010، وتمكّنت الاستخبارات الأميركية من اختراقها العام الماضي. صمّمت Inspire حينها بطريقة جذّابة، ونشرت من خلال أعدادها العشرة طرقاً عملية لمساعدة «الجهاديين» المعزولين على القيام بهجوم بأنفسهم، مثلاً: «كيف تشعل سيارة في عشر خطوات».
إلّا أن الخط التحريري لـ"دابق" يأتي متقلباً، ففي العدد الأول كان مبنياً على مثالية بناء «الدولة» على أسس الشريعة أكثر من الدعوة إلى العمل. واليوم انتقل إلى فكرة التعبئة وزرع الخوف من فكرة القيام بعمل إرهابي، في روما ربما، كما يوحي غلاف العدد الرابع. يعدّ تصميم الغلاف، تهديداً مباشراً لعاصمة الكثلكة، إذ تتصدّره صورة لعلم «داعش» الأسود يرفرف فوق الفاتيكان، في نداء ربما لشن حرب ضد الكنيسة الكاثوليكية، من ضمن تهديده بغزو روما، وتدمير جميع الصلبان فيها.
يرى «مجلس تحرير دابق»، أن الساعة اقتربت بعد قرون من الحروب المقدّسة، وما هو الهدف؟ «غزو شبه الجزيرة العربية والله سيوفّقنا في ذلك. ثمّ سيحين الوقت لغزو بلاد فارس وسيوفّقنا الله في ذلك. وأخيراً، سنغزو روما والله سيوفّقنا في ذلك».
بات معلوماً أن مصدر الاسم، «دابق»، يأتي من روايتين. الأولى، أنها قرية قرب حلب في الشمال السوري قريبة من الحدود التركية مهدّدة من قبل «الكفرة»، وانتهت بتحقيق نصر في المدينة السورية في العام 1516. الرواية الثانية تشير إلى عدد من الأحاديث أنّه قرب دابق، في أحد الأيام، سيتمكّن «جيش الإسلام» من السيطرة على القسطنطينية العاصمة السابقة للإمبراطورية الصليبية في الشرق، اسطنبول الآن.
العدد الرابع من المجلة، جاء بعنوان «الحملات الصليبية الفاشلة»، ويتضمن أيضاً دفاعاً عن السبي والرقّ، إذ تقول المجلة إنه «ينبغي أن يتذكر الجميع أن استعباد أسر الكفار وسبي نسائهم هما جانب راسخ من الشريعة الإسلامية»، مضيفة «بعدما ألقينا القبض على النساء الأيزيديات، أرسلنا خمسهن إلى سلطات التنظيم، والباقيات قمنا بتقسيمهن على المقاتلين الذين انتصروا في معارك سنجار» في العراق. وعن الرجال الذين أسرهم التنظيم من الأيزيديين، زعمت المجلة أّنه تمّ تخييرهم ما بين اعتناق الإسلام أو القتل، إلى جانب احتجازهم وبيعهم كـ«عبيد».
من خلال التنقّل بين الصفحات، يتبين أن الصحيفة تتوجّه أكثر إلى الغرب منها إلى العرب، وتعمل على نشر أفكار التنظيم بين الناس، وتحاول إقناعهم بضرورة البيعة لخليفتهم، وتدعوهم إلى الهجرة إلى أراضي «دولة الخلافة» بطريقة هوليوودية مغايرة لحقيقة ما ينفّذه التنظيم من انتهاكات، وإعدامات، وتنكيل، وقتل، وذبح، وسبي، ومصادرة ممتلكات، واستغلال الأطفال.
ولا يغفل القيّمون على المجلّة عن إبراز الشق الإنساني من شريعتهم، حيث نشروا في الصفحات الأخيرة من العدد الرابع، رسالة من الصحافي ستيفن سوتلوف إلى والدته. ملاحظة: سوتلوف ذبح قبل نشر الرسالة.
لكن هذا التنظيم الذي لا يهمّه الشكل إلا في مجلة، يحاول تصوير نفسه أيضاً، مجيداً لاستعمال مواقع التواصل الاجتماعي، كأداة قوية في خدمة حربه ونشر خطاب الكراهية. بدأ "داعش" في نشر كتيب "إرشادي" بين أتباعه، لوضع قواعد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فايسبوك» و«تويتر»، مشدداً على عناصره، عدم «وضع معلومات وصفية عن أنفسهم في الحسابات المستخدمة».
التنظيم حريص على إشعال البروباغاندا في مواقع التواصل، لتشجيع الآخرين على الانضمام إلى صفوفه، عبر نشر صور تعرض أسلوب حياة مقاتليه، وصور رؤوس أعداء التنظيم المفصولة عن أجسادها... لكنه توصل إلى خطورة ذلك على المقاتلين، كما توصل إلى أن استخدام حسابات في مواقع التواصل يمد أجهزة الاستخبارات الغربية بمعلومات قيّمة عن مواقع عناصره، ويكشف عن هويات المقاتلين، ما يجعلهم هدفاً لطائرات «التحالف الدولي».
ويشدد الكتيب «الإرشادي» على «الداعشيين» عدم استخدام التطبيقات التي تكشف عن التوقيت وموقع إرسال الرسالة، واضعاً أساليب يتفادون بها تلك البيانات والتطبيقات التي تسهل من مهمات الأجهزة الاستخباراتية في الغرب، في حين منعت «جهاديين» آخرين من استخدام مواقع التواصل بشكل تام.
علي شقير
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد