أبوظبي، لا دمشق، عاصمة للثقافة العربية هذا الأسبوع

«عذراً دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008، فأنا لا أعتدي على مقامك ودورك الثقافي، ولا أريد أن أسرق التاج منك، وكل ما أبتغيه أن أكون رافداً جديداً لك أغذي ينبوع الثقافة والأدب والفنون الذي تفجر على أرضك وفي سمائك ليغذي دنيا العروبة منذ فجرها الأول وحتى الآن.

فاسمحي لي يا سيدتي دمشق، أنا أبو ظبي أن أستعير منك لقب عاصمة الثقافة العربية لأسبوع واحد وأعيده إليك وقد حمل اضافات جديدة ومبتكرة في ميدان الثقافة العربية تُغني هذا الميدان أينما كان في دمشق والقاهرة وبغداد وعواصم شمال افريقيا، وحتى الأندلس لأكون امتداداً لكل هذه الهامات العالية في ميدان الثقافة العربية على مدى العصور، ولعلي أضيف للثقافة العربية نكهة عالمية بفعل حوار الثقافات واحتضان أشكال منها في إطار ثقافتنا العربية الأصيلة».

هذا الحديث الافتراضي الثقافي الموجة من أبو ظبي الى شقيقتها دمشق ربما يفرضه التنوع الثقافي الذي تحتضنه العاصمة الاماراتية هذا الأسبوع: جائزة الرواية العربية ولأول مرة في التاريخ العربي ليل الاثنين، وافتتاح الدورة الجديدة لمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب (أمس)، واحتفال توزيع «جائزة الشيخ زايد للكتاب» أكبر جائزة عربية في هذا الميدان وقدرها 7 ملايين درهم (نحو مليوني دولار ) اليوم، إلى مهرجان الموسيقى الكلاسيكية المقام حالياً في مدينة العين «الظبيانية»، ومتحف الكنوز الإسلامية في قصر الإمارات في أبو ظبي، ومتحف كنوز السودان الذي افتتح بداية الأسبوع في المجمع الثقافي، والندوات والحوارات التي احتضنها مكتب الإعلام لنائب رئيس الوزراء.

وتواصل أبو ظبي حديثها المفترض مع دمشق وتقول: «لعلي يا سيدتي دمشق لا أكون قد تجاوزت حقي في أن أستضيف و دائماً نسخة من متحف اللوفر ومتحف «غوغنهام» والكثير من الأعمال الفنية الرائعة في الموسيقى والمسرحيات والباليه العالمية. ولا اعتقد بأن ذلك يضر بثقافتنا العربية، وإنما يغنيها».

وأبو ظبي التي تدخل ميدان الثقافة والفنون بقوة غير غافلة عما يتردد بأن قوة المال تقف وراء هذا التوجه، ولذلك كان الرد المباشر واضحاً في هذا الموقف من زكي نسيبة، نائب رئيس هيئة الثقافة والتراث في أبو ظبي، الذي أكد أن هذا الاندفاع الثقافي «يأتي في اطار ادراك الامارات أن الثقافة والفنون حاجة أساسية للشعوب وعنصر مهم في مجال التعليم والتربية خصوصاً أن الثقافة والفنون في أبوظبي ستكون امتداداً وتكاملاً للثقافة العربية التي انطلقت منذ عصور بعيدة في دمشق والقاهرة وغيرهما من عواصم الثقافة العربية وليست بديلاً منها، وأن العاملين في الحقل الثقافي في الامارات غالبيتهم من المبدعين العرب اضافة الى أن الجوائز التي توزع في اطار المسابقات الثقافية المختلفة في الامارات يحصدها الأدباء والكتاب العرب».

ولفت نسبية في رد غير مباشر على الذين يشيرون الى أن الثقافة الجديدة في الامارات تتصف في جزء منها بالعالمية عبر استقطاب المتاحف والفنون العالمية، الى أن الصبغة العالمية للفنون في الامارات «ترتكز على الثقافة المحلية التي تشكل الأساس القوي للانطلاقة الثقافية الجديدة في أبو ظبي».

وتأتي الأحداث الثقافية هذا الأسبوع والجوائز التي وزعت وستوزع لتؤكد هذا المعنى الذي شدد عليه نسبية، فالفائزون في مسابقة الرواية العربية هم من مصر وسورية ولبنان والأردن. وكذلك الفائزون في جائزة الشيخ زايد للكتاب الذي سيكرمون اليوم في احتفال مهيب، ينتمون أيضاً الى دول عربية ويأتي في مقدمهم الشخصية الثقافية العربية لعام 2008 وزير الخارجية والثقافة المغربي السابق محمد بن عيسى.

ويبدأ الأسبوع الثقافي في أبو ظبي بالإعلان في احتفالية ثقافية كبيرة نظمتها مؤسسة الإمارات، التي ترعى الجائزة، ليل الاثنين في أبو ظبي عن فوز الروائي المصري بهاء طاهر بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر العربية) في دورتها الاولى، عن روايته «واحة الغروب».

وتهدف الجائزة العالمية للرواية العربية، وهي سنوية، إلى مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر ورفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب عالمياً. وتدار شؤون الجائزة بدعم من «مؤسسة الإمارات» في أبو ظبي، وبالشراكة مع مؤسسة «جائزة بوكر» في لندن، وتعمل في سبيل منح الروايات العربية المستحقة فرصة الانتشار العالمي عبر ترجمتها إلى لغات عالمية.

وقال أحمد علي الصايغ العضو المنتدب لمؤسسة الإمارات في كلمة القاها في الاحتفال، أن مؤسسة الإمارات دعمت مبادرة إطلاق هذه الجائزة، «بكل ما تنطوي عليه من فرص لنشر الثقافة العربية، وانسجاماً مع توجهات حكومة أبو ظبي وجهودها الرامية إلى جعل أبوظبي أحد أهم مراكز الثقافة والفكر والإبداع في العالم».

وأضاف الصايغ أن الأدب الروائي العربي «يحظى بالتقدير العام ولكنه يحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي الكافي والمنتظم، بعكس الأدب الغربي الذي أتيحت له العديد من الجوائز الرئيسة التي حفزت الأدباء، والكتاب الروائيين، والناشرين، والقراء على حد سواء ما أدى إلى إطلاق هذه الجائزة الادبية الجديدة».

وشهد عشاق الموسيقى الكلاسيكية أمس أيضاً الحفلة العالمية الأولى لأوركسترا الإمارات السيمفونية في قلعة الجاهلي التاريخية في مدينة العين. وقدمت الفرقة مقطوعات تمزج بين الموسيقى الكلاسيكية العربية والغربية للمايسترو العالمي دانيال باري حظيت بإعجاب الجمهور.

وتضمن العرض الذي يأتي في الدورة الثامنة من مهرجان العين للموسيقى الكلاسيكية، مقطوعة «رمال عربية» وهي مقدمة موسيقية تضم موضوعات ونغمات عربية وخمس مقطوعات منفردة «أرابيسك» تجمع أعمالاً من تراث الموسيقى الكلاسيكية في قالب عربي. ويعتبر المهرجان الظهور العالمي الأول لأوركسترا الإمارات التي تضم عازفين من 19 دولة.

وفي اطار الزخم الثقافي الذي تشهده العاصمة الاماراتية افتتح أمس معرض أبو ظبي الدولي الثامن عشر للكتاب في مركز أبو ظبي للمعارض والذي يستمر حتى 16 من الشهر الجاري.

وأكدت شركة «كتاب» الجهة المنظمة للمعرض وهي المشروع المشترك بين هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث ومعرض فرانكفورت الدولي للكتاب، أن مساحة المعرض زادت بنسبة 25 في المئة هذا العام لتلبية طلب المشاركين الذين توافدوا للمشاركة في المعرض. وتشارك في دورة هذا العام أكثر من 150 داراً للنشر من الولايات المتحدة الأميركية والهند والصين ودول أوروبية أخرى إضافة إلى عدد كبير من دور النشر العربية و86 دار نشر محلية.وتقام على هامش المعرض فعاليات موجهة لكل الفئات العمرية تسهم في توصيل المعلومات وتعطي الكثير من الإجابات حول الأسئلة الراهنة التي قد تدور في أذهان الناس.

وستكون قمة الاحتفاليات الثقافية في أبو ظبي مساء اليوم مع توزيع جوائز الشيخ زايد للكتاب في دورتها الثانية وسط حشد كبير من الكتاب والمثقفين العرب الذين استضافتهم الأمانة العامة للجائزة في واحدة من أهم الفعاليات الثقافية العربية.

شفيق الأسدي

المصدر: الحياة