أسئلة الله
بعد بُعد عن القرآن الكريم، عدت، ولم أعد إليه لآخذ أجرًا، عدت لأنني أردت أن أعرف الله، ولم أجد كخطوة أولى إلا أن أضع يدي على المصدر الأول الذي أعتقد أنه البداية لرحلتي هذه.
فكانت بدايتي من النهاية، من سورة "الناس"، حتى أنهيت الحزب الأخير من القرآن، "حزب الستون" أو "حزب سبّح" كما يسمى، لكنه أول حزب في رحلتي، ففحصت جميع سوره التي يبلغ عددها 28، ولم أجد وسيلة حجاجية أكثر تداولًا أكثر من السؤال.
نعم الله يسأل!
لكن عندما يطرح الله سبحانه الأسئلة، ليس لأنه يريد أجوبة، ولكنه يفعل ذلك - حسب فهمي الخاص - تشجيعًا للتفكير ومساعدةً على استعمال العقل والتأمل في الظاهر والمخفي لعلنا نصل لسر من الأسرار التي يمكنها ان تكشف لنا عدة أمور عن وجودنا وعلاقتنا مع الأشياء.
حتى إن أسئلته لا تقبل التصنيف، فأرجو أن لا يتم فهم سؤال الله من وجهة نظر أيديولوجية، لأن أسئلته - كما بدا لي - أسئلة بحث، وأعتقد أن كل سؤال من هذه الأسئلة يمكن أن يشكل بحثًا مستقلًا معمقًا في المجال المناسب له، وإليكم أسئلة الله التي يبلغ عددها 30 سؤالًا في حزب واحد فقط:
أَرَأَيْتَ الَّذِي يكَذِّب بِالدِّينِ (1) سورة الماعون.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) سورة الفيل.
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) سورة الفيل.
مَا الْقَارِعَة (2) سورة القارعة.
أفَلَا يَعْلَم إِذَا بعْثِرَ مَا فِي الْقبورِ (9) سورة العاديات.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَة الْقَدْرِ (2) سورة القدر.
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) سورة العلق.
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) سورة العلق.
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) سورة العلق.
فَمَا يكَذِّبكَ بَعْد بِالدِّينِ (7) سورة التين.
أَلَيْسَ اللَّه بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) سورة التين.
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) سورة الشرح.
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) سورة الضحى.
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأنْثَى (3) سورة الليل.
وَمَا يغْنِي عَنْه مَاله إِذَا تَرَدَّى (11) سورة الليل.
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) سورة الشمس.
وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) سورة الشمس.
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) سورة الشمس.
أَيَحْسَب أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) سورة البلد.
أَيَحْسَب أَنْ لَمْ يَرَه أَحَدٌ (7) سورة البلد.
أَلَمْ نَجْعَلْ لَه عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاه النَّجْدَيْنِ (10) سورة البلد.
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَة (12) سورة البلد.
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) سورة الفجر.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعَادٍ (6) سورة الفجر.
وَأَنَّى لَه الذِّكْرَى (23) سورة الفجر.
هَلْ أَتَاكَ حَدِيث الْغَاشِيَةِ (1) سورة الغاشية.
أَفَلَا يَنْظرونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خلِقَتْ (17) سورة الغاشية.
وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رفِعَتْ (18) سورة الغاشية.
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نصِبَتْ (19) سورة الغاشية.
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سطِحَتْ (20) سورة الغاشية.
تمكنت في البداية أن أرى هذه الأسئلة عبر الشكل التالي:
- أسئلة حجاجية: مرتبطة بتصرفات الناس وتفاعلهم مع بعض، وهي أسئلة استنكارية لتأكيد أخذ العبر واكتشاف الحكمة والأسرار من مجموعة من الأحداث.
- أسئلة علمية: تقتضي تدخل العلم لدراسة فسيولوجيا الإبل، أو الأوروغرافيا لدراسة الجبال، أو الجيولوجيا لدراسة الأرض.
ولكن هل يمكن للعلم أن يجيب عن كيفية بناء السماء - لحد الآن على الأقل -؟ لذلك أعتقد أنه يمكنني أن أكتب عن بعض الأسئلة الإلهية:
- أسئلة الإعجاز: نحن نقر بنسبية العقل البشري، ولكننا في نفس الوقت نعاند ذلك، فالعلم نسبي ولذلك هو في تطور دائم، ولكن هناك ما يعجز العقل عن استيعابه - حتى الآن على الأقل -، وهي أمور كثيرة نقف أمامها بكل قوانا عاجزين عن إيجاد تفسير أو فهم شامل لها بشكل دقيق.
الوجود البشري في جوهره سؤال كبير، وهو رحلة بحث مهمة يمكن أن يجتهد فيها الجميع للوعي بالذات والعالم والكون برمته
وفي حقيقة الأمر كل هذه التصنيفات ليست أكثر ما شد انتباهي، فالبحث فيها لا يمكن أن يكون حكرًا على تخصص معرفي معين حتى لا نسقط في أدلجة المعرفة، وإنما ما ينبغي أن نفهمه هو أن تتضافر كل الجهود من مختلف التخصصات بدراسات تغني بعضها بعضًا.
وإنما ما أثار انتباهي كثيرًا هو "فعل السؤال" في حد ذاته وممارسته من الذات الإلهية، وهو ضرب في مجموعة من الاعتقادات التي تحرم الأسئلة أو تمنعها أو تقمعها، وها نحن نقف أمام تجليات كبرى للتساؤل والتفكير به ومن خلاله.
السؤال نعمة! ويمكننا استعماله في التواصل والحجاج والبحث العلمي ومختلف التخصصات الأخرى التي يعتبر فيها السؤال بوابة وبداية، حيث لا توجد أبدًا نهاية، لأننا في آخر المطاف سنجد سؤالًا آخر ينتظرنا.
يمكنني القول إن الوجود البشري في جوهره سؤال كبير، وهو رحلة بحث مهمة يمكن أن يجتهد فيها الجميع للوعي بالذات والعالم والكون برمته، فإذا كان الله تعالى يوظف السؤال في حالات متعددة، كيف يحق لإنسان أن يمنع غيره من حق السؤال؟
ومن هنا يمكننا أن نخلص إلى إشارات غاية في الأهمية لعل أهمها أن السؤال الذي يجرّنا للبحث في أي ظاهرة أو حالة أو فكرة بعيدًا عن الأحكام الذاتية هو خطوة البداية في الطريق لمعرفة الله كما هو وليس كما أخبرونا عنه.
نون بوست
إضافة تعليق جديد