إسرائيل والملك عبدالله: الحلف المريب
تحت عنوان «محادثات عبد الله السرية»، كشف المعلق الأمني لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية، يوسي ميلمان، النقاب عن طبيعة العلاقات السرية بين الأردن وإسرائيل كما جاءت في الكلمة التي ألقاها الملك عبد الله الثاني أمام عدد من أعضاء الكونغرس مطلع العام الحالي. وأوضح ميلمان أنه استند في مقالته إلى ما سبق ونشره موقع «ميدل إيست آي» حول كلام الملك عبد الله بشأن التعاون مع الجيش الإسرائيلي في مواجهة سلاح الجو الروسي العامل في سوريا.
وأشارت «معاريف» إلى أن الملك عبد الله أبلغ أعضاء الكونغرس الأميركي أنه تلقى قبل أكثر من ثلاثة أشهر اتصالاً من رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي آيزنكوت طلب منه أن يجري الأردن اتصالاً مع الجيش الروسي، وأن ينسق معه الخطوات المرتبطة بالحرب في سوريا، منعاً لخطر الصدام بين الجيشين. وقد وصلت تفاصيل هذه المكالمة الى موقع الأخبار البريطاني «ميدل إيست آي»، حيث أكد الصحافي المخضرم ديفيد هيرست لـ «معاريف» قيام الموقع بـ «فحص مصداقية الاقتباسات عن محادثة الملك مع جملة من المصادر البريطانية العسكرية والديبلوماسيين وغيرهم من الخبراء. وليس لدينا شك بصحة الأقوال».
واعتبر ميلمان أن ما قاله الملك في اللقاء وتم نشره، «يسمح بإطلالة نادرة على العلاقات الخاصة لإسرائيل مع الأردن». عملياً ـ استناداً الى ما كان معروفاً قبل ذلك، ولكن بقوة أكبر الآن ـ فإن لإسرائيل والأردن تحالفاً في المصالح المشتركة، وليس على مستوى الزعماء والقادة الكبار فحسب، بل إن قادة الجيش، كرئيس الأركان، يجرون اتصالات مع نظرائهم من الأردن في موضوع الحدود المشتركة. الدولتان، كما يُفهم من أقوال الملك، تنسقان في ما بينهما الخطوات العسكرية، وبالتأكيد في كل ما يتعلق بسوريا.
وبحسب الملك عبد الله، فإنه «بعد مكالمة آيزنكوت، اتصلنا بالروس، وبعث بوتين إلينا مبعوثاً خاصاً». ولكن قبل أن يلتقي الملك بالمبعوث الروسي، استدعى الى قصره في عمان للمشاورات رئيس الموساد، «وبحثنا في فكرة كيف نضع الروس في مكانهم». ولم يذكر الملك الموعد الذي التقى فيه رئيس الموساد، وعليه فمن الصعب أن نعرف إذا كان هذا تامير باردو ام خليفته يوسي كوهين، الذي تسلم مهام منصبه في السادس من كانون الثاني 2016، قبل بضعة أيام من زيارة وحديث الملك في واشنطن.
وأوضح ميلمان أن ملكي الأردن ـ حسين وعبد الله ـ التقيا بين الحين والآخر مع قادة الموساد، مثلما شهد في الماضي شبتاي شافيت، افرايم هاليفي وداني ياتوم. يمكن التقدير بأن القصر الملكي في عمان لم يكن غريباً أيضاً على مئير دغان، الذي توفي الشهر الماضي. العلاقات الخاصة مع الأردن بشكل عام، ومع الملك بشكل خاص، هي ذخر هام للموساد، مثلما هي لباقي جهاز الأمن والجيش الإسرائيلي، منذ الستينيات، قبل عقود من توقيع الدولتين على اتفاق السلام في 1994.
وبحسب الملك الأردني، «عندما نتحدث عن جنوب سوريا، فإننا (المقصود الأردن وإسرائيل) نتحدث بشكل مشترك». بتعبير آخر، فإنه عندما تنسق إسرائيل المواقف مع روسيا، فإنها لا تفعل ذلك باسمها فقط، بل وأيضاً باسم الأردن، وبالعكس. عندما يتحدث الملك عن ذلك مع الروس فإنه «يتحدث باسم الإسرائيليين»، على حد تعبيره.
وفي لقائه مع أعضاء الكونغرس، كشف الملك الأردني النقاب عن أن الطائرات الحربية الروسية حلقت في الجو للمراقبة والتجسس على منظومات الدفاع الإسرائيلية. هنا تجدر الإشارة الى أن رئيس الهيئة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال عاموس جلعاد كشف النقاب، قبل شهر ونصف من زيارة الملك الى واشنطن، عن معلومات تتسم الآن بأهمية إضافية. فقد قال جلعاد في حينه إن طائرات حربية روسية تسللت إلى الأراضي الإسرائيلية. وبحسب جلعاد، خلافاً للرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي أمر سلاح الجو في بلاده بإسقاط طائرة روسية، وفي أعقاب ذلك تورط مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قررت إسرائيل تجاهل إهانتها وخرق سيادتها.
ومع ذلك، يقول الملك عبد الله إن أحداث تسلل طائرات روسية الى الأراضي الإسرائيلية واقترابها من حدود الأردن لم تمر بلا رد. وروى أنه في إحدى الحالات، اقتربت طائرات قتالية روسية من حدود إسرائيل والأردن، ولكن هذه المرة «واجهت طائرات قتالية إسرائيلية وإردنية من طراز إف 16 عملت بشكل مشترك في المجالين الجويين لإسرائيل والأردن». وبحسب التقارير، أشار عبد الله الى أن «الروس صُدموا وفهموا بأنهم لا يمكنهم أن يستفزونا» (أي إسرائيل والأردن).
وكانت نُشرت في الماضي تقارير في وسائل الإعلام الأجنبية عن التعاون بين سلاحي جو الدولتين. وبحسب أحد التقارير، فبسبب المساحة الصغيرة لإسرائيل، يُسمح لطائرات سلاح الجو لديها بالطيران والتدرب بمحاذاة سماء الأردن. وقبل بضعة أسابيع، نُشِر بأن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي والأردني حلقت معاً في مناورة مشتركة في الولايات المتحدة، وفي الطريق شحنت طائرات إسرائيلية الطائرات الأردنية بالوقود. ولكن هذه هي المرة الأولى التي يُكشف فيها في منشورات أجنبية أن مصدراً على هذا المستوى والصلاحية مثل ملك الأردن يكشف النقاب عن أن سلاحي جو الدولتين يعملان بتنسيق ميداني وثيق بهذا القدر. وتشير هذه المنشورات الى عمق وجودة التعاون العسكري بين الدولتين.
وأوضح الملك الأردني: «لا أريد أن أكون معتذراً عن الروس وشارحاً لهم. ولكن في منطقة الحدود الإسرائيلية ـ الأردنية، تعمل مجموعة أردنية من القاعدة ولا يمكننا أن نعمل ضدهم إذا لم ننسق مع الروس». ومع ذلك، على حد قوله، «في كل الأحوال توجد مشكلة في العمل ضد جبهة النصرة لأن إسرائيل تغض النظر عنهم لأنها ترى فيهم قوة تعارض حزب الله». وينبغي التشديد على أن مصادر أمنية إسرائيلية تؤكد المرة تلو الأخرى بأن ليس لها أي علاقة، مباشرة أم غير مباشرة، مع «جبهة النصرة»، ولكن أقوال الملك تضع هذا النفي قيد الشك.
ويشكل كلام الملك عبد الله أمام أعضاء الكونغرس أوضح شهادة عن حجم المشاركة الأردنية في العمليات العسكرية في أنحاء العالم. فبالتعاون مع بريطانيا، تم إرسال مروحيات «فوما» للمشاركة مع الجيش الكيني في محاربة منظمة «الشباب» الصومالية. وشرح أن القوات الخاصة الأردنية تؤدي دوراً هاماً في عمليات سرية مع الوحدات البريطانية المتفوقة «اس.أي.اس» في الحرب ضد تنظيم «داعش» في ليبيا. وشرح قائلاً إن «جنودنا يعرفون الواقع العربي لليبيا».
وبحسب صحيفة «الغارديان» وموقع «ميدل إيست أي»، فإن تسريبات «شهادة» الملك عبد الله أمام الكونغرس كشفت أنه تطرق إلى السياسة التركية، معتبراً أن «إردوغان يؤمن بحل إسلامي راديكالي لأزمات المنطقة، وأن حقيقة أن الإرهابيين يصلون إلى أوروبا هي جزء من سياسة تركيا».
وبحسب التسريبات أيضاً، فقد وصف ملك الأردن «التحالف الإسلامي» الذي أنشأته السعودية بأنه «محدود الفعالية».
أمس، نفى مصدر في الديوان الملكي الأردني صحة الكلام المنسوب للملك عبد الله حول التحالف الإسلامي بأنه محدود الفعالية والنتائج، وأن انضمام بلاده ودول أخرى إليه جاء لأنه «غير ملزم».
ونقلت وكالة «بترا» عن المصدر قوله «إن ما تم تناقله مؤخراً من بعض وسائل الإعلام وما نُسب إلى الملك عبد الله الثاني بصورة مشوهة يهدف إلى الإساءة إلى الأردن وعلاقاته مع دول شقيقة وصديقة»، مؤكداً «اعتزاز الأردن بعلاقاته التاريخية الراسخة مع السعودية ووقوفه الدائم إلى جانبها في مختلف الظروف».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد