اتصالات سورية فرنسية لحلحلة الأزمة اللبنانية
تلقى وزير الخارجية وليد المعلم اتصالين هاتفيين من الأمين العام لرئاسة الجمهورية الفرنسية كلود غيان بعد يوم من إعلان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وقف الاتصالات الدبلوماسية مع سوريا بشأن الملف اللبناني.
واختلفت الروايتان السورية والفرنسية حول ما دار في هذه المحادثات التي تأتي مع استمرار الأزمة السياسية اللبنانية بعد فشل الحكومة المدعومة من الغرب وجماعات المعارضة المدعومة من سوريا وإيران في التوصل إلى حل لأزمة لبنان السياسية وانتخاب رئيس توافقي.
فبينما أعلنت وكالة الأنباء (سانا) أنه "استمرار للجهود السورية الفرنسية، فإن غيان اتصل بالمعلم مرتين بهدف إيجاد حل توافقي للأزمة السياسية في لبنان يضمن تحقيق الأمن والاستقرار فيها"، قال ديفد مارتينون المتحدث باسم ساركوزي لوكالة رويترز إن المحادثة جاءت بالتوازي مع إعلان ساركوزي في القاهرة أنه طلب من حكومته وقف اتصالاتها مع سوريا بشأن لبنان حتى "تبدي دمشق أمارة حسن النية ويتم انتخاب رئيس لبناني مدعوم من الأغلبية"، مؤكداً أن غيان أخبر المعلم أنه سيتم وقف الاتصالات بينهما.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد أكد في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري حسني مبارك في ختام مباحثاتهما الرسمية التي جرت الأحد بالقاهرة، أن بلاده لن تجري أي اتصال مع سوريا ما لم تظهر هذه الأخيرة "بالأفعال لا بالأقوال" رغبتها في انتخاب رئيس توافقي في لبنان.
وفي المقابل وصف وزير الإعلام محسن بلال في حديث مع التلفزيون الرسمي السوري هذه التصريحات بأنها "مفاجئة"، مضيفاً أن دمشق "تعمل مع فرنسا للتوصل لاتفاق حول رئيس يمثل كافة اللبنانيين".
وتنفي سوريا تدخلها في الانتخابات اللبنانية وتتهم فرنسا بالعمل عن قرب شديد مع الولايات المتحدة للتلاعب بالعملية السياسية اللبنانية من أجل مصلحتها الخاصة، وهي اتهامات تنكرها واشنطن.
ولا يزال لبنان بدون رئيس منذ 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق إميل لحود، حيث فشلت الأطراف في التوصل إلى الاتفاق على سبل انتخاب رئيس جديد، وقد تم تأجيل جلسة الانتخاب التي كانت مقررة السبت الماضي للمرة الحادية عشرة إلى منتصف يوم 12 يناير/كانون الثاني الجاري.
هذا وقد أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مؤخرا بشأن الدور السوري في الانتخابات الرئاسية اللبنانية جملة متناقضة من المواقف، سواء في لبنان ذاته أو في بعض وسائل الإعلام العربية والدولية.
وفهم البعض جملة ساركوزي عن اشتراط اقتران "الأفعال بالأقوال" للتنسيق مع دمشق، بأن ذلك استبعاد لسوريا عن التدخل بتحديد مستقبل من سيجلس في قصر بعبدا، بينما قرأ آخرون تصريح ساركوزي على أنه حث لدمشق كي تعود إلى ممارسة دور في لبنان.
ورأت تحليلات أخرى أن ما أخفته تلك التصريحات هو أكثر مما قالته، وأن لهجة ساركوزي القاسية ظاهريا يقصد بها مد جسور قد تغير الخريطة الإقليمية عبر ممارسة الضغط على سوريا لتغيير تحالفاتها الإستراتيجية في المنطقة، والعودة إلى المحيط العربي والمجتمع الدولي بشرط فك ارتباطها مع إيران، وذلك في مفارقة تاريخية حيث تكون لبنان جسر العودة السوري الى العالم بعد أن أخرج الجيش السوري من هناك بقرار أممي عام 2005.
ويستدل أصحاب هذا الرأي على ذلك بأن دعوة عربية أخرى صدرت في المكان ذاته الذي أطلق ساركوزي فيه تصريحاته عندما كان يتحدث في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري حسني مبارك، الذي دعا بدوره سوريا إلى ممارسة نفوذها على الأطراف اللبنانية لانتخاب رئيس.
يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني عقاب صقر أن تصريحات الرئيس الفرنسي هي من حيث المبدأ اعتراف بأهمية دور سوري "محدود" في لبنان، وليس إشارة إلى عودة سورية لاستلام الملف اللبناني بالكامل كما كان الحال قبيل خروج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية.
وأوضح الكاتب عقاب أن تلك التصريحات تهدف إلى تحميل دمشق مسؤولياتها تجاه المحيط والمجتمع الدولي، وكذلك طمأنة سوريا بأن دورها المحدود في لبنان هو موضع رعاية دولية وعربية "شرط أن لا يتحول ذلك إلى معيق للعملية السياسية اللبنانية أو يقود إلى احتكار مفاتيح تلك العملية".
ورجح عقاب أن أوروبا عموما وفرنسا على وجه الخصوص ترحب بدور سوري بسبب "وجود مشكلة حقيقية في سد فراغ الرئاسة اللبنانية". وأشار إلى أن ثمة اتفاقا عربيا ودوليا على أهمية الدور السوري في ذلك، حيث تهدف السياسة العربية إلى إشراك سوريا بمسألة الرئاسة اللبنانية بصفتها مدخلا رئيسا يعيد دمشق إلى الحاضنة العربية.
وأوضح الكاتب اللبناني أن الموقف العربي يلتقي في هذا الصدد مع السياسة الأميركية، حيث تسعى واشنطن إلى رؤية موقف سوري بعيد عن إيران، بما يضمن في نهاية المطاف عودة دمشق إلى المحيط العربي والمجتمع الدولي بعيدا عن تحالفها مع الجمهورية الإسلامية.
من ناحيته قلل عماد فوزي شعيبي رئيس مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية بدمشق من شأن تصريحات الرئيس الفرنسي ووصفها بأنها "لا معنى لها"، لأن " السوريين لا يتعاملون تحت الضغط، فهذا ليس واردا في السياسة السورية".
وقال شعيبي إن الانتقال من الحوار المباشر ودبلوماسية السفارات إلى دبلوماسية الإعلام سيدفع دمشق إلى مزيد من الحذر وعدم الاستجابة، لأن العمل السياسي ميدانه السفارات وليس الإعلام حسب تعبيره.
وأضاف شعيبي أن اختيار ساركوزي "لعب دور الصقر بينما يلعب وزير خارجيته كوشنر دور الحمامة"، يرسم سياسة لن تكون مقبولة من قبل دمشق، لأنها تذكر بالسياسية الأميركية التي فشلت بتحقيق شيء إبان ذروة إمكاناتها التي أعطيت لها بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري حسب قوله.
وقال شعيبي "يجب أن يفهم الفرنسيون أن الضغط على السوريين بهذه الطريقة لن يأتي بأي نتيجة". واتهم شعيبي الإدارة الأميركية بعرقلة توافق فرنسي-سوري سارت دمشق نحوه فيما سبق.
وأضاف أن الفرنسيين يعرفون ذلك، "فلماذا يرفع الصوت الآن على دمشق" وأكد أن ذلك يوحي بسلبية السياسة الفرنسية وعدم مصداقيتها، ما يدفع دمشق إلى الحذر الدائم.
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد