اجتماع دول جوار العراق في دمشق: الأزمة بين التضليل وسوء النوايا

09-08-2007

اجتماع دول جوار العراق في دمشق: الأزمة بين التضليل وسوء النوايا

الجمل:      استضافت العاصمة السورية دمشق اجتماعاً مشتركاً بين دول الجوار العراقي، شاركت فيه بالإضافة إلى سورية كل من: إيران، تركيا، الأردن، والكويت، وقد تغيبت عن حضور الاجتماع المملكة العربية السعودية.
الاجتماع الذي جرى في العاصمة السورية دمشق بالأمس، تحديداً هو اجتماع اللجنة الأمنية المعنية بالتنسيق والتعاون حول العراق، والتي انبثقت عن اجتماعات شرم الشيخ المصرية.
الأطراف الأخرى التي شاركت في اجتماع دمشق هي: مصر، والبحرين، إضافة إلى سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا.. أما غياب المملكة العربية السعودية وتخلفها عن الحضور باعتبارها من دول الجوار العراقي، فقد فسره المراقبون على أنه بسبب تزايد الاتهامات الموجهة ضد السعودية في دورها بدعم تسلل المسلحين وحركات التمرد السنية العراقية.
• أزمة أمن العراق بين التضليل وسوء النوايا:
ظلت الإدارة الأمريكية ومن ورائها حكومة نوري المالكي المنصبة أمريكياً تكثران الأحاديث والتصريحات عن أزمة استقرار العراق، على أساس اعتبارات أن حالة انعدام الأمن السائدة حالياً في العراق هي بسبب تسلل المسلحين الأجانب الذين يقومون بأعمال المقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال الأمريكي وحلفائها العراقيين، ومن بين دول الجوار الإقليمي العراقي الستة، اختارت الإدارة الأمريكية ومن ورائها حكومة المالكي دولتان هما: سورية والسعودية باعتبارهما مصدر العناصر المتسللة وإمدادات الأسلحة.
قيام إدارة بوش بتحديد سورية والسعودية وبقدر أقل إيران باعتبارهم المسؤولين عن عدم أمن العراق، هو تحديد لم يأت اعتباطاً، بل يستند إلى خارطة الطريق الأمنية- العسكرية التي بدأت إدارة بوش تطبيقها بعد إكمال قواتها لعملية غزو واحتلال العراق.
• الطبيعة الأمنية للأزمة العراقية ونظرية الأمن القومي:
الطريقة الرديئة التي تتحدث بها الإدارة الأمريكية عن الأزمة العراقية، وما يعقبها من قيام نوري المالكي ووزرائه بالترديد والقيام بدور الكومبارس، لا يمكن القول بأنها طريقة عن جهل الإدارة الأمريكية بالأساسيات النظرية لمبادئ علوم الأمن القومي، فالمؤسسات والجامعات ومراكز البحوث الأمريكية عريقة في هذا الشأن، وإنما هي طريقة تفضح وتكشف سوء النية والقصر، والتمادي لصنع وتزويد الوقائع وسيناريوهات الذرائع من أجل التحرش بالآخرين.
ولتوضيح ذلك نقول: إن الأزمة الأمنية، أياً كانت، ترتبط بالتهديدات والمخاطر، وتنقسم التهديدات والمخاطر جهوياً إلى مخاطر وتهديدات داخلية وخارجية، ونوعياً إلى مخاطر وتهديدات اقتصادية، سياسية، اجتماعية، عسكرية، أمنية....الخ، وبحسب الأهمية تنقسم إلى مخاطر وتهديدات أولية رئيسية، وأخرى ثانوية.. وهناك رصيد كبير من التصنيفات التي أشارت إليها في هذا الخصوص الكتب المختصة بـ(نظرية الأمن القومي) وتطبيقاتها في توصيف وتحليل الأزمة العراقية.
• أولاً: توصيف الأزمة الأمنية العراقية:
تأسيساً على معطيات نظرية الأمن القومي التي يعرفها الأمريكيون جيداً باعتبارهم من قاموا باختراعها، ويقوم مجلس الأمن القومي الأمريكي بتطبيقها حرفياً، نقول: إن الإسقاط الحرفي لذلك على حالة الأزمة العراقية، يفيد بأن أمن العراق يتعرض للمهددات الآتية:
- مهددات عسكرية: تتمثل في وجود 160 ألف جندي أمريكي، إضافة إلى ضعف هذا العدد من الخبراء والمتعاقدين وعملاء كل وكالات الأمن القومي الأمريكي، ويضاف إلى ذلك وجود عشرات الآلاف من قوات حلفاء أمريكا: بريطانيا، كندا، وغيرها، والتي تقوم بدعم الاحتلال العسكري الأمريكي.
ويندرج في إطار المهددات العسكرية الميليشيات المسلحة التي تقوم سلطات الاحتلال العسكري الأمريكي برعايتها وتبنيها، إضافة إلى قوات الأمن التابعة لحلفاء أمريكا العراقيين ممثلين في نوري المالكي ووزرائه، وميليشيات البشمركة الكردية التي لعبت دوراً كبيراً مع عناصر المؤتمر العراقي التابعة لأحمد الجلبي، في القيام بدور الطابور الخامس لمساندة الغزو والاحتلال الأمريكي الذي مازال مستمراً.
- مهددات أمنية: وتتمثل في قيام الأمريكيين والإسرائيليين وحلفائهم وعملائهم بعملية الاختراق والتغلغل الواسع النطاق في القوام المؤسساتي الوطني العراقي، على النحو الذي أصبحت فيه عملية صنع واتخاذ القرار العراقي تتم حصراً داخل السفارة الأمريكية في بغداد.
- مهددات اقتصادية: وتتمثل في سيطرة أمريكا –دون حلفائها- على النفط العراقي، وعلى بقية مفاصل الاقتصاد العراقي مثل الإنتاج والصادرات والواردات وتدفقات رأس المال المباشرة، وغير المباشرة، ويندرج ضمن هذه المهددات مشروع تقسيم موارد وعائدات النفط العراقي الذي تسعى سلطات الاحتلال الأمريكي لتمريره حالياً.
- مهددات سياسية: وتتمثل في استقبال المؤسسات الوطنية العراقية، وإقامة مؤسسات تتولى بالوكالة عن أمريكا القيام بتوفير الغطاء للتوجهات الاستعمارية الأمريكية، على النحو الذي يجعل هذه  التوجهات كأنما هي صادرة عن (الإدارة الوطنية العراقية) التي تم استئصالها شكلاً ومضموناً.
كذلك يندرج ضمن المهددات السياسية مشروع تقسيم العراق الذي جرى وضع سيناريوهاته بواسطة خبراء اللوبي الإسرائيلي في معهد المسعى الأمريكي، مثل اليهودي الأمريكي روبرت كاغان، ومايكل لايدن، وغاري روبين، وغيرهم من أنصار الليكود الإسرائيلي داخل أمريكا.
- مهددات اجتماعية: وتتمثل في الفتنة الطائفية- الاثنوسياسية التي قام خبراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي وجهاز إم.اي-6 البريطاني بزراعة بؤرتها ورعاية نموها وتطورها على النحو الذي أدى إلى تفشي الصراع الأهلي الدامي في العراق، ومن أبرز ما قامت به هذه الأجهزة من إنجازات تمثل في فرق الموت العراقية التي وضع مخططها جون نيغروبونتي السفير الأمريكي السابق في العراق، بالتنسيق مع اليهودي الأمريكي الجنرال غاردنر القائد السابق لقوات الغزو الأمريكي، والذي تقلد منصب الحاكم العسكري للعراق بعد الاحتلال، وقام حصراً بإعداد مسودة الدستور العراقي، الذي يقوم بالسير على هديه وأقسم على حمايته نوري المالكي ووزرائه، وأعضاء البرلمان الذين دعم انتخابهم سلطات الاحتلال الأمريكي، وقام بفحص طلبات ترشيحهم بواسطة السفير الأمريكي زلماي خليل زاده قبل أن يوافق عليها.
ويتعرض المجتمع الأمريكي حالياً لمخطط أمريكي- إسرائيلي كبير يهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي، وإشعال حرائق العداء بين الفئات المجتمعية العراقية الرئيسية الثلاث: الشيعة، السنة، والأكراد، إضافة إلى الأقليات العراقية الصغيرة مثل التركمان، الآشوريين، والكلدانيين، والصابئة..
• ثانياً: تحليل الأزمة الأمنية العراقية:
تقدم نظرية الأمن القومي -التي وضع أسسها الأمريكية- الكثير من الأدوات والوسائل، ومناهج التحليل الخاصة بدراسة (الظاهرة الأمنية) دراسة علمية، وتأسيساً على ذلك نقول: إن الأزمة الأمنية العراقية تتمثل بالخصائص الآتية:
- مصادر التهديد الرئيسية: تتمثل في إسرائيل، اللوبي الإسرائيلي، جماعة المحافظين الجدد، وبدرجة أقل الإدارة الأمريكية الحالية، وذلك لأنها تقوم بدور الـ(متغير التابع) في مفردات المعادلة التي تقوم إسرائيل واللوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد بدور الـ(متغير المستقل) فيها، ويندرج ضمن مصادر التهديد الشركات النفطية الأمريكية، وشركات السلاح الأمريكية، أو اختصاراً ما يعرف بـ(المجتمع الصناعي- العسكري) الأمريكي الذي يؤثر على عملية صنع واتخاذ القرار الأمريكي، والفصائل الكردية السياسية العراقية.
- مصادر التهديد الثانوية: وتتمثل في حلفاء أمريكا مثل: بريطانيا، ومجموعة المعتدلين العرب، ونوري المالكي ووزارئه، والقوى السياسية العراقية التي تنخرط في مجرى ما يعرف بـ(العملية السياسية) العراقية، التي وضع سيناريوهاتها معهد المسعى الأمريكي والسفير زلماي خليل زاده.
ويضاف إلى مصادر التهديد الثانوية كل من مجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، والتي تدعم بطريقة أو بأخرى الاحتلال العسكري الأمريكي.
والآن بناء على ما سبق، نعيد طرح السؤال: من المسؤول عن تهديد أمن العراق؟ وما هي الأساليب العلاجية والوقائية لحماية أمن العراق؟
إن منطق الإدارة الأمريكية الحالي إزاء أمن وعدم استقرار العراق، يشبه إلى حد التطابق مع منطق من يحاول القضاء على الدخان دون إطفاء النار التي تشكل مصدره، ويتمثل منطق التحرش الذي يصل إلى حد الـ(وقاحة) في مزاعم المسؤولين الأمريكيين ومن ورائهم نوري المالكي ووزرائه في تحميل سورية والسعودية المسؤولية عن (الفوضى الخلاقة) التي أحدثتها عملية الغزو والاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، تحت مبررات وذرائع اعترف بوش ونائبه ديك تشيني، بأنها كانت كاذبة وغير صحيحة.
النوايا والمقاصد الأمريكية السيئة إزاء استقرار ومستقبل العراق، مازالت تصدر بشكل متواتر، حتى من مراكز الدراسات الاستراتيجية، وقد  أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريراً عن مستقبل الاحتلال الأمريكي في العراق تحدث عن ضعف المبررات التي تستخدمها الإدارة الأمريكية في مطالبة الآخرين بالمزيد من الصبر والاحتمال لاستمرار وجودها في العراق.
وتخلص الدراسة إلى أن كل حسابات (الفرص) و(المخاطر) تؤكد بأن الوجود الأمريكي العسكري والسياسي وكامل عملية الاحتلال تمضي ضمن مسار واحد يؤدي إلى خسارة كل الفرص، والوقوع في كل المخاطر، ووفق أسوأ الحسابات المفترضة على السواء بالنسبة للعراقيين أو الأمريكيين.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...