اسامة يونس يفتح النار على الجميع (2-2)
منذ فترة أحاول تجميع بعض ما ينشر على المواقع الإلكترونية السورية من تعقيبات يفترض أن كتابها مواطنون "عاديون"... والحقيقة أن ليس لدي أي دليل على عكس ذلك... سوى بعض التساؤلات...
بداية... كنت أنوي المضي بهذا الموضوع بمنهج تحليل المضمون، عبر اختيار عينة من موقعي: شام برس، لصاحبه علي جمالو، وسيريا نيوز لصاحبه نضال معلوف، لكن اعتقال الكاتب ميشيل كيلو... ثم المحامي أنور البني... دفعني إلى أن أنشر بعضاً مما يحفل به هذين الموقعين ...خاصة أن كيلو، وغيره من المثقفين السوريين، كان "مستهدفاً" منذ زمن بعيد فيهما
***
أمثلة: (وأنشر التعقيبات كما وردت تماماً.. بأخطائها الإملائية التي أعتقد أن لها دلالة... جنائية!)
(مع شديد الاعتذار من الكاتب ميشيل كيلو والمحامي أنور البني والقراء لأنني سأضطر إلى إعادة نشر الشتائم، فلا مفر من ذلك في هذا المقام)
بتاريخ 25\10\2005
نشر موقع شام برس مقالة لشخص فليعذرني إن قلت إنه لا يرقى إلى مستوى ميشيل كيلو على الأقل من حيث التواجد على الساحة السياسية، المقال يمجد مظاهرة غضب ضد الإمبريالية، ويقول الأخ صلاح منصور في مقالته:
"ولعل الامر الوحيد الذي عكر علينا متعة المشاهدة (متعة التفرج على المسيرة) كان صوت ميشيل كيلو عبر قناه الجزيرة والذي اصر ان يطل علينا مغرداً خارج السرب كعادته"
والسؤال البسيط: إن كان منصور "يستمتع" بمشاهدة المظاهرة ويتغزل بها... لماذا كان يتابعها عبر الجزيرة؟ ولماذا لم يتحرك عن مكتبه، ويشارك "الجماهير" غضبتها؟؟ أم أنه أرفع مستوى من هذه الحشود؟؟
في التعليقات على هذه المادة كتب شخص تحت اسم "نبيل" وبعنوان: "معارضة؟؟؟؟" كتب ما يأتي:
" ان المتابع لتصريحات ما سمون انفسهم بالمعارضة بسوريا خلال الازمة الاخيرة يعرف كم من الاحقاد الدفينة لديهم..يعرف انه كان من اصواب سجنهم لا بل كان من الافضل لو تم اعدامهم وخلصنا منهم"
وبتاريخ 1ـ2ـ2006
أعاد علي جمالو نشر مادة منشورة في صحيفة البيان بعنوان: "المعارضة السورية تنتقد «حفلة» شتم خدام في البرلمان"
ومن التعليقات:
"لعنة الله عليك وعلى أمثالك يا ميشو غرام وعلى كل المعارضة اللي معك"
وفي 22ـ12ـ 2005 نشرت سيريا نيوز مادة لكيلو حول تقرير ميليس (وهو واحد من أوجاع السياسة السورية) وسمح نضال معلوف بنشر التعليق الآتي:
"توقف عن الكتابة يا نص
عيب عليك هذه العمالة ... لك أنت واحد سيء"
وفي تعليق آخر تقول "مواطنة" ـ هذه المرة ـ بوجع حريري أيضاً:
"منيح ما استدعوك للتحقيق كنت ابدعت ويمكن بلا مصاري الله يحمي هالوطن من الصغار" بتوقيع لارا... ومن يدري... أية لارا؟؟
وغني عن القول إن أكثر بلاد الدنيا في حرية الإعلام تعاقب على التعرض للاشخاص بالشتائم.
بعد اعتقال كيلو واصل جمالو والمعلوف نشر تعليقات، أقل ما يقال فيها أنها تتطلب رفع دعاوى قضائية بحقهما:
منها:
شام برس: نشرت هذا التعليق "لمدمن" على المخابرات، بعنوان كأنه يحن إلى زمن ما، يقول: "من زمان تفيق هاالمخابرات"
وفي التفاصيل يقول بوجع حريري أيضاً:
"الله يلحق خدام وجنبلاط والصهيونى الاصلع ليعد لسجنه جعجع الذى وصفنا بالعدو من امامكم والبحر من وراءكم وتضع يدك مع هؤلاء ياكيلو....شكرا يامخابراتنا ونرجوا أن لاتخرجوه من وكره"
ملاحظة: لا أعتقد أن هناك مواطناً سورياً عاقلاً يعتقد أن المخابرات نائمة، لكن عناصر المخابرات هم الذين اعتقدوا أن صلاحياتهم تقلصت!!
أما سيريا نيوز:
فنشرت تعليقاً هو "بالمصادفة البحتة" يتطابق ذهنياً مع التفكير المخابراتي:"إضعاف الأمة..." "شعبي..." "الإشارة الموجعة إلى اغتيال الحريري"
يقول شخص ما بتوقيع: "دمشقي":
"نطالب بسجن كيلو مدى الحياة
انا مع اعتقال ميشيل كيلو,فهو سيتم تقديمه للقضاء.انه اهان سوريا والسوريين,وتحدث ببيانه عن ادانات كامله لسوريا, (لا أدري إن كان الدمشقيون قرؤوا البيان في صحيفة تشرين مثلاً!) فالحق لسوريا تقديمه للقضاء,لأنه اضعف موقف بلد وشعب.البعض يصور نباء احتجازه اعتقالا سياسيا,ولكنني كمثقف سوري أرى كيلو سياسي لبناني بامتياز,فهو ببيانه اهانني واهان بلدي وشعبي,وسيساعد كلامه سياسي لبنان واميركا على القول بان السوريين اعترفوا بجريمتهم"
***
أشير هنا أن المعلوف سطر مقالة عنيفة لمجرد أن وزارة الإعلام ومؤسسة الاتصالات عرقلتا له مشروعاً "اقتصادياً" ـ خدمة الرسائل الإخبارية عبر الهاتف الجوال ـ فكان رد فعله أن نشر بالتفصيل الممل... ما جرى... متوعداً في نهاية مقالته بأن "يشتم" هؤلاء... حرفياً يقول:
"وسنكون قريبا على جوالكم .. حتى ولو هبطنا من السماء .. في رسائل اخبارية ( بريئة ) .. اعدكم باني سانهي كل منها بشتيمة .. خارج الرقابة .." وهو طبعاً لم يشتم... حتى لو خارج الرقابة... فالذين يهددهم هنا... يدهم أطول من أيادي المثقفين السوريين جميعهم، والأهم أن الرجل يعتقد أن الشتائم وسيلة إعلامية!
والطريف أيضاً أن المعلوف أجهد نفسه مرة في كتابة اعتذار من القراء:
"تعتذر إدارة سيريانيوز من جميع قرائها على بعض التعليقات المسيئة التي كتبت على خبر استقبال السيد الرئيس لسمو الامير كريم آغا خان الزعيم الروحي للمسلمين الاسماعيليين. وتلتمس من السادة القراء عفوهم عن بعض الأخطاء التي وردت من خلال بعض التعليقات المنشورة ، وتعد السادة القراء بان يتم التحقيق في سبب هذا الخلل ومعاقبة المسؤول.... سيريانيوز تعتبر أي اساءة لفرد او جماعة او طائفة او عرق ، هو اساءة لكل السوريين واذى يطال كل الوطن " (21ـ3ـ2006)
لكن السيد المحقق... لم يحقق ليعرف ـ إن كان يجهل ـ كيف وصلت تعليقات كان آخرها ما يأتي، تعقيباً على خبر اعتقال المحامي أنور البني، وبعنوان: الله والشعب معك:
"السلام عليكم أنا مواطن بحب بلدي وكلو خوان مع الأرميكان يجب أن يعتقل من زمان" (17ـ 5 ـ 2006)
هامش: العبارة ذاتها قالها مرة العميد رفيق شحادة مدير فرع الأمن السياسي بدمشق، بعد أن اتصلت به سكرتيرة مدير عام مشفى المواساة، لتشكوني إليه حين كنت في حوار (غير ودي) مع المدير... فقال: "والله كان لازم نعتقلو من زمان" وكنت قبلها بأيام في "ضيافتهم" بعد العدد الأخير من صحيفة الدومري.
لا أدري لماذا يرتكب أغلب كتاب هذا النوع من التعليقات.. أخطاءً نحوية وإملائية تكاد تبدو وكأنها متعمدة، (لهذا حرصت على نقل التعقيب كما ورد تماماً)
أما جمالو والذي على ما يبدو لم يشف بعد من: "يا لتارات الجزيرة"، ففي سابقة لها بعض الدلالات، ولأول مرة على ما أعتقد في تاريخ سوريا يقوم مجموعة من المثقفين المعروفين في البلاد ـ كان بينهم ميشيل كيلو والدكتور عارف دليلة المعتقلان حالياً ـ بتوقيع بيان موجه إلى إدارة قناة الجزيرة يطلبون فيه منها إعادة النظر في تعيين جمالو مراسلاً لها في دمشق.
حدثٌ كان غريباً ودالاً... فالمحتجون لم يكونوا مسؤولين ينعمون بسيارات المرسيدس الذين أقلقهم هذا المراسل، بل.. مجموعة مثقفين لا يملكون سوى الكلمة... والتهديدات بالسجن.. وهكذا تجد "حرية التعبير" على موقعه في "أبهى" صورها: شتائم ليس آخرها ما يأتي:
"شكراً للأمن ........
شكراً لقوات الأمن السورية لأن هذا الشخص وقح للغاية ( يقصد كيلو) ويستحق الإعدام هو وكل شخص لا يحب سورية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الله يحميكي يا سورية ونحنا كلنا فداك"
وطبعاً ربما يلاحظ القارئ أن المتداخلين يكتبون وكأنهم واحد!! الانفعال ذاته، والموقف عينه، بل حتى العبارات تكاد تتطابق.
****
كما يقال: هذا غيض من فيض... وثمة ملاحظة:
لنفترض أن هناك شخصاً ما لا يعرف سوريا إلا من خلال سيريا نيوز، وشام برس... ماذا ستكون تصوراته عن شعب سوريا؟
أجتهد بإجابة أعتقد أن أي بحث سيثبتها:
المتابع لما ينشره الموقعان، خاصة منذ اغتيال الحريري... وإن سلّم سلفاً أن التعليقات تعكس رأي السوريين فعلاً فإنه سيتوصل إلى حقيقة مفادها ـ وأكرر: لو كانت التعليقات تعكس رأي السوريين فعلاً ـ أن هذا الشعب "فقد صوابه" منذ بدأ مسلسل فقدان "الجنة" اللبنانية.
المواطن السوري، كما تنعكس صورته على هذين الموقعين، هو: كائن انفعالي.. يكن كرهاً شديداً للبنان... وجنبلاط بشكل خاص، له "بعض" العتب على بعض المسؤولين الذي لا يتصرفون كما تريد القيادة...يفدي قيادته الحكيمة بالروح والدم.. ومن أعدائه أيضاً: عبد الحليم خدام، وصدر الدين البيانوني، وميليس... لكنه لم يتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً بعد بشأن براميرتس... يكره "الحئيئة" كما يتكرر كثيراً على هذه المواقع كلما كان الموضوع على صلة بالجنة الضائعة.
قاموسه السياسي.. مشتق بالكامل من الوزير الدائم فاروق الشرع، ثم من وليد المعلم... شعاره: لم يعد "أمة عربية واحدة..."بل: "سورية الله حاميها.." وعلى رأي أحد أصحاب التعليقات الطريفة: "وبالفساد باليها.."
لا أقول على الإطلاق إن رجال رستم غزالة.. يعملون محررين في الموقعين، لكن أشير فقط إلى هذا التطابق في الرؤىليس مستغرباً ..كما لا أستغرب أن يطالب سبعة وتسعين في المئة من السوريين بإعدام مثقف، لم يفعل سوى أن قال: أريد أن أفكر.
***
الصحافة الإلكترونية تحاول الآن إعطاء بعض "الصدقية" لمسيرة الشتائم والاتهامات التي بدأتها الصحافة الرسمية فاقدة الصدقية... ومن مفارقات القدر... وطرائف حياة الإستزلام في سورية... أن أشخاصاً مجهولين، كانوا في ـ وربما سيعودون إلى ـ العتمة، استطاعوا بكل رشاقة اتهام رجل بوزن الدكتور عارف دليلة، بأنه "مريض" (نـُشر ذلك على الصفحة الاقتصادية في تشرين، وكانت المناسبة أن دليلة وجه بعض الانتقاد إلى الصحافة الاقتصادية، خلال محاضرة أفتى فيها مدير مؤسسة المعارض بأن يكون رئيس الصفحة الاقتصادية في تشرين سابقاً... ورئيس تحرير صحيفة الثورة.. حتى النصر حالياً... محاضراً عن الصحافة الاقتصادية)
وأذكر أن أول انتقاد علني لكيلو في صحيفة سورية هو ذلك الذي نشرته صحيفة الحزب الشيوعي السوري (جناح آل بكداش الذي بدا ـ في مواجهة المطالبين بالحريات ـ وكأنه: الجناح العسكري لحزب البعث الحاكم!).
وكانت صحيفة الحزب، التي قيل إنها أول صحيفة سورية تظهر "علانية" في عهد الإصلاح، كانت رأس الحربة في مواجهة المثقفين، وخاصة في الفترة التي عرفت بربيع دمشق... ولم يكتف الحزب بوصف هذه اليقظة الاجتماعية بأنها عميلة للإمبريالية، بل انحدر أدنى من ذلك بوصف المعارضة السورية بأنها "جربانة"... أذكر أني سألت أحد "المسؤولين" في الصحيفة عن سبب نشر هذه البذاءات، فقال: "حرية تعبير" قلت: أنا لدي رأي أبحث عمن يمنحني منبراً لنشره: هل تسمح لي أن أنشر في صحيفتكم بعض الشتائم بحق آل بكداش؟!
وطبعاً اعتقد الرجل أني فقدت عقلي... لأن بعض كوادر الحزب يفدون ـ أيضاً ـ آل بكداش بأرواحهم ودمائهم!!
أسامة يونس: صحفي سوري مقيم في الامارات
إضافة تعليق جديد