اضمحلال دور «الائتلاف» و 3 اجتماعات لإعادة تشكيل المعارضة السورية
قد لا تشرق الشمس على سوريا من موسكو، بحسب ما قال رئيس «الائتلاف الوطني السوري» الأسبق معاذ الخطيب، مستقبلاً مبادرة روسيا لإحياء المسار السياسي السوري، لكنها، بانتظار ذلك، قد تبعث الحياة في المعارضة السورية، وتعيد ترتيب صفوفها.
العودة إلى الحياة تأخذ شكل الاستنفار السياسي، وتكاثر الدعوات إلى مؤتمرات للتشاور بين أطرافها يعكس أزمة القيادة السياسية الواسعة في صفوفها وانعدام وجود مركز ثقل أو زعامة وازنة قادرة على حل الخلافات أو حسمها.
وتهدف اللقاءات إلى التفاهم على صيغة الحضور إلى موسكو، التي ترفض دعوة الكيانات، وتسمح بالأشخاص، معطوفة على تحديد عناوين للنقاش مع الوفد الحكومي في الأسبوع الأخير من كانون الثاني المقبل.
وتُعدّ المعارضة السورية ثلاثة لقاءات في القاهرة وأوسلو ودبي، إذا ما سمحت الظروف، للوصول إلى أوراق عمل متقاربة، وتكوين أطر جديدة، تمهّد لتغيير واسع في صفوفها.
ويعكس ذلك إخراج «الائتلاف» من كل حصرية تمثيلية، بعد اضمحلال دوره، واحتلال المعارضة الداخلية السورية، بدعم روسي كبير، وكذلك بدعم مصري، قلب المسار السياسي، لا سيما «هيئة التنسيق»، و «تيار بناء الدولة»، و «جبهة التغيير والتحرير»، و «منتدى روما» السوري، وشخصيات «مؤتمر قرطبة»، التي يتقدمها معاذ الخطيب، وممثلون عن «الائتلاف».
وتختلف الأهداف من المؤتمرات المقبلة من فريق إلى آخر، وتعكس عدم الاكتفاء بيومي المشاورات التمهيدية للمؤتمر المزمع عقده في موسكو للتوصل إلى تصور مشترك، والحاجة إلى نقاش أوسع.
في اجتماع أوسلو، الذي لم يتم تحديد موعده حتى الآن، قد يذهب «الائتلافيون»، مع مَن سينجحون بإقناعه في المعارضة الداخلية، إلى الاتفاق على تبني ورقة بيان مبادئ الحل السياسي والمرحلة الانتقالية، والذي كان آخر ورقة تقدموا بها، بإشراف السفير الأميركي السابق روبرت فورد في «جنيف 2» قبل إطفاء الأنوار.
وتستبعد مصادر سورية معارضة، التقت قيادة «الائتلاف» في اسطنبول مؤخراً، أن يجد «الائتلافيون» معارضاً من خارج «الائتلاف» للموافقة على ورقتهم.
والراجح أن قيادة «الائتلاف» تستمر في الهروب إلى الأمام عبر تعزيز أوهام المعارضة السورية بأن هدف جنيف وأي مفاوضات، كما تشرح ورقتها، ينبغي أن يكون تسليمها السلطة من دون قيد أو شرط، وهي قراءة تأتي من خارج كل التطورات الدولية والإقليمية التي غيّرت موازين القوى في سوريا، وانهيار دور «الائتلاف» نفسه وتبدّد قدرته على قيادة أي عمل سياسي، في «الحكومة المؤقتة»، أو عمل عسكري جدّي في «الجيش الحر» الذي مزّقه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» و «جبهة النصرة».
ويمنع العمى السياسي المتراكم قيادة «الائتلاف» من رؤية انقلاب الأولويات في سوريا، منذ «غزوة الموصل» وصعود «داعش»، لمصلحة التوافق على الإبقاء على النظام ومكافحة الإرهاب.
ويبدو «الائتلاف» منازعاً سكرات الموت وسكاكين المصلحين معاً.
وخلال أسبوع واحد خرج مشروعان لوراثة هادي البحرة في رئاسته، تحت عناوين الإصلاح والإنقاذ. وهكذا تقدّم ميشال كيلو بورقة تعيد هيكلة «الائتلاف» بالتحالف مع جماعة «الإخوان المسلمين» الذين اختلف معهم وحاربهم في المرحلة الماضية.
وتقول مصادر في المعارضة إن كيلو هو الأوفر حظاً لوراثة البحرة في انتخابات رئاسة «الائتلاف» التي تجري الشهر المقبل.
كما تقدم الشيخ معاذ الخطيب، بالشراكة مع برهان غليون ورياض حجاب، بمشروع لإعادة الهيكلة، يستند إلى اقتراحات بتغيير ثلث الأعضاء في كل دورة، وترجيح التمثيل المستقل على الكتل.
أما لقاء دبي، الذي تُعدّ له شخصيات استقالت من «الائتلاف»، فلا تزال مسألة انعقاده مرتبطة بتعقيدات تقنية وتنظيمية وتمويلية، تؤجل البت به. لكن أهمية الاتجاه الذي يمثله أنه ينتمي إلى كتلة لا تزال تتمتع بمصداقية داخل المعارضة، وتعتبر أنه لا توجد ضمانات كافية لنجاح موسكو، وانه لا تنبغي المخاطرة بما تبقى لهذه الكتلة من مصداقية، وانتظار الجولات المقبلة من المفاوضات، والصعود إلى قطار المسار السياسي عند إقلاعه.
وهناك مؤتمر القاهرة، الذي يظلله مجلس العلاقات الخارجية، فالأرجح أن «هيئة التنسيق» تحاول عبر دعوتها لأكثر من 50 شخصية معارضة إيجاد كتلة سورية متجانسة، بناء على ورقة تعيد قراءة جنيف بطريقة أكثر واقعية، في الكثير من نقاطها، وتشكل خريطة طريق نحو الحل السياسي، وتندرج كما يردد «التنسيقيون»، تحت سقف العرض الروسي: إسقاط شرط البحث بتنحية الرئيس بشار الأسد كمدخل لأي مفاوضات، والتوسع في نقطة مكافحة الإرهاب.
ويبدو «التنسيقيون» في وضع أفضل من أي وقت مضى. إذ يظهر انقلاب الأدوار خلال عام واحد، وتقدمهم على «الائتلاف»، صحة رهانهم المستمر على الحل الداخلي أولاً، وعلى صواب رفض التبعية لأي قوة إقليمية، ورفض التدخل الخارجي، والتعاطي مع روسيا بإيجابية، والرهان عليها كقوة قادرة على تسهيل الحل السياسي، أو فتح الطريق إليه.
ويحفظ «التنسيقيون» لـ «الائتلاف» إقصاءه إياهم على الدوام من أي عملية سياسية، ونقض تفاهمات على برنامج عمل مشترك مع برهان غليون خلال رئاسته لـ «المجلس الوطني»، أو على وفد ثنائي إلى جنيف، خلال رئاسة احمد الجربا لـ «الائتلاف». لكن إخفاق التجارب السابقة لن يمنع الهيئة من إنقاذ «الائتلاف» من عزلته، خصوصاً انه لم يعد يتمسك بحصرية تمثيله للمعارضة السورية، وهو ما لم يكن ليحصل لولا تراجع موقعه.
ويقول مصدر في «هيئة التنسيق» إن النقاش مع «الائتلافيين» يتقدم شفهياً في نقاط عدة من «خريطة الطريق»، وإن «الائتلاف» لم يوافق إلا على بضع نقاط من الخريطة المعروضة كأساس للتفاهم المشترك، مع قوى أخرى ستُدعى إلى اجتماع القاهرة. وسيشكل تبني «الائتلاف» لخريطة الطريق، جزئياً أو كلياً، منعطفاً في عمل المعارضة السورية. فالخريطة تتعارض كلياً مع رؤية «الائتلاف» بطرقها دروب الحل تدريجياً في سوريا، وترتيب أولويات النقاش في عملية مديدة، تناقض مطلب «الائتلافيين» تفكيك النظام فوراً، على ما ردده برهان غليون مجدداً.
وتقدم الخريطة قراءة مرنة لعملية جنيف، إذ لا تضع زمن التعايش بين المعارضة والنظام في حكومة انتقالية رهن إنجاز لائحة من المهمات. وهي تبدأ بالقضايا الأقل تعقيداً، التي تتناول إصلاحات مقبولة من الجميع، كقوانين الانتخابات والإعلام والأحزاب، وتنتقل إلى إنشاء مجلس عسكري مؤقت، يخضع لحكومة انتقالية مثلثة من معارضين وحكوميين ومستقلين، ويشارك فيه ضباط الجيش السوري ومسلحون مؤمنون بالحل السياسي (وليس «الجيش الحر»).
وإذا ما كانت خريطة «التنسيق» تلتفّ على خطوط موسكو الحمراء، في ما يتعلق بالأسد وعدم الخوض بتنحيته، إلا أنها تصطدم بها في التمسك بنقل الصلاحيات كاملة خلال العملية الانتقالية، فيما يتمسك الروس ويشترطون مع الإيرانيين لدعم العملية، ليس بقاء الرئيس في موقعه مجرداً من الصلاحيات، وإنما احتفاظه أيضاً بجزء كبير من سلطاته في الدفاع والخارجية، مع التساهل في قضية الأمن الداخلي.
ويقول مصدر في «هيئة التنسيق»: «لقد اتفقنا مع الائتلاف على جزء واسع من الشق السياسي، وعلى المساواة في تمثيلية كل أطراف المعارضة، ونحن نحاول أن نسهّل اقترابهم من الحل السياسي، وبقي الإطار التنظيمي لهذه العلاقة مؤجلاً».
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد