الأجندة غير المعلنة لمشروع الشراكة الأمريكية – الروسية المفترضة

02-07-2008

الأجندة غير المعلنة لمشروع الشراكة الأمريكية – الروسية المفترضة

الجمل: بدأت تظهر المزيد من الدراسات السياسية والاستراتيجية التي تحاول رسم خارطة جديدة للعلاقات الروسية – الأمريكية وبرغم الرصيد الكبير لوجهة النظر الأمريكية المطالبة بتصعيد المواجهة مع روسيا فقد برزت بعض وجهات النظر الجديدة القائلة بضرورة التهدئة مع روسيا والعمل من أجل بناء شراكة أمريكية – روسية حقيقية في ظاهرها، وفي باطنها تهدف إلى تحويل روسيا من خصم حقيقي معرقل للمشروع الأمريكي إلى حليف شكلي يدعم هذا المشروع.
* الشرق الأوسط: معضلة معادلة توازن القوى:
يعتبر توازن القوى في الشرق الأوسط المعضلة الرئيسية التي ما زالت تقف بقوة وتحدٍ أمام كل الصيغ التي حاولت أن تفرضها القوى الإقليمية والدولية، هذا وتخضع معادلة توازن القوى في الشرق الأوسط إلى تأثير ثلاثة عناصر هي:
• متغير السياسات الداخلية وما يتضمنه من علاقات تعاون أو صراع بين الأطراف الداخلية، كما في حالة صراع الليكود – العمل في إسرائيل وصراع قوى 14 آذار – قوى 8 آذار في لبنان، وصراع فتح – حماس في فلسطين.
• متغير السياسات الإقليمية وما يتضمنه من علاقات تعاون أو صراع بين الأطراف الإقليمية، كما في حالة تعاون سوريا – تركيا، وصراع سوريا – إسرائيل.
• متغير السياسات الدولية، وما يتضمنه من علاقات تعاون أو صراع بين الأطراف الدولية، كما في حالة صراع أمريكا – الاتحاد السوفيتي سابقاً، وتعاون أمريكا – الاتحاد الأوروبي.
تتفاعل هذه المصالح وفق منظومة القيم الإدراكية التي تمارس نفوذها على دوائر صنع واتخاذ القرار بما يؤدي إلى تشكيل منظور كل طرف إزاء ثنائية الفرص والمخاطر، وثنائية التعاون والصراع، بما يترتب عليه أن يحدد كل طرف المسار الذي يريده وموقعه على خارطة الصراع.
* العلاقات الروسية – الأمريكية: الاتحاد الأوروبي يقوم بدور الرافعة الأمريكية:
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونشوء الدولة الروسية التي تبنت واعتمدت النظام السياسي الليبرالي التعددي إضافةً إلى انتهاج اقتصاد السوق، تزايدت روابط روسيا مع الغرب عبر نافذة العلاقات الروسية – الأوروبية الغربية ولم تكن منطقة شرق أوروبا سوى منطقة انتقالية. على هذه الخلفية تشك الإدراك الاستراتيجي الأمريكي إزاء روسيا، على أساس أن واشنطن تستطيع استخدام نافذة عبر الأطلنطي في توجيه الاتحاد الأوروبي لكي يلعب دوراً فاعلاً في تفعيل مشروع السيطرة الأمريكية على روسيا، وبالفعل، فقد استطاعت واشنطن السيطرة على زخم العلاقات الروسية – الأوروبية عن طريق تشديد ضغوطها على دول الاتحاد الأوروبي وتحديداً ألمانيا، إيطاليا، السويد والنرويج.
النتيجة الأولى التي حدثت من جراء الضغوط الأمريكية تمثلت في فترة "الجمود" في علاقات روسيا – بلدان الاتحاد الأوروبي التي امتدت من عام 2003م إلى عام 2006م، بشكل أدى إلى دخول علاقات روسيا – الاتحاد الأوروبي مرحلة الانكماش التي امتدت من مطلع عام 2006م وما زالت مستمرة حتى الآن. وحالياً، فقد استطاعت الولايات المتحدة استخدام علاقات عبر الأطلنطي بما أدى إلى دفع الاتحاد الأوروبي ليتحول من حالة التعاون إلى حالة الصراع في علاقاته مع روسيا، وذلك بما يترتب عليه أن يصبح الإدراك الروسي بنظر إلى الاتحاد الأوروبي بمثابة مصدر الخطر الرئيسي القادم طالما أن مهددات الأمن الروسي مثل بطاريات الدفاع الصاروخي وتوسيع حلف الناتو وشبكات القواعد الأمريكية التي أصبحت تتمركز جميعها في دول الاتحاد الأوروبي وحلفاءه من دول أوروبا الشرقية.
* ماذا يقول مخطط الشراكة الروسية – الأمريكية المفترضة؟
طالب المحلل السياسي الأمريكي بيير غولد شميت بضرورة بناء شراكة أمريكية – روسية تقوم على التعاون في المجالات المتعلقة بإنقاذ اتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل بسبب الحاجة التي أصبحت ملحة لأن تقوم روسيا وأمريكا بلعب دور مركزي وإيجابي في تعزيز مصداقية نظام حظر انتشار السلاح النووي. وأشار غولد شميت إلى أن هذه الشراكة يمكن بناءها على خلفية البيان المشترك المتعلق بإعلان سياق العمل الاستراتيجي الروسي – الأمريكي الذي صدر في 6 نيسان 2008م الماضي، والذي نص على قيام الطرفين بـ"المشاورات اللصيقة حول تطوير المبادرات التي تخدم مصالحهما المشتركة"، وتقول المعلومات بأن مجالات التعاون النووي الروسي – الأمريكي قد تم تحديدها بأربعة مجالات هي:
• ترقية الأمن.
• منع انتشار أسلحة الدمار الشامل.
• محاربة الإرهاب العالمي.
• التعاون الاقتصادي الاستراتيجي.
هذا، وتقول التسريبات بأن خطوة واشنطن القادمة ستركز على محاولة تفعيل مجالات التعاون الروسي – الأمريكي المشار إليها وبالتالي فعلى الأغلب أن تتقدم واشنطن لموسكو بجدول الأعمال الآتي:
• الوضع موضع التنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة حول إيران.
• التصدي لمواجهة حالات عدم الامتثال لإرادة المجتمع الدولي.
• تحسين أمن الإمدادات النفطية.
• عدم السماح بنشر التكنولوجيا المتطورة.
• السيطرة على معايير تصدير المواد النووية.
• التحضير لعقد مؤتمر في العام 2010م بهدف مراجعة وتقويم وضبط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
* الأهداف الأمريكية غير المعلنة من الشراكة المفترضة:
من خلال مراجعة وفحص جدول أعمال الشراكة الأمريكية – الروسية المفترضة يتبين لنا أن واشنطن تسعى إلى استدراج روسيا من أجل تنفيذ الآتي:
• بالنسبة لقرارات مجلس الأمن الدولي لم تؤكد الشراكة على ضرورة تنفيذ كامل القرارات الدولية وبدلاً عن ذلك فقد ركز الموقف الأمريكي على استخدام النزعة الانتقائية بحيث يتم دفع روسيا باتجاه مساعدة أمريكا في تنفيذ القرارات الدولية التي تتماشى وتنسجم مع أولويات مخططات مجلس الأمن القومي الأمريكي التي يأتي في مقدمتها أمن إسرائيل، هذا ونلاحظ أن مشروع الشراكة يطالب بتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإيران ويتفادى أي إشارة أو تلميح للقرارات الدولية المتعلقة بإسرائيل.
• بالنسبة للتصدي الروسي – الأمريكي المشترك لقضايا عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل نلاحظ أنه سيكون تصدي انتقائي يهدف إلى توزيع الأدوار بين واشنطن وموسكو لجهة القيام بالآتي:
* تعاون موسكو داخل مجلس الأمن الدولي في استهداف الأطراف التي ترى أمريكا بأنها تسعى للحصول على الأسلحة النووية المحرمة دولياً.
* تبني موسكو لقرارات العقوبات التي تفرضها واشنطن من طرف واحد لجهة تحويلها إلى عقوبات متعددة الأطراف أو ثنائية، بحيث تتحرك موسكو بشكل موازي لواشنطن أو بالأحرى يتحرك مجلس الدوما الروسي بشكل موازي للكونغرس الأمريكي.
* امتناع موسكو عن تقديم أي مساعدات لأي دولة إلا بالتنسيق المسبق مع واشنطن وعلى وجه الخصوص في الجوانب المتعلقة بضبط التسلح وسباق التسلح.
• بالنسبة للامتناع عن نقل التكنولوجيا فإن المطلوب من موسكو هو عدم تزويد أي دولة بالقدرات التكنولوجية المتطورة إلا بعد التنسيق المسبق مع واشنطن وذلك تحت مبررات عدم تسريب التكنولوجيا المتطورة التي يمكن أن تساعد الدول الأخرى على امتلاك أسلحة الدمار الشامل.
• بالنسبة للإمدادات النفطية المطلوب من روسيا هو تأمين تدفق النفط والغاز إلى الأسواق العالمية بالتنسيق مع واشنطن، ولما كانت دول الاتحاد الأوروبي هي المستهلك الرئيس لإمدادات النفط الروسي، فإن معنى ذلك أن تمارس الولايات المتحدة سيطرتها غير المباشرة على هذه الإمدادات.
• بالنسبة لمؤتمر مراجعة اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية المقترح له عام 2010م فإن المطلوب من موسكو هو الموافقة على تعديل اختصاصات وصلاحيات ومعايير عمل وكالة الطاقة الذرية العالمية إضافةً إلى تسييس الدور الوظيفي الذي تقوم به حالياً وكالة الطاقة الذرية العالمية.
* شراكة موسكو – واشنطن المفترضة ومدى تأثيرها على الشرق الأوسط:
ظل دوانينغ ستريت البريطاني يمثل فرعاً للبيت الأبيض الأمريكي وبصعود ساركوزي أصبح قصر الإليزيه الفرنسي شديد الارتباط بالبيت الأبيض الأمريكي ونفس الشيء بالنسبة للبونداس كانثيلري بعد صعود المستشارة إنجليلا ميركل. أما بالنسبة للكرملين فقد حاولت الإدارة الأمريكية اجتذابه إلى جانبها خلال فترة الرئيس بوريس يلتسين ولكن صعود بوتين أدى إلى توتر العلاقات على خط موسكو – واشنطن، والآن بالرغم من صعود ميدفيديف إلى الكرملين فإن آثار بوتين وبوتين نفسه مازالا موجودين في أروقة الكرملين، وعلى ما يبدو فإن المنظور الأمريكي الجديد يحاول هذه المرة الدفع باتجاه التخلي عن المنظور الذي يقوم على أساس اعتبارات استضعاف روسيا واستبداله هذه المرة بمنظور الاستقواء بروسيا القوية طالما أنه لم يعد بالإمكان استضعافها.
وتشير المعلومات إلى أن مخطط الشراكة الأمريكية – الروسية المفترض سوف لن يركز على الاعتبارات المتعلقة باقتسام النفوذ على العالم كما كان يحدث في الماضي، وإنما على الاعتبارات المتعلقة بالإجراءات التعويضية وبكلمات أخرى إذا رأت موسكو بضرورة عدم استهداف فنزويلا على سبيل المثال لا الحصر، فإن المنظور الأمريكي الجديد سيركز في هذه الحالة ليس على الإذعان والقبول بموقف موسكو وإنما العمل لتقديم التعويضات والإغراءات المناسبة التي تعمل كرافعة لجهة إقناع موسكو إن لم يكن بالتخلي عن مواقفها فعلى الأقل بالتزام الصمت إزاء ما يمكن أن تقوم به واشنطن وتشير معطيات الخبرة التاريخية المعاصرة للعلاقات الروسية – الأمريكية بأن النموذج الذي سيسقطه الأمريكيون على علاقات شراكة واشنطن – موسكو سيتمثل في ملف ضرب يوغوسلافيا الذي قامت به الولايات المتحدة تحت غطاء حلف الناتو لتغيير نظام الرئيس ميلوسوفيتش، وتقول الخلفيات غير المعلنة بأن موسكو كانت تعارض بشدة ضرب يوغسلافيا، وفي الوقت نفسه كانت تعاني من ضائقة مالية شديدة وحالات إعسار مصرفي متزايدة وعندما ذهب مدير صندوق النقد الدولي للتفاهم وتوقيع الاتفاق النهائي القاضي بأن يقدم الصندوق قروض إسعافية في حدود 5 مليارات دولار لموسكو، كانت طائرات إف 15 وإف 16 الأمريكي تلقي بنيرانها على العاصمة بلغراد بما أدى في النهاية إلى تدمير يوغسلافيا والإطاحة بميلوسوفيتش وقبض روسيا لمبلغ الـ5 مليار دولار.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...