الأسد شخصية عام 2009
اختار قراء موقع CNN بالعربية الرئيس بشار الأسد، ليكون شخصية العام 2009، بعد تنافس دراماتيكي شارك فيه أكثر من 30 ألف شخص، وشهدت أيامه الأخيرة تقلبات محمومة في النتائج، التي كانت تميل في البدء لصالح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
وبصرف النظر عن طبيعة المنافسة خلال التصويت، فإن الأسد بلا ريب كان أحد أبرز الوجوه السياسية إقليمياً ودولياً خلال الفترة الماضية، فقد نجح في فك عزلة طالت لسنوات حول بلاده، منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري عام 2005، كما وطد علاقاته مع جهات أوروبية وعربية، وأعاد وصل ما انقطع مع السعودية، وعزز صلاته باللاعب الإقليمي الجديد تركيا.
فدمشق التي عانت الكثير من المشاكل بعد اغتيال الحريري، جراء توجيه أصابع الاتهام إليها، من قبل جهات لبنانية، في القضية، عادت لتلعب دورها في محيطها، فكان لها خلال الفترة الماضية الكثير من المشاركة في صنع "الاستقرار السياسي" اللبناني، فاسترجعت بالسياسة ما فقدته مع انسحاب جيشها من بيروت.
وتوّج هذا الأمر بزيارة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، قبل أيام من انتهاء العام الماضي إلى دمشق، لتحمل الزيارة زخماً مكثفاً على المستويين الشخصي والسياسي، جعل الأسد في موقع قوة بالمنطقة، تتسابق قوى سياسية إلى التنصل من مواقفها السابقة ضده.
ولكن الثمار التي جناها الأسد في نهاية العام كانت قد زرعت في مطلعه، ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي، كان قطاع غزة يشتعل بفعل العملية العسكرية الإسرائيلية التي شنت فيه تحت عنوان "الرصاص المصبوب"، وترافق ذلك مع انقسام عربي حول الموقف من العملية، تعزز ما بات يعرف بـ"قمة الدوحة الطارئة"، التي ضمت مجموعة من الدول العربية، على رأسها سوريا.
وجاءت القمة بنتائج شعبية لمن حضرها، بمن فيهم الأسد، الذي وجد نفسه بعد أيام من حضورها يشارك في مصالحة عربية، أطلقها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت الاقتصادية، التي كان من ثمارها كسر العزلة العربية عن الأسد، وخاصة من قبل قادة "دول الاعتدال"، وذلك من خلال القمة الرباعية التي عقدت في مارس/ آذار 2008 بالرياض، بمشاركة قادة سوريا والسعودية ومصر والكويت.
وخلف البعد العربي في تحركات الأسد، يبرز البعد الدولي، فوصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وما حمله معه من مشروع لـ"مقاربة جديدة" تجاه سوريا، كان له أبعد الأثر في تخفيف الضغط عن الأسد، وباتت دمشق من جديد محطة للعديد من الوفود الأمريكية التي ناقشت قضايا تمتلك سوريا فيها أوراق رابحة، وخاصة بملفات لبنان والأراضي الفلسطينية والعراق والإرهاب وإيران.
وبالتوازي مع الانفتاح الأمريكي، كانت فرنسا، تحت قيادة الرئيس نيكولا ساركوزي، تحاول القطع مع إرث الرئيس السابق جاك شيراك، الذي فرض قيوداً كبيرة على الأسد بعد اغتيال الحريري، وشن عليه حملة دولية قاسية.
وسعى ساركوزي إلى تعزيز علاقاته بدمشق لتقوية موقع بلاده في الشرق الأوسط من جهة، ولضمان النجاح لمشروعه المتمثل ببناء "اتحاد متوسطي"، وتوّجت هذه العلاقات المتوطدة بين الطرفين من خلال الزيارة التي قام بها الأسد إلى باريس في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
والواقع أن الانفتاح العربي والغربي على سوريا، كان في جزء كبير منه مدفوعاً برغبة دولية لفصل دمشق عن طهران، التي ترزح تحت وطأة ضغوطات دولية على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل، واحتجاجات داخلية ولدتها أزمة الانتخابات الرئاسية.
ولكن سوريا تعاملت مع هذه المقاربة الجديدة بأسلوبها السياسي التقليدي، وهو التحدث كثيراً دون قول شيء، فهي أبقت جميع الأطراف بانتظار قرارها، الذي لم يصدر بعد، فقد عززت روابطها الاقتصادية والسياسية مع إيران، معلنة في الوقت عينه استعدادها للعب دور الوسيط في برنامجها النووي مع إيران.
وعلى خط متصل، فتح الأسد قنوات اتصال مع اللاعب الإقليمي الجديد، وهو تركيا، فأنقرة التي ملّت من انتظار قرار ضمها إلى الاتحاد الأوروبي، بدأت تلعب أوراقها في الشرق الأوسط، فتراجع منسوب علاقاتها مع تل أبيب، بمقابل تعزيز صلاتها بدمشق ودول في آسيا الوسطى، وحل نزاعها التاريخي مع أرمينيا.
واستفاد الأسد من هذا التوجه التركي الجديد، بسبب إدراكه وجود فائض قوة لدى أنقرة، التي تدرك مدى ضعف معظم الموجودين على الساحة اليوم، بمن فيهم الولايات المتحدة، فكسب بذلك حليفاً قوياً يتمثل في رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان.
ولم يكتف الأسد بردات الفعل ومحاولة استغلال تطورات الأوضاع في المنطقة لصالحه، بل قام بطرح "نظريات" سياسية واقتصادية، حاول خلالها وضع بلاده في قلب الأحداث، مثل فكرة "البحار الأربعة"، التي تناول فيها ربط الأسود وقزوين والخليج وحتى البحر الأحمر بالبحر المتوسط، لبناء شراكة اقتصادية في مجالات النقل والطاقة.
يشار إلى أن التصويت لاختيار شخصية العام على CNN بالعربية الذي شارك فيه 30679 شخصاً، لا يحمل الطابع العلمي، وقد نال الأسد 20687 صوتاً، بواقع 67 في المائة، بينما كان نصيب رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان 8442 صوتاً، بما نسبته 28 في المائة، وحصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على 1550 صوتاً، بواقع خمسة في المائة من الأصوات.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد