الأسد- فياض ودبلوماسية الولايات المتحدة الأمريكية
الجمل: أقام منتدى السياسة التابع لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ندوة حملت عنوان (الأسد، فياض، ودبلوماسية الولايات المتحدة: اتجاهات جديدة في صنع السلام الإسرائيلي- الفلسطيني؟)، وقد تحدث في الندوة كل من اليهودي الأمريكي ديفيد ماكوفيسكي الباحث في معهد واشنطن وأستاذ شؤون الشرق الأوسط في جامعة جون هوبكنز الأمريكية، وخبير اللوبي الإسرائيلي في شؤون عملية سلام الشرق الأوسط، والفلسطيني حاتم عبد القادر عضو المجلس التشريعي الفلسطيني السابق الممثل لحركة فتح عن دائرة القدس (أو أورشليم كما أورد تقرير معهد واشنطن)، واليهودي الإسرائيلي افرايم سنيح عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب العمل، ونائب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق.
أولاً: مداخلة ديفيد ماكوفيسكي:
وتناول ديفيد ماكوفيسكي النقاط الآتية:
• تميزت السنوات السبع الماضية من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني باليأس والإحباط، وأصبحت الرهانات أكثر ارتفاعاً وعلواً، وإذا لم يتحد المعتدلون فإن المستقبل سوف يشهد صراعاً يتحول من ما هو وطني إلى ما هو ديني، وهو موقف سوف يصبح أكثر تعقيداً بواسطة الفاعلين الخارجيين الذين يعملون على إذكاء نيران الصراع، وقد تحدث (محمد دحلان) مؤخراً بأن إيران وقطر قد قامتا بمنح حركة حماس 400 مليون دولار خلال الفترة الأخيرة.
• الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها يتوجب أن تستغل كل فرصة ممكنة لمنع القوى المتطرفة من الحصول على الاعتراف.
• ليس هناك تشاؤم في الوقت الحالي إزاء موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت، ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض:
موقف ايهود اولمرت: لا يبدو أن حكومته سوف تسقط بسبب نتائج وتداعيات حرب الصيف الماضي بين إسرائيل وحزب الله، وذلك لأن:
- التقرير النهائي للجنة فينوغراد قد تم تأجيله، ولن يصدر قريباً.
- الرأي العام الإسرائيلي لم يعد مهتماً بشكل رئيسي بنتائج حرب الصيف الماضي، وأصبحت له مشاغله الجديدة.
- الانتخابات لن تؤثر في موقف أولمرت، والذي أصبح أكثر قوة بسبب تعيين أولمرت لحامون رامون في منصب النائب الأول لرئيس الوزراء، وايهود باراك في منصب وزير الدفاع، ونائب رئيس الوزراء.
موقف سلام فياض: حالياً توجد علاقة تكافلية متبادلة بين سلام فياض وحركة فتح، فمن جهة يحتاج سلام فياض إلى دعم وتأييد قاعدة فتح، ومن الجهة الأخرى تحتاج حركة فتح إلى تحسين و(تنظيف) وتلميع صورتها عن طريق وجود رئيس الوزراء وقائد لا تحوم حوله شبهة الفساد مثل سلام فياض. وإضافة إلى ذلك، فإن كل من حركة فتح وسلام فياض يحملان هماً واحداً، هو المنع والحيلولة دون أسلمة الضفة الغربية بواسطة القوى الإسلامية الفلسطينية وبالذات حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
ومن ثم، يتبقى على سلام فياض المحافظة عملياً على نظافة صورته، (خاصة وأنه استطاع إنجاز بعض الصفقات مع إسرائيل)، منها:
- سماح إسرائيل له باستلام الأموال، على النحو الذي مكنه، ولأول مرة على مدى عام ونصف، من دفع الأجور والرواتب في موعدها.
- إطلاق إسرائيل سراح 250 سجيناً فلسطينياً.
- إقامة اجتماع موسع ضم حوالي 800 من أئمة المساجد، طالبهم فيه بعدم نشر الموجهات السياسية عبر الخطب الدينية التي تقام في الجوامع والمساجد.
وحالياً، ما تزال هناك بعض التحديات الماثلة أمام سلام فياض، أبرزها:
أ- لا يتمتع سلام فياض بدعم ومساندة قوات الأمن الفلسطينية على غرار الدعم والمساندة اللذان كان يتمتع بهما ياسر عرفات.
ب- لابد لسلام فياض من العمل من أجل بناء الأسس والمؤسسات العلمانية لتقديم الخدمات للمواطنين الفلسطينيين، وذلك حتى تستطيع هذه المؤسسات مقابلة ومنافسة المؤسسات التي أقامتها حركة حماس والتي ظلت تعمل منذ فترة طويلة في تقديم الخدمات للفلسطينيين.
• التغيرات الاقتصادية الجارية ميدانياً على الأرض، والعملية الدبلوماسية التي أطلقتها الولايات المتحدة، يمكن أن تؤدي جميعها إلى تسهيل إحداث التغييرات الحقيقية، وبالنسبة للجانب الإسرائيلي فإن تعيين حاييم رامون كشخصية رئيسية في الحكومة الإسرائيلية، سوف يكون له تأثيره الإيجابي على تعزيز قوة موقف ايهود اولمرت، والذي أعلن عن رغبته في العمل من أجل ترسيخ مبادئ قيام الدولة الفلسطينية، وسوف يكون التحدي الماثل أمام أولمرت هو مدى قدرته على التعامل دفعة واحدة مع العديد من التحديات التي تواجهه حالياً داخل وخارج إسرائيل:
• حتى الآن ليس واضحاً ما إذا كان المؤتمر الدولي الذي دعت له الولايات المتحدة، سوف يقدم ويضيف زخماً يدفع لإحراز التقدم أم لا، ولكن من المهم أن لا نقوم حالياً برفع سقف التوقعات عالياً حول نتائج المؤتمر المتوقعة، ولكن إذا حدث وفشل المؤتمر، فإن حركة حماس سوف تعلن عن انتصارها، قائلة بأن الدبلوماسية قد أثبتت فشلها وإخفاقها، وبالتالي يجب التركيز على الصراع والعنف ضد إسرائيل.
ثانياً: مداخلة حاتم عبد القادر:
تناول حاتم عبد القادر النقاط الآتية:
- ان اسرائيل وأمريكا تتحملان وحدهما المسؤولية عما حدث في قطاع غزة.
- انهارت قوات الأمن الفلسطينية في غزة، لأن سفك الدم الفلسطيني يمثل خطاً أحمر محرماً بالنسبة لحركة فتح، أما بالنسبة لحركة حماس فهو أمر مسموح ومقبول، وسبب رفض فتح لسفك الدم الفلسطيني من حيث المبدأ فإنها لم تسعَ للانتقام والقصاص من حركة حماس حول ما قامت به في قطاع غزة.
- برغم عدم وجود اتصال جغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، فإن معظم الفلسطينيين مايزالون يعتبرون المنطقتين كياناً واحداً موحداً، وما في عقولنا من إدراك هو، أن غزة تمثل مجرد محافظة أو مقاطعة في حالة تمرد وعصيان، ومن ثم يتوجب العمل من أجل إعادتها إلى الشرعية دون القيام بمعاقبة السكان الغزاويين.
- ساهمت حركة فتح في خلق المشاكل، ولكنها ماتزال تتفاوض وتعمل من أجل السلام نيابة عن كل الفلسطينيين.
- حالياً تعتقد حركة فتح بأن القائد الكاريزمي مروان البرغوثي السجين المعتقل حالياً في إسرائيل، له أهميته الكبيرة الرئيسية بالنسبة للسلام، ومن ثم فإذا ما قامت إسرائيل بإطلاق سراحه، فإن البرغوثي سوف يدعم ويعزز قوة حركة فتح ويساعد في القيام بعملية الإصلاح الحقيقي المطلوب، وحالياً نعمل نحن وبعض الإسرائيليين من أجل الضغط على الحكومة الإسرائيلية لكي تقوم بإطلاق سراح البرغوثي كجزء من الصفقة المطلوبة.
- ان معاناة وسفك دماء الفلسطينيين والإسرائيليين يتوجب أن تنتهي.
- ان حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ليس أمراً صعباً.
- ان افق الحل السياسي يجب أن يتم فتحه.
- سوف تلتزم حكومة سلام فياض الفلسطينية باحترام تنفيذ التزامات منظمة التحرير الفلسطينية.
- لدينا أمل كبير في أن يؤدي الدور الأمريكي إلى إقامة حل الدولتان، ومن ثم فإن المؤتمر الدولي الذي دعا إليه جورج بوش سوف يؤدي إلى افتتاح حقبة جديدة.
ثالثاً: مداخلة افرايم سنيح:
تناول افرايم سنيح النقاط الآتية:
• استيلاء حماس على قطاع غزة يتطلب منا إعادة التفكير والتبصر ملياً حول أداءنا السلوكي وممارساتنا العملية، والاستفادة من العبر والدروس الآتية.
- السلبية والشكوك والسخرية العدائية لن تؤدي إلا إلى الكارثة.
- يجب تحديد الغايات والأهداف المشتركة للأطراف الأربعة: إسرائيل، الولايات المتحدة، الفلسطينيين، والمجتمع الدولي.
- المسألة الضاغطة الأكثر أهمية في الوقت الحالي، تتمثل في ضرورة عدم السماح للضفة الغربية بأن تتحول وتصبح على غرار نموذج قطاع غزة.
- المسائل الأخرى العاجلة تتضمن:
أ- ترقية وتطوير حل إقامة الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية.
ب- احتواء ومنع طموحات إيران الإقليمية.
• على أساس الاعتبارات العملية، من المهم حالياً أن تخلق من الضفة الغربية مثالاً نموذجياً للنجاح، وهذا معناه:
- إحراز التقدم الاقتصادي المطرد.
- التعاون الأمني الوثيق بين الإسرائيليين والفلسطينيين (يقصد حركة فتح والسلطة الفلسطينية).
- ان تسعى إسرائيل وأمريكا والغرب، لجعل (الضفة الغربية مثل برلين الغربية) و(قطاع غزة مثل برلين الشرقية)، بحيث يترك للفلسطينيين أمر المقارنة والمفاضلة بين (البرلينيين) بحيث يختارون في نهاية الأمر برلين الغربية (والتي هي الضفة الغربية).
• الخطوة الأكثر أهمية هي البدء في مفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية التي يتزعمها سلام فياض ومحمود عباس.
• لا شيء يستطيع أن يهزم حماس في الوقت الحالي، سوى تقديم أفق الحل السياسي مصحوباً بالجدولة الزمنية الصلبة والثابتة.
• إذا أردنا أن ندفع الفلسطينيين باتجاه تفضيل خيار الحوار على الإرهاب، فإنه يتوجب علينا أن نظهر ونبرز بوضوح أن المفاوضات وحدها هي التي سوف تؤدي إلى تحقيق طموحات وتطلعات الفلسطينيين الوطنية.
• بعض القوى العربية تحاول إقناع الفلسطينيين من أجل التوصل إلى اتفاقية مكة ثانية، ولكن إسرائيل لا توافق على هذا النوع من التفكير، خاصة وأن نتيجة مؤتمر مكة الذي انعقد في شباط الماضي، لم تتمثل في حكومة الوحدة الوطنية، وإنما كانت وقفاً لإطلاق النار، وعلى ما يبدو فإن القيادة الفلسطينية غير متحمسة حالياً لمكة أخرى.
• ما يتوجب القيام به حالياً إزاء قطاع غزة هو:
- منع حدوث أي كارثة إنسانية لأن حدوثها سوف يؤدي إلى تحويل الرأي العام الدولي لصالح حركة حماس.
- ان تستمر إسرائيل في منح قطاع غزة إمدادات الكهرباء، والمياه، والمستلزمات الطبية، والوقود، والسماح لمنظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية الطوعية بالعمل في القطاع.
- أن تعمل من أجل إثبات فكرة أن حركة حماس لن تستطيع أن تحكم ولا أن تفرض القانون والنظام، وأيضاً لن تستطيع أن تكون قادرة على تلبية تطلعات وطموحات الفلسطينيين الوطنية.
- الالتزام القاطع بعدم الدخول في أي حوار أو نقاش أو تفاوض مع حماس.
- أكد الرئيس بوش بأن المؤتمر الدولي يجب أن يكون مجرد مناسبة لأخذ الصور واللقطات التذكارية، لأن ذلك سوف يؤدي إلى المزيد من الإحباط.
- الدول المانحة سوف تأتي بفكرة واضحة حول كيفية دعم اقتصاد الضفة الغربية في العام القادم.
- إذا استطاع المؤتمر الدولي أن يحقق التوافق بين كل الأطراف (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، المجتمع الدولي، إسرائيل، والمعتدلين العرب) حول دعم مبادئ وأسس الوضع النهائي، فإن التقدم باتجاه الحل النهائي الشامل سوف يكون أكثر سهولة.
وعموماً نلاحظ بأن المداخلات كانت تركز على الصراع بين فتح وحماس، وضرورة التعاون بين إسرائيل وحركة فتح والسلطة الفلسطينية والمعتدلين العرب.. ودور المؤتمر الدولي حول الشرق الأوسط الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي جورج بوش.. ولكن ما ورد في العنوان الذي نشره معهد واشنطن، لم يتم التطرق إليه في المداخلات.. وبكلمات أخرى: فقد وردت كلمة (الأسد.. ولكن لم تتم الإشارة إلى سورية بتاتاً..
ان خبراء معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يفهمون جيداً في عملية (العنونة).. وتوظيف الإشارات التي يحملها مضمون اسم (الأسد) هو عملية قصدت إلى لفت تحويل إدراك الرأي العام لوجود قطبين في الشرق الأوسط، هما الأسد، وسلام فياض.
وبكلمات أخرى، فإن اللوبي الإسرائيلي على ما يبدو قد بدأ بالفعل عملية تهميش محمود عباس تمهيداً لإقصائه والتخلص منه لاحقاً، وحالياً تتم عملية تصعيد سلام فياض إلى الواجهة عن طريق التمهيد لذلك في الخطاب الإعلامي السياسي.
وثمة دليل على هذا الاتجاه داخل المداخلات التي نشرها موقع معهد واشنطن:
- تم ذكر اسم سلام فياض (رئيس الوزراء الفلسطيني) قبل اسم محمود عباس (رئيس السلطة الفلسطينية).
- تمت المقارنة في البداية بين سلام فياض كقطب يمثل الطرف الفلسطيني، وايهود اولمرت عن الطرف الإسرائيلي.
- تمت مقارنة البيئة السياسية التي تواجه ايهود اولمرت على المقابل من البيئة السياسية التي تواجه سلام فياض (وليس محمود عباس).
- تم وصف سلام فياض بالنزاهة، وبأنه الوسيلة الوحيدة التي سوف تمكن حركة فتح من تحسين صورتها، والقيام بعملية الإصلاح الحقيقي.
وغير ذلك توجد الكثير من أساليب (الكتابة السرية) التي سبق أن ورثها اليهود عن الفيسلوف اليهودي ابن ميمون، (والتي يقال بأنه أخذها عن ابن رشد والفارابي والمتصوفة العرب والمسلمين).. وهي كتابة سرية يمكن بكل سهولة التعامل مع مفرداتها و(فك شيفرتها) عن طريق ملاحظة الطريقة الغريبة والمريبة التي تم عن طريقها الإشارة إلى سلام فياض ومحمود عباس.
وعموماً، فقد بدأت عملية الاستهداف الإعلامي البارد ضد محمود عباس، بما يؤدي إلى تقليل (وزنه الرمزي) على النحو الذي يمهد المسرح لإقصائه.. وعلى الأغلب بعد مؤتمر بوش الدولي، المتوقع أن تعمل إسرائيل وأمريكا على إفشاله، وتحميل محمود عباس المسؤولية، على النحو الذي يخلق الذرائع والمبررات لإقصائه والضغط على الفلسطينيين من أجل تعيين سلام فياض رئيساً للسلطة الفلسطينية بدلاً عنه، وهو ضغط بالتأكيد سوف تشارك فيه مصر والأردن، بهدف الحصول على المزيد من المساعدات الأمريكية!!! وعلى كل دعنا ننتظر ونرى، كما يقول المثل الإنكليزي الشهير.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد