الانتخابات الفرنسية: غياب الوجوه التاريخية والأفكار الكبيرة

13-04-2007

الانتخابات الفرنسية: غياب الوجوه التاريخية والأفكار الكبيرة

شيء ما يشغل البال في انتخابات الرئاسة الفرنسية, يتمثل في غياب الوجوه التاريخية والأفكار الكبيرة عن المعركة.
والطابع الغالب على الحملات الصاخبة, على مسافة أيام من الدورة الأولى, هو بالتأكيد الطابع الأميركي. لماذا؟ لأن المرشحين الثلاثة الأساسيين يحفظون في ذاكرتهم أن الرئيس الأميركي جورج بوش, وخلافاً لكل التوقعات, نجح في استقطاب شريحة كبرى من الناخبين وخرج منتصراً بالرغم من أنه لا يستحق مثل هذا الانتصار.
الاستراتيجيات الانتخابية حتى الآن أميركية, وهي تنأى بفرنسا عن الوفاء لتاريخها الكبير وتقترب من البهلوانيات السياسية في شكلها ومضمونها.
هذا التسويق السياسي أبعد ما يكون عن التراث الفرنسي العريق في الممارسة الديمقراطية العريقة, حتى لنكاد نترحم على زمن شارل ديغول وجورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران... وجاك شيراك.
بالمناسبة نسأل: أي شيراك يغادر قصر الاليزيه ليل 16­17 أيار €مايو€ المقبل؟
جاك شيراك الذي عارض الحرب الأميركية على العراق, وحاول تحجيم الدور الأميركي لصالح دور أوروبي قوي وفعال يضمن لفرنسا مكاسب استراتيجية كبيرة, أم جاك شيراك الذي «اهتدى» الى الموقفين الأميركي والبريطاني في نهاية المطاف وأسقط اعتراضاته على احتلال العراق وعقد صفقة منفردة مع الادارة الأميركية في الشرق الأوسط وافريقيا؟
جاك شيراك صديق صدام حسين طوال السبعينيات والثمانينيات, والرجل الذي أسهم بقوة في حسم حرب الخليج الأولى لمصلحة العراق, أم جاك شيراك الذي شارك في «العقوبات الذكية» على العراق في العام 1998 ووافق على تسليم موارد العراق النفطية الى الأمم المتحدة قبل أن يصمت عن اعدام «صديقه» على الطريقة التكساسية؟
وأي فرق في نهاية المطاف بين فرنسا الشيراكية وأميركا البوشية في التعامل مع الشعب العراقي وشواء لحم العراقيين بالتواطؤ أو الصمت أو كليهما معاً؟
أي شيراك يغادر؟
شيراك الذي أثار غضب الاسرائيليين واليهود الفرنسيين, بل يهود العالم كله, عندما زار فلسطين المحتلة وأبدى انحيازاً كاملاً للفلسطينيين, أم شيراك الذي انضم في النهاية الى المعسكر الأميركي­ الاسرائيلي الذي يحاصر الشعب الفلسطيني عقاباً له على خياراته الديمقراطية؟
شيراك الذي حمل لواء الوحدة الأوروبية وكرس نفسه بطلاً أوروبياً بامتياز, أم شيراك الذي فشل قبل عامين في اقناع الفرنسيين بدور فرنسا الأوروبي فأوقع الاتحاد في الشلل في أعقاب الاستفتاء على الدستور الأوروبي؟
لكن هذه التساؤلات وسواها لا تحجب مجموعة حقائق تفرض نفسها في اللحظة التي يستعد فيها قصر الرئاسة لاستقبال ضيف جديد.
الحقيقة الأولى أن رحلة الرئيس الفرنسي الخامس للجمهورية الخامسة, التي تواصلت على مدى اربعين عاماً, كانت في النهاية ناجحة. لقد نجح الرجل في قيادة دولة عظمى في عالم تحكمه فكرة العولمة والهيمنة الأميركية, ونجح في أن يرفع صوت فرنسا في هذا العالم.
الحقيقة الثانية هي أن مسيرة جاك شيراك فرنسية وأوروبية بقدر ما هي لبنانية­ عربية, وهو يبقى وجهاً احبه اللبنانيون والعرب حتى في اخفاقاته, وقد برهن باستمرار, وفي اكثر الظروف تعقيداً, أنه يريد لأوروبا أن تكون أوروبية في التعامل مع العالم العربي, وحاول أن يكون مختلفاً عن توجهات واشنطن في معظم الأوقات.
الحقيقة الثالثة هي ان جاك شيراك رجل تاريخي لعب دور البطولة بامتياز في ثلاث قضايا تاريخية: عارض الغزو الأميركي للعراق, واعترف بالجرائم التي ارتكبتها فرنسا في حروبها, كما وقف في وجه العنصرية والتطرف السياسي.
والحقيقة الرابعة هي انه لن يبقى الكثير من الرجل الذي طبع حضوره السياسة الفرنسية على مدى اربعة عقود ربما, لكنه يبقى في الذاكرة اللبنانية انه صديق حقيقي للبنان, وفي الذاكرة الفلسطينية انه غضب في شوارع القدس القديمة امام رجال الشرطة الاسرائيلية, وعمل باستمرار على تطوير نظام أوروبي للدفاع يعمل بصورة مستقلة عن النظام الأميركي.
كان مستقلاً ولو أنه فشل في حالات عدة, وراهن على الثنائية الفرنسية­ الالمانية للانعتاق من السيطرة الاميركية. وبخلاف فرانسوا ميتران الذي شارك في حرب الخليج الاولى في العام 1991, وهو لم يسمح لأي جندي فرنسي بأن يقاتل دولة عربية الى جانب القوات الاطلسية.
هل يذكر التاريخ وكيف؟
هو نفسه يعترف في كتاب حمل عنوان «غريب في قصر الاليزيه» بأنه لا يعرف كيف سيذكره التاريخ, لكن ما لا يجادل فيه احد هو ان التاريخ سوف يسجل بأحرف ذهبية ان فرنسا الشيراكية بلد تسامح واحترام لحقوق الانسان... او هكذا تصر على أن تكون.


فؤاد حبيقة 
المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...