التئام شكلي لمعارضين سوريين في الرياض وتجاوز التفويض الأممي وتبييض مجموعات إرهابية
كائناً ما كان الوفد الذي سيخرج من مؤتمر الرياض لتمثيل المعارضة السورية في أي مفاوضات مع الحكومة السورية، فلن تجد التشكيلة من يقبل بها كما هي، وستخضع لتعديلات روسية وصينية، وربما أميركية، وفق بيان فيينا الذي يفرض تمثيلاً ذا مصداقية، ووازناً لأي وفد معارض، وهو ما لا يتوفر أصلاً في المؤتمر الذي عمد إلى إقصاء البعض، أو رفض البعض الآخر حضوره.
فمن بين مَن أقصاهم السعوديون، الذين يتسلحون بالتفويض الدولي لهم، «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، الذي تجاهل السعوديون، إرضاء للأتراك، وجوده وتمثيله الأوسع للأكراد في سوريا، والاكتفاء بدعوة شخصيات كردية من «المجلس الوطني الكردي» تعمل في «الائتلاف» الذي يهيمن عليه الأتراك.
المؤتمر يبدأ غداً في الرياض، وبتفويض من مؤتمر فيينا للسعودية تشكيل الوفد إلى التفاوض مع الحكومة السورية في جنيف، وتحديد آليات تطبيق بيانَي فيينا وجنيف، على ما بينهما من تباين كبير في النظر، سواء إلى العملية الانتقالية كما تحدث عنها جنيف، والتي لم تعد سوى حكومة موسعة في فيينا، أو تحديد موقع الرئاسة السورية، ومستقبلها، والذي اعتبر بيان فيينا القرار فيه ملكاً للشعب السوري لا ملك المفاوضين، وهو ما عبَّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالقول إن «مسألة الرئاسة السورية مغلقة».
وينظم السعوديون مؤتمراً لاختيار «وفدهم» السوري إلى التفاوض مع الحكومة السورية، وليس وفداً سورياً يشكل خلاصة مفاوضات حقيقية بين أطراف المعارضة، إذ تعكس خريطة المندوبين والشخصيات التي وضعتها الرياض تأثير المثلث التركي ـ القطري ـ السعودي، عبر رجحان كفة «الائتلاف الوطني» المعارض على ما عداه من قوى سورية معارضة، من الداخل أو الخارج على السواء، إذ وصلت أعداد ممثليه المباشرين، أو تحت مسميات شخصيات «الحراك» أو تلك المستقلة، أكثر من 38 مندوباً، وهو ما يؤهله مع 16 ممثلاً للمجموعات المسلحة إلى حيازة نصف المندوبين وتقرير مصير الاجتماع.
وكان عدد المدعوين قد بلغ حتى مساء أمس ما يقارب 103 مندوبين. وتحظى «هيئة التنسيق» من معارضة الداخل بـ13 مندوباً، فيما يحضر عن «تيار بناء الدولة» لؤي حسين ومنى غانم، بالإضافة إلى ممثلي مجموعات صغيرة، أو شخصيات مستقلة. وتحضر المجموعات المسلحة عبر دعوة زهران علوش ومصطفى علوش من «جيش الإسلام»، الذي تموله وتسلحه السعودية. ويمثل لبيب نحاس «حركة أحرار الشام»، التي تمولها وتسلحها قطر وتركيا وجمعيات وهيئات كويتية وخليجية. كما دعا السعوديون إلى الرياض ممثلين عن فصائل من «الجبهة الجنوبية»، منها «حركة شباب السنة» في بصرى الشام، و «جبهة ثوار سوريا» التي يقودها أبو أسامة الجولاني، وبكور السليم من تجمع احمد العبدو، بالإضافة إلى جماعات تركمانية مسلحة من الشمال السوري، وبعض الضباط المنشقين كأسعد الزعبي والعميد عوض احمد العلي.
ويشكل حضور ممثلي «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» محاولة للي ذراع الروس، و«غسل» هذه المجموعات، التي تشكل العمود الفقري للسلاح المعارض في سوريا، من تهم الإرهاب. ويبدو الصراع على «إرهابية» أو عدم «إرهابية» حركة «أحرار الشام» نقطة خلاف كبيرة بين الروس من جهة وبين المثلث القطري ـ التركي ـ السعودي، إذ تعد الحركة كبرى المجموعات المسلحة في سوريا لضمها ما يقارب الـ25 ألف مسلح، تخترقها الاستخبارات التركية بشكل خاص، وتراهن عليها كأحد أقوى الفصائل وأفضلها تسليحاً للعب دور كبير في تركيبة الجيش السوري، أو ضبط وقف إطلاق النار، وإحداث توازن مع «جبهة النصرة»، وعبر دعوتها إلى الرياض يسعى المثلث إلى منحها حق التمثيل السياسي، وتطبيع العلاقات معها، وضمها إلى المفاوضات مع الحكومة السورية، وتسهيل دمجها بالجيش السوري في المستقبل، ومنحها دوراً أكبر في العمل العسكري.
لكن الروس يطالبون بوضع «أحرار الشام» على لائحة الإرهاب، إذ تشكل الحركة، التي أعلن أبو عبدالله الحموي (حسان عبود) مع أبو خالد السوري في تشرين الثاني العام 2011، جزءا من التيار «القاعدي» في سوريا، والحليف الأول لـ«جبهة النصرة» في سوريا، عبر «جيش الفتح»، ولو أنها لم تبايع مثلها أيمن الظواهري. وتزخر الحركة بشخصيات وقيادات «جهادية» سعودية تتجاوز 600 فرد، وعدد كبير من «الجهاديين» الأجانب الذين تقترح تجنيسهم بالجنسية السورية، ومنع إبعادهم في إطار أي حل سياسي. ويطالب الروس بضم «جيش الإسلام» أيضاً إلى لائحة الإرهاب، في إطار محاصرة كل المجموعات التي يستند إليها السعوديون لتهديد دمشق.
وجلي أن يومين من المفاوضات المقررة لتوحيد المعارضة السورية، أو وضع تفاهمات لتطبيق جنيف أو فيينا، أو رؤية مشتركة للتفاوض مع الحكومة السورية، وتشكيل وفد من 25 مندوباً، تطرح أسئلة مشروعة عن جدية الرهان بإنجاز كل ذلك خلال 48 ساعة، فضلاً عن أن المهمات المطروحة على المؤتمر، تتجاوز التفويض المعطى للسعوديين من فيينا، والذي ينبغي أن يقتصر على البحث بتشكيل الوفد لا أكثر، وعدم العودة إلى آليات الانتقال السياسي، أو تحديدها، وهي مهمة لم يكلف السعوديين بها أحدٌ.
وكانت العناوين هذه قد حسمتها فيينا، وأوكلتها إلى طاولة الحوار في اللجان التي ينبغي أن يطلقها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، لا سيما اللجان السياسية والدستورية ومكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار.
ويتقاطع كلام عضو لجنة «مؤتمر القاهرة» المعارض هيثم مناع، على صفحته الفايسبوكية، مع الاستنتاج الذي يفرض نفسه، من أن السعوديين، قد انهوا كل التحضيرات، وأقفلوا النقاشات التي لن تكون إلا شكلية، لأن الوفد أصبح جاهزاً، قبل النقاش في تأليفه، كما أن الورقة السياسية التي ينبغي البحث بها، قد تكون جاهزة. ويقول مناع الذي قرر عدم تلبية الدعوة إلى مؤتمر الرياض «إنه يجري الحديث عن ورقة معدة مسبقاً لخدمة موقف مثلث إقليمي، في تكرار بائس لما جرى في منتدى موسكو الأول (مبادئ موسكو) وكان من أسباب فشل المنتدى». وعدَّد مناع مآخذه على مؤتمر الرياض، وقال إنه «تمت دعوة أطراف أعلنت صراحة رفض جنيف وفيينا». ورأى أنه «ثمة بصمات تركية واضحة بين المدعوين، ووجود مبالغ به للعناصر التي قبلت منطق الوصاية على قراره. تأكدت لنا دعوة ممثلي فصيل عسكري هجين من السوريين والأجانب يحمل إيديولوجية القاعدة ويشاركها في العمليات العسكرية».
ويبدو أن السعوديين قرروا تفادي وجود أي مقرب من موسكو، فغابت الدعوة عن أمين عام «حزب الإرادة الشعبية» قدري جميل، فيما اعتذر معاذ الخطيب، وبرهان غليون،بينما قالت رئيسة «المجتمع التعددي» المعارض رندا قسيس إنه «لا يمكن الذهاب إلى دولة تدعم الإرهاب، وإن ما تقوم به السعودية هو من خارج التفويض الأممي لها، وإن ما ينتج عن هذا الاجتماع لن يكون مقبولاً روسيا».
وينتظر معارضو مؤتمر الرياض أن تعود كرة تشكيل الوفد المفاوض إلى ملعب الأمم المتحدة، إذ لم يأخذ السعوديون بالأوراق والأسماء التي تقدم بها الصينيون لتشكيله (15 اسماً من بينهم ثلاثة من رؤساء «الائتلاف» السابقين، وبرهان غليون، وهيثم مناع، ورندا قسيس، ومحمود مرعي، وقدري جميل) ولا الـ38 اسماً التي تقدم بها الروس، ولا المطالب التي تقدم بها المصريون من أجل تمثيل أفضل لمجموعة «مؤتمر القاهرة».
والأرجح أن يعود دي ميستورا إلى تعديل الوفد الذي ستجري تسميته في الرياض، لكي يتطابق، مع ضرورات التمثيل والمصداقية، كما نص عليها جنيف. لكن العملية الجارية برمتها ليست الأولوية بنظر الروس الذين أطلقوا المسار السياسي في جنيف، لأن النقاش لن يفتح قبل حسم قضية لائحة الإرهاب، وتصنيف المجموعات المسلحة مثل «أحرار الشام» و «جيش الإسلام» بتلك الصفة، قبل الدخول في أي مفاوضات. كما أن الذهاب إلى مؤتمر برعاية الأمم المتحدة في نيويورك في 18 كانون الأول الحالي، لمواصلة البحث الذي بدأ في فيينا، لا يبدو مؤكداً حتى الآن، إذ لا يرغب الجانب الروسي بمنح الأميركيين، الذين يرأسون الدورة الحالية لمجلس الأمن، منصة المرحلة الثالثة من هذا المسار، وفرض جدول الأعمال، ويقترحون العودة إلى فيينا ثالثاً، أو الذهاب إلى روما واحد.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد